اقترب عيد الأضحى فبدأ المتهم يطالب والده بمبلغ مالي ليقتني خروف العيد لخليلته التي كانت تربطه بها علاقة غير شرعية، جعلته ينفذ كل طلباتها، على حساب نفقات أسرته. وفي انتظار حدوث انفراج في حياته يؤهله ماديا ليعقد قرانه عليها، ظل يستغل «ميزة الابن الوحيد» للأسرة التي كان أغلب أفرادها من الفتيات، لتلبية حاجياته «الضرورية والكمالية»، معتمدا على أجرة والده. وبحلول عيد الأضحى واصل مطالبة والده بثمن خروف العيد، لكن الوالد لم يرضخ له.. اشتد غضب الابن، أثناء إلحاحه على الطلب، فتسلح الابن بعصا هوى بها على رأس والده، ليجد نفسه مكبلا بجريمة قتل عمدية في حق من رعاه صبيا ويافعا، حتى غدا شابا ليرفع يده عليه، ويكون سببا في وفاته… بعد اعتقال المتهم استمع المحققون في محضر لتفاصيل الجريمة،غير مصدقين أنه امتلك الجرأة لتعنيف والده، دون التفكير في أنه الرجل الذي تكلف برعايته لسنوات حتى اشتد ساعده، بعدما كان في أمس الحاجة لرعايته وعطفه وحنانه. وحين انتهى المحقق من من تحرير المحضر طلب من المتهم إمضاءه وغادر المكتب، وهو يتأسف على مصير هذا الشاب الذي قاده عقوقه ونرفزته الزائدة عن اللزوم، ليقضي أزهى فترات شبابه بالسجن. لم يكن بيده سوى الاستسلام لمصيره بعدما قضى الله أمرا كان مفعولا.. ولم تكن الجريمة التي وجد نفسه وقد طوقته تهمتها قد طالت غريما أجنبيا عليه.. إنها الجريمة التي اقترفها ضد والده.. حينها عاد بذاكرته إلى الوراء، وتملكه ندم شديد لم يعد ينفعه في شيء، بعدما نفذ «فتوى الشيطان»، ولم يتحكم في أعصابه ونسي أن الرجل الذي هوى على رأسه بعصا هو والده الذي أنجبه من صلبه، وجاء به ليتحرك صبيا ويافعا وشابا فوق هذه البسيطة.. وبعد نهاية التحقيق كان قرار الإحالته على النيابة العامة بتهمة القتل العمد في حق الأصول.. غرام بين عاطل و"مومس" أثمر زواج الأب/ الضحية إشراقة ابن ذكر، كان الفتى الوحيد لدى الأسرة التي تتكون من عدة فتيات.. ولادة بوقع البشرى، حتى كان المولود الجديد في مختلف مراحل عمره يحظى بمكانة خاصة بين أفراد الأسرة. كانت مطالبه منذ مرحة الطفولة تنفذ بسرعة، ودون تردد لكونه الشخص الذي سيحمل اسم والده بعد وفاته. استمر الابن في استغلال هذه الميزة للحصول على كل ما يريد، دون أن يضع في حسبانه أنه سيأتي اليوم الذي ستصبح طلباته «مكلفة وغير منطقية»، وتحدث هوة بينه وبين أفراد أسرته.. تعود الابن على هذا التعامل الاستثنائي من والده الذي كان لا يدخر جهدا في إرضائه حتى لا ينحرف ويحس بالنقص أمام أقرانه بالحي وبالمدرسة دون أن يخطر بباله أنه سيأتي يوم لن يتقبل فيه ابنه رفض الأب لطلبه. بعد فترة الطفولة التي حصل خلالها على كل ما يريد، باعتباره الذكر الوحيد في الأسرة، كما جرت العادة لدى بعض الأسر المغربية. وبعدما اشتد ساعده أصبحت طلباته مكلفة، وغدا والده غير قادر على تلبيتها. ورغم العسر الذي عانت منه الأسرة، ظل الأب وفيا لإعطاء الأسبقية لرغباته التي أصبحت لا تطاق، خصوصا بعدما أصبح يطالبه بمبالغ مالية كبيرة. كانت هذه المطالب نقطة التحول في علاقة الأب بابنه الذي لم يتقبل أن يرفض والده طلباته. وحوله إلى شخصية متقلبة المزاج سريع الغضب والانفعال لأتفه الأسباب. وصار لايتردد في الدخول في نزاعات مع والده، كلما تعذر عليه أن ينال ما كان يطلبه. حول الابن بيت الأسرة إلى جحيم لا يطاق بنزاعاته الدائمة مع والده، التي كان يستعمل خلالها ما تجود به قريحته من الكلمات النابية التي تطغى على لسان المنحرفين، وذلك لانتزاع الطلبات وبسط "قانونه" على الأسرة. وما أكثر الحسابات الضيقة التي كان يحييها من جديد، وكأنها وقعت قبل يوم واحد. كانت هذه التصرفات تقض مضجع الجيران، وتوقظهم تصرفاته العدوانية الشاذة والمتكررة في أوقات متأخرة من الليل. ولم يكن بيدهم إلا انتظار أن يتراجع الابن عن هذه السلوكات، بحكم الجوار الذي يجمعهم بوالده الذي لم يألفوا منه غير «حسن الجوار». لكن الابن العاق ظل مصرا على استعمال هذا الأسلوب كرد فعل لجعل والده يرضخ لطلباته. اشتد عود الفتى، وواصل عربداته، عندما دخل في معاشرة بعض بائعات الهوى، تلبية لنزواته الجنسية، إلى أن دخل في علاقة مع إحداهن. كانت تسمى «مريم»، وقد عرفت ببشاشتها وطلاقتها في الكلام وانفتاحها على الجنس الآخر، وميولها إلى النكتة لتحتل مكانة خاصة في قلوب اللاهتين وراء نزواتهم العابرة. ومع هذه العلاقة صار الابن في حاجة إلى مصاريف إضافية لتدبير أموره، بعد أن كانت «مريم» التي ارتبطت معه بعلاقة، تطالبه بالمال، هو الذي غدا غير قادر على توفير حاجياته، بعدما وجد كل واحد منهما ضالته في الآخر. فهو لن يجد عناء في العثور على من تمضي معه سهراته إذا كان بحاجة إليها. وهي ستلبي نزواتها على حسابه دون قيد أو شرط، وراحا يغتنمان أية فرصة تتاح لقضائها معا بعدما توطدت العلاقة بينهما وأدمنت على معاشرته التي كانت تتمثل معاشرة الأزواج، لكنها دون رباط شرعي.. خروف عيد عشيقته يدفعه إلى قتل والده واصلت «مريم» علاقتها بالابن بعدما وجدت فيه الشخص الذي كان يوفر لها مطالبها المادية لتكون رهن إشارته.. يسهر معها ويضاجعها وكأنها زوجته، رغم علمها أنه يعتمد على والده في جميع مصاريفه. كان الابن يلهث وراء عشيقته، لينطبق عليهما المثل الشعبي الذي يقول: "طاح لحك ولقا غطاