كانتِ العاصمة السعودية الرياض يوم الأربعاء الماضي على موعد مع أول قمة مغربية-خليجية بحضور الملك محمد السادس، وهي قمة لم تأت من فراغ. فمنذ استقلال المغرب قبل ستة عقود خلتْ حرصت العائلة الملكية على توطيد علاقات وروابط عائلية مع نظرائها الخليجيين، وقد أعطت الروابط الأخوية التي طالما جمعت المغرب والأسر الحاكمة الخليجية الست ثمارها رغم تقلبات الظروف. وعمل الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش سنة 1999 على نهج السياسات نفسها التي وضعها والده الراحل الملك الحسن الثاني. ورغم العلاقات الشخصية المتميزة التي تجمع العائلة الملكية المغربية بالأسر الحاكمة في الخليج، إلا أنها لم تترجم إلى اندماج قوي لاقتصاد كل من المملكة المغربية ودول الخليج على المستوى المؤسساتي، بل ظلت هذه العلاقات مقتصرة على تقديم الدعم المالي من هذه الدول للمغرب أو تقديمه الدعم الأمني لها. إلا أن المتتبعين لاحظوا أن هبوب رياح ما عُرف بالربيع العربي جعلت القادة أكثر عزما على الرفع من مستوى علاقاتهم، وهو ما تجسد في دعوة المملكة العربية السعودية إلى انضمام كل من المغرب والأردن إلى تكتل دول مجلس التعاون الخليجي. ورغم أن الخطوة لم تعط أُكْلها، إلا أنها جاءت كمؤشر على بداية مجهود حثيث لإقامة تحالف إستراتيجي اقتصادي وعسكري بين المملكة المغربية ودول مجلس التعاون الخليجي. نحو بناء تحالف إستراتيجي قوي لقد جاءت القمة المغربية-الخليجية الأولى لتعطي زخماً لكل المحاولات السابقة لبعث حياة جديدة في الشراكة التي تربط هذه الدول، كما أن هناك احتمالاً لكي تقترح المملكة العربية السعودية إمكانية انضمام كامل للمغرب إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ولعل توقيت القمة مؤشر على رغبة المغرب وأشقائه في دول مجلس التعاون الخليجي في بناء شراكة إستراتيجية جديدة تنبني على مبدأ رابح – رابح. وهناك أسئلة متعددة يطرحها المتتبعون، من بينها: لماذا تقرر عقد القمة الآن؟ وما الذي سيقدمه المغرب لتقوية هذه الشراكة؟ وهل ستكون شراكة رابح-رابح؟ وهل تتمخض عن القمة مساهمة خليجية بارزة في المشاريع المهيكلة بالمغرب، التي تهدف إلى خلق فرص عمل وإخراج فئات عريضة من الساكنة من دائرة الفقر؟ إن أهم وأبرز ما يميز العلاقات بين المغرب وحلفائه في الخليج العربي دون غيرها من العلاقات هي الأواصر القوية التي تربط القادة، وهو ما أكد عليه الملك محمد السادس في خطابه خلال القمة المغربية-الخليجية بقوله إنها علاقات ليست وليدة مصالح ظرفية أو حسابات عابرة قد تتغير بقدوم حاكم جديد أو جيل جديد أو إدارة جديدة. التزام المغرب باستقرار وأمن دول مجلس التعاون الخليجي جاءت كلمة الملك محمد السادس واضحة ومباشرة في التأكيد على أن مصلحة المغرب مرتبطة بالحفاظ على استقرار حلفائه في الخليج؛ فأي تصدع في استقرار دول الخليج قد يأتي بتداعيات خطيرة على المغرب. وقد تتمثل أخطر هذه التداعيات في الارتفاع الحاد في أسعار النفط، وما لذلك من آثار وخيمة على الاقتصاد المغربي، بتسجيل انخفاض حاد في استثمارات دول الخليج في المغرب أو دعمها المالي له. وبما أن هذا الدول سترغم على تخصيص نسبة كبيرة من مواردها للإنفاق على ميزانية الدفاع، فلن تتوفر إلا على سيولة مالية محدودة لتخصيصها للاستثمار في دول مثل المغرب. ويبدو أن المصير المشترك هو ما يفسر عدم تخلي دول الخليج عن المغرب، وخصوصا المملكة العربية السعودية. فعندما واجه المغرب مشاكل سياسية أو اقتصادية كبيرة، لعبت المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في إنقاذ الاقتصاد المغربي من الإفلاس مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت الحكومة في حاجة ماسة للموارد المالية لتسديد أجور موظفيها. ولعل القليلين فقط يتذكرون ذلك. كما أن بلاد الحرمين الشريفين ساعدت المغرب في بناء الجدار الرملي في الصحراء في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت الحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو في أوجها. على ضوء انعدام الاستقرار الذي عم العالم العربي، وعجز جامعة الدول العربية عن إسماع صوت الدول الأعضاء فيها على الصعيد الدولي، رأى قادة المغرب والخليج أن الوقت قد حان لإضفاء زخم مؤسساتي على شراكتهم المميزة؛ وفي هذا الصدد يندرج قرار المملكة المغربية الاعتذار عن استضافة القمة العربية في مارس الماضي. لقد قالها الملك محمد السادس صراحة، فما يتطلع له العالم العربي وشعوبه ليس فقط لقاءات رتيبة وخطابات رنانة لا تُترجم إلى الواقع، بل إن الشعوب العربية في حاجة إلى قادة برؤية ورغبة في وضع أساس متين لمستقبل أفضل لشعوبهم. المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي: تبادل للمصالح ومواجهة لتهديدات زعزعة الاستقرار تُجيب الشراكة المغربية-الخليجية بشكل واضح على ضرورة العمل المشترك المبني على وحدة المصير والمصالح المشتركة، ذلك أن دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب تتقاسم المصالح نفسها وتواجه التحديات الأمنية نفسها. وللجانبين قناعة بأنه لا يمكن الاعتماد بعد الآن على حلفائهما التقليديين الإستراتيجيين في الغرب، وبأن الوقت حان للمضي قدما في تحالفات إستراتيجية جديدة لتحصين أمن واستقرار بلدانهما. وفي ظل الدور الجديد الذي أُريد لإيران أن تلعبه في الشرق الأوسط، بإيعاز من واشنطن، للتقليل من شأن حلفائها في الخليج، تبرز حاجة دول مجلس التعاون الخليجي إلى دولة في حجم المغرب لمساعدتها على مواجهة تأثير سياسة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة. ومن جهة أخرى، شكلت مشاركة المغرب في التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن الخطوة الأولى في هذه الشراكة المزدهرة بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي. ففي ظل انسلاخ الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل تدريجي عن دورها في توفير مظلة أمنية للمنطقة، تبرز حاجة المملكة العربية السعودية وجيرانها من دول الخليج إلى شريك إستراتيجي موثوق فيه، يتم اللجوء إليه حين تشتد الأزمات. وباعتبار العلاقات القوية بين عاهل البلاد وأشقائه في الخليج، فإنه يُنظر إلى الرباط كفاعل مؤثر في معادلة الأمن المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي. وفي السياق الأمني نفسه، سيلعب المغرب دوراً كبيرا في مساعدة دول مجلس التعاون الخليجي على درء التهديدات الإرهابية التي يشكلها تنظيم "داعش" والقاعدة وحزب الله اللبناني المدعوم من قبل إيران، بالإضافة إلى المجموعات التي تخوض حروبا بالوكالة في سوريا واليمن. وعلى مر سنين عديدة، لعب المغرب دورا رائداً في الحرب العالمية ضد الإرهاب؛ وقد بدا ذلك جلياً في الدور الذي لعبه في إحباط هجمات إرهابية دقيقة كانت وشيكة في أوروبا، وفي تحديد مكان تواجد عبد الحميد أبا عوض، الذي وصف بأنه العقل المدبر للهجمات الدامية التي