في شهر مارس الماضي، علم المغاربة بأن حكومتهم تعتزم المشاركة في التحالف العسكري العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي يهدف إلى محاربة المتمردين الحوثيين وإرجاع الشرعية لليمن، وبذلك أرسل المغرب عدداً من الطائرات الحربية للمشاركة في هذه الحملة العسكرية. ومنذ ذلك الحين، وفي غياب حوار كامل حول أهمية مشاركة المغرب في التحالف العربي من عدمه، ظل المغاربة منقسمين بين مؤيد ومعارض لتواجد المغرب بين دول التحالف. وعلى الرغم من مشاركة المغرب، فإن نسبة قليلة من المغاربة تعي أهمية تلك الحرب وسبب مشاركة بلادهم فيها. ولم يحتدم الجدال حول المشاركة المغربية في الحرب إلا بعد تحطم طائرة الطيار المغربي الراحل ياسين بحتي. فقد أدرك المغاربة فجأة أن بلادهم تشارك في حملة عسكرية منذ شهر مارس الماضي، وبدأوا يشككون في صحة قرار المشاركة في حرب ربما ليست حربهم. وقد أثارت هذه المشاركة موجة من الانتقادات، حيث تساءل العديد من المغاربة عن جدوى مشاركة المغرب في هذه الحرب، وذهب البعض إلى مطالبة الحكومة بإعادة النظر في هذا القرار. وينطلق هؤلاء من فكرة أن المغرب يبعد جغرافيا عن اليمن، وبالتالي، عليه أن يركز على قضاياه الداخلية والخارجية عوض المشاركة في تلك الحرب.ووسط فيض المشاعر الذي عقب موت الطيار ياسين بحتي، يمكن للمرء أن يتفهم موجة النقد الموجهة للحكومة ل “سماحها بموت أبنائنا بسبب مشاكل ليست مشاكلنا“. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل على المغرب أن يغظ الطرف عما يقع في اليمن وألا يساهم في إرجاع الشرعية لذلك البلد بداعي بعده الجغرافي؟ هل على المغرب أن يتجاهل نداء حلفاءه الاستراتيجيين وألا يحترم الالتزامات المضمنة في الاتفاقات الثنائية التي وقعها معهم؟ هل يجب على المغرب أن يضحي بالعلاقات التي تجمعه بدول الخليج فقط بدعوى التركيز على قضاياه الخارجية؟ مصلحة المغرب في استقرار دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر الإجابة على هذه الأسئلة أمرا بالغ الأهمية لكي يدرك الرأي العام المغربي الأسباب الكامنة وراء تدخل المغرب في الحملة العسكرية باليمن. إن الطرح الذي يقول بأن مشاركة المغرب في اليمن غير مبررة يعتبر طرحاً غير صائب، وذلك لعدة اعتبارات أولها أن مصالح المملكة تتعدى حدوده الإقليمية في شمال إفريقيا وتمتد إلى شبه الجزيرة العربية. كما أن مساهمة المغرب في جهد جماعي عربي في اليمن يعزز مكانته كعضو فعال على المستوى الإقليمي وعلى مستوى جامعة الدول العربية. كما يتماشى هذا التدخل مع الجهود التي بذلها المغرب في السنوات القليلة الماضية ليصبح من الدول الأكثر تأثيراً على المستوى الإقليمي. ولعل تنظيم المغرب لعدد من المؤتمرات الدولية والإقليمية واستضافته للمباحثات بين الفصائل الليبية المتنازعة وجهوده للوساطة في مالي، تدخل في إطار هذه الإستراتيجية. ومع تراجع النفوذ المصري خلال الأعوام الأخيرة، أصبح المغرب الآن أهم مركز للاستقرار والأمن في العالم العربي، مما يؤهله للاضطلاع بدور مؤثر في العديد من القضايا الإقليمية، وهو دور طالما لعبه المغرب منذ حصوله على الاستقلال. أهم أهداف التحالف العربي هو التصدي للنفوذ الإيراني المتزايد بالمنطقة. كما يهدف التحالف إلى الدفاع عن دول الخليج العربي ضد تداعيات الوضع الغير المستقر في اليمن.