الفهم الصادق لأفراد أسرتك، هو الطريق الوحيد لعلاقات أسرية قوية، و بدون الفهم الحقيقي، تكون العلاقات شكلية، ومجرد عملية تجارية، ولا يمكن أن تكون مؤثرة بعمق إلا إذا كانت تعتمد على أساس من الفهم العميق. فما مدى فهمنا الصادق لكل أفراد الأسرة؟ وما مدى معرفتنا لأفراد أسرتنا ؟ هل نعرف ضغوطهم؟ والعوامل التي تؤثر فيهم ؟، وحاجاتهم ؟ ، ووجهت نظرهم عن الحياة وعن أنفسهم ؟ ما هي توقعاتهم وآمالهم ؟ ، وكيفية معرفتهم أفضل؟، إن أقوى ما يلهث الإنسان وراءه هو أن يفهمه الآخرون ، لأن الفهم يؤكد ضمنيا القيمة الكبيرة للآخرين، ونستجيب بذلك لأهم حاجاتهم . يحكى أن أبا وابنه حاولا في يوم من الأيام إدخال أحد العجول إلى الحظيرة، لكنهما ارتكبا الغلطة الشائعة ألا وهي التفكير فيما يريدانه فقط ، الأب يدفع العجل وابنه يجذبه، لكن العجل فعل نفس ما فعلاه، ففكر فيما أراده هو، لذلك تصلبت أرجله ورفض بعناد أن يترك المرعى، شاهدت مساعدتهما ورطتهما ، وكان لديها إدراك أو إحساس بالعجل أكبر مما لديهما، لذا فكرت فيما يريده العجل، فوضعت إصبعها في فم العجل بحنان وتركته يرضع إصبعها بينما قادته برفق إلى الحظيرة. معظم آلام الأسرة من إحباط، وعلاقات سيئة، وحزن، ووحدة، وبكاء، وتوقعات غير واضحة، ولوم، واتهام، هي نتيجة لعدم فهم حاجيات الآخر، فأخطاء أطفالنا وأزواجنا وجميع أفراد الأسرة ليست نتيجة سوء النية، بل لأننا لم نفهمهم جيدا، ولأننا لم نستطيع التوصل إلى معرفة ما في قولبهم. يشتكي الآباء كثيرا من عناد أبنائهم، وتصلب مواقفهم، وعدم الاستجابة لهم، فهذا والد لم يستطع أن يجعل ابنته تتناول طعام الإفطار، التعنيف والرجاء والملاطفة لم تؤت ثمارها، سأل الوالدان نفسيهما:" كيف يمكن جعل الفتاة ترغب في ذالك". الفتاة الصغيرة كانت تحب تقليد أمها لتشعر أنها كبيرة وبالغة، لذلك وضع لها مقعدا وجعلها تعد طعام الإفطار مع أمها، دخل عليهما في المطبخ، في تلك اللحظة –بينما تقلب طعام الإفطار فقالت لما رأته: أنظر يا والدي أنا أقوم بإعداد طعام هذا الصباح. أكلت هي من الطعام ، دون أن يبذل والدها أي جهد في إقناعها، لأنها هي التي اهتمت به، لقد حققت شعورا بالأهمية، ووجدت إعداد الطعام وسيلة للتعبير عن رغبات الذات. فمع الأطفال الصغار علينا أن نفهم ماذا يقصدون وكيف يفكرون، لأنهم عادة لا يمتلكون الألفاظ التي يعبرون بها، ومع الأزواج علينا أن نعرف ضغوطهم والعوامل التي تؤثر فيهم وحاجاتهم ووجهت نظرهم عن الحياة وتوقعاتهم وأمالهم ، فأفضل طريق للتأثير في أفراد الأسرة هو أن تتحدث عما يريده كل فرد وكيفية الحصول عليه. فإذا استطاعت الأسرة كلها أن تفهم بعضها البعض- بنوع من التفتح- ، عندئذ يمكن حل أكثر من 90في المائة من الصعاب والمشكلات التي تواجه الأسرة.