ضربت باريس في نونبر الماضي. ولعل الخبرة التي راكمتها أجهزة الاستخبارات المغربية في تبادل المعلومات وفي تتبع الإرهابيين تثير اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي ورغبتها الأكيدة في الاستفادة من تجارب المملكة المغربية، وبالتالي تحصين حدودها أمام التهديدات الإرهابية. ثم إن الدور القيادي الذي لعبه المغرب في إفريقيا على مدار السنوات الأخيرة سيجعله محفزا للاستثمارات الخليجية بالقارة السمراء، ولديه الكثير من التجارب في هذا السياق لمشاركتها مع نظرائه الخليجيين. من جهة أخرى، يُعولُ المغرب على حلفائه العرب لتمتين الخطوات التي قام بها في السنوات الأخيرة على مستوى البنية التحتية وتنمية الاقتصاد. فبعد المشاريع الاقتصادية الكبرى التي أطلقها في السنوات الأخيرة، كمخطط المغرب الأخضر وسياسة الطاقات المتجددة الطموحة، تبقى حاجة المغرب ماسة إلى تدفق ثابت للأموال بغية تمويل مشاريعه. وبفضل الروابط القوية التي تجمع العائلة الملكية بنظرائها في الخليج، يعي المغرب جيداً أنه لا مجال بعد الآن للاعتماد حصراً على شركائه الاقتصاديين التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. كما أن المغرب ليس مستعداً بعد اليوم للتقيد بالشروط المجحفة التي يفرضها هؤلاء الحلفاء كلما أرادوا أن يمنحوا قرضاً للبلاد أو يجلبوا استثماراً. وبينما تكون المساعدات المالية الغربية في أغلب الأحيان مقرونة بالتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب وخدمة المصالح الضيقة للدول الآنف ذكرها عوض دعم الاقتصاد المغربي، تتدفق الاستثمارات الخليجية دون قيود مجحفة، أو تدخل في الشؤون الداخلية للمغرب. وقد أعطى الزخم الذي ميز الشراكة المغربية-الخليجية منذ سنة 2012 ثماره، إذ إن المغرب من بين أكبر المتلقين للاستثمارات الخليجية والدعم المالي الخليجي. ولم يساعد تدفق الأموال المغرب في دعم مشاريعه الاقتصادية فحسب، بل ساعد على تهدئة حالة التوتر الاجتماعي. وأهم ما تجب الإشارة إليه هو أن المغرب في حاجة إلى تضامن دول مجلس التعاون الخليجي ودعمها في معركته الدبلوماسية المستمرة لتثبيت سيادته على الصحراء المغربية. وقد ساعد النفوذ الاقتصادي الذي تحظى به دول الخليج بفضل ثرواتها النفطية على توسطها لصالح المملكة المغربية لدى الأعضاء المؤثرين في مجلس الأمن، وخصوصا الولاياتالمتحدةالأمريكية. وبعد أن كان دعم الدول الخليجية لقضية الصحراء المغربية مضمراً في الماضي، غدا بعد القمة المغربية-الخليجية علنياً لأول مرة. ولا شك أن دعم دول مجلس التعاون الخليجي سيجعل المغرب أكثر حزماً في تعامله مع الأممالمتحدة وباقي القوى المؤثرة. وفي ظل شراكة في حجم الشراكة المغربية-الخليجية، سيتفاعل هذا التكتل الجديد للملكيات بصوت واحد وبقيادة موحدة من شأنها الدفع بأجنداتها الخاصة والدفاع عن مصالحها الإستراتيجية. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار طبيعة العلاقات التي تجمع قادة هذه الدول وإيمانهم بتقاسم المصير المشترك ومواجهة التهديدات والتحديات نفسها، فإن هذا التجمع الجديد قادرٌ على أن يملأ الفراغ والدور الباهت الذي خلفتهُ جامعة الدول العربية المشلولة. وفي خضم التهديدات العديدة التي تواجه العالم العربي، فإن إضفاء صيغة على التحالف المغربي-الخليجي بات ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى. *مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News