ويمكن القول بأن للمغرب مصالح كثيرة في وقف نفوذ إيران على الدول العربية خصوصا دول الخليج التي يتقاسم المغرب معه االعديد من المصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية والدينية. ورغم كون المغرب من أبعد الدول العربية جغرافيا عن إيران، إلا أنه لا يسلم من أجنداتها، فقد شهدنا في الأعوام الأخيرة محاولات إيران لنشر إيديولوجياتها الشيعية في المغرب، مما دفع بالرباط لقطع علاقاتها مع طهران. عامل آخر يجب أخده بعين الاعتبار عند مناقشة مشاركة المغرب في الحرب باليمن هو أنه بهذه المشاركة، تلتزم الرباط بإحدى مخرجات القمة العربية التي انعقدت في شرم الشيخ في شهر مارس الماضي،عندما قرر أعضاء هذه الجامعة خلق قوة عسكرية عربية مشتركة. فحسب البيان الصادر عن المجموعة العربية، فسيتم "نشر هذه الوحدات العسكرية بطلب من كل بلد عربي يواجه تهديدات أمنية داخلية أو يحارب مجموعات إرهابية". كما يفي المغرب بالتزاماته بموجب الاتفاق الذي وقعه عام2006 في إطار اتفاق التعاون العسكري مع الإمارات العربية المتحدة التي تعتبر واحدة من أهم حلفائه. وبموجب هذا الاتفاق، الذي صادق عليه البرلمان المغربي شهر دجنبر الماضي، يلتزم المغرب بتقديم الدعم العسكري والأمني واللوجستيكي للإمارات العربية المتحدة لمساعدتها على مكافحة الإرهاب والحفاظ على الأمن، والاستقرار الإقليميين والعالميين. وفي الواقع، فإن التعاون الأمني والعسكري بين المغرب دول الخليج ليس وليد اليوم،فلطالما قام المغرب بتدريب جنود بلدان الخليج وساهم في تحقيق أمنها. وعلى سبيل المثال، فقد قام المغرب منذ عدة عقود بنشر قواته الإماراتالمتحدة، وشارك في تدريب الجيش الإماراتي. أهمية دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للمغرب ليس هناك أدنى شك في اهتمام المغرب البالغ بالسلم والأمن والاستقرار في الدول العربية، إذ أن أي عدم استقرار في المنطقة قد يكون له انعكاسات خطيرة على المملكة. وإذ افترضنا أن هذه البلدان قد تتأثر بتداعيات الوضع الأمني في اليمن، فسيكون لذلك أثر مباشر على اقتصاد المغرب. ومن أكثر السيناريوهات خطورة الارتفاع المفاجئ والحاد لأسعار النفط، والذي سيكون له أثر سلبي طويل الأمد على الاقتصاد المغربي، وقد يعصف بكل التطورات التي أحرزها المغرب مؤخرا نتيجة الانخفاض الطفيف لأسعار النفط، كما أن هذا السيناريو سيدفع دول الخليج لتخصيص حصص أكبر من ميزانياتها لاقتناء مزيد من الأسلحة، مما سيقلل من السيولة المالية المخصصة للاستثمار في بلدان كالمغرب. ومن جهة أخرى، دعونا لا ننسى أن المغرب لطالما كان من أكبر المستفيدين من الدعم المالي الذي تمنحه له دول الخليجي. فنسمع من حين لآخر أن أحد بلدان الخليج العربي قدم دعماً لتمويل مجموعة من البرامج أو المشاريع بالمغرب. وقد أظهرت دراسة أخيرة صادرة عن صندوق النقد الدولي أن المغرب كان سابع أكبر مستفيد من الدعم المالي الذي قدمته المملكة العربية السعودية خلال الفترة ما بين 2011 و 2014، حيث تلقى هبات وصلت ل 488 مليون دولار. مقارنة بين الدعم المالي الخليجي والدعم المالي المقدم من الدول الغربية ما يجب أخذه في عين الاعتبار عند الحديث عن المساعدات والديون هي أن الهبات التي تمنحها دول مجلس التعاون الخليجي هي هبات حقيقية ليس على المغرب تسديدها بالفوائد أو استعمالها لشراء منتوجات من هذه البلدان. إن السياسة التي تنهجها هذه البلدان مع المغرب تختلف عن تلك التي تتبناها الدول الأوروبية والغربية عموما مع الدول النامية كالمغرب. فحينما تقدم فرنسا أو إسبانيا منحةً للمغرب، فإن هذه التمويلات عموماً لا تُستعمل في إنشاء بنى تحتية أو مدارس ومستشفيات أو طرق سيارة أو استثمارها في مشاريع تخلق فرصا للشغل، بل يتم منحها للمغرب في إطار ما يعرف "بالمساعدات المشروطة". بمعنى آخر، فإن هذه الديون تُعطى للمغرب لتسهيل تمويل شرائه المنتوجات المستوردة من الدول الدائنة. وفي هذا السيناريو الذي لا يزال قائما منذ استقلال المغرب إلى اليوم، فان خسارة المغرب تكون على مستويين اثنين: أولا عليه تسديد"المنح" التي يتلقاها من طرف نظرائها الأوروبيين بالفائدة. ثانيا: لا تساعد هذه "المنح" الحكومة المغربية على تمويل المشاريع الهيكلية التي تحتاجها العديد من القطاعات الحيوية. وخلاصة القول، فإن هذه المساعدات أو الهبات لا تساهم في خلق فرص للشغل والتخفيف من مشكل البطالة، خاصة في أوساط الشباب، بل تتسبب في تعميق مديونية الدولة. ولعل الرابح الوحيد في هذه الحالة هي الدول الغربية التي تجد منفذاً لصادراتها ومستدينا جاهزا لتسديد القروض بفوائد بنسب مرتفعة. الشراكة الإستراتيجية بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي تبعا لأحداث ما يسمى بالربيع العربي، وقع المغرب على اتفاق شراكة إستراتيجية مع دول التعاون الخليجي، وكان الهدف من هذا الاتفاق توطيد العلاقات الاقتصادية وتعزيز التعاون العسكري بين الطرفين. وفي 2012، قررت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر منح المغرب 5 مليارات دولار أمريكي لمساعدته في جهوده الرامية لتحسين بنيته التحتية وتقوية اقتصاده. وقد ساهم هذا الدعم المالي بشكل كبير في التخفيف من الاحتقان الاجتماعي في البلاد. كما قدمت السعودية والإماراتالمتحدة والكويت المغرب مساعدة مالية لتمويل بناء القطار السريع. وبالنظر لأهمية الكبيرة التي تكتسيها المساعدات المالية الخليجية بالنسبة للاقتصاد المغربي، وللاتفاقات الموقعة بين الطرفين في المجال الأمني والعسكري، فإنه من الطبيعي أن يكون المغرب من بين أول الدول المقدمة للدعم الأمني والعسكري لحلفائه بالخليج العربي. العلاقات بين الملك محمد السادس وقادة دول مجلس التعاون الخليجي علاوة على ما تقدم، فإن من أهم العوامل التي يجب أخدها بعين الاعتبار في العلاقات بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي هي العلاقات الأخوية التي تربط العائلة الملكية المغربية والعائلات الملكية لتلك البلدان.في العلاقات الدولية، تكون للروابط الشخصية بين رؤساء الدول أهمية كبرى قد تساهم في بعض الأحيان في التأثير على الخيارات التي يتخذها صناع القرار. وإن العلاقات الممتازة التي تربط المغرب بهذه البلدان تجعل هذه الأخيرة بمثابة صمام أمان يلجئ ء إليه كلما واجه أزمات أو مشاكل مالية حادة. فعلى سبيل المثال، وحينما واجه المغرب في بداية ثمانينيات القرن الماضي أخطر أزماته المالية، التي وضعت الدولة في حافة الإفلاس وعلى عتبة وقف الأداء، فقد كانت السعودية أول من ساعد المغرب على تخطي تلك الأزمة. كما ساهمت الرياض في الجهود التي بذلتها الرباط للحفاظ على سيادتها على الصحراء في أوج الحرب بين المغرب والبوليساريو في منتصف الثمانينيات. بالإضافة إلى ذلك، وبفضل مكانتها الحيوية في أسواق النفط، فيمكن لدول مجلس لتعاون الخليجي، خاصةً السعودية، أن تلعب دورا هاما في مساعدة المغرب على الحيلولة دون قيام أعضاء مجلس الأمن باتخاذ أي قرار قد يهدد السيادة المغربية في الصحراء المغربية. كما سبق أن أشرت في مقالة سابقة في أبريل 2013، فمن المحتمل أن يكون تضامن دول مجلس التعاون مع المغرب قد ساهم في إقناع واشنطن بتغيير مسودة مشروع القرار الذي قدمته لمجلس الأمن، والذي طالبت فيه بإنشاء آلية لمراقبة لحقوق الإنسان في الصحراء المغربية. بناءً على ما سبق، يمكن القول أن قرار المغرب بالمشاركة في التحالف العربي في اليمن مبرراً. ببساطة، لا يمكن للمغرب أن يستفيد من الدعم المالي الذي تقدمه له الدول الخليجية من وقت لآخر من دون تقديم أي مقابل لها. فبقدر ما يحتاج المغرب لتدفق الأموال من تلك الدول لتعزيز نمو اقتصاده والتخفيف من أزماته، تحتاج هذه الدول بدورها لمساعدة المغرب في تحقيق أمنها، وفي مكافحة الإرهاب ضد المجموعات التي تزعزع الاستقرار بالمنطقة. * محلل سياسي و رئيس تحرير جريدة Morocco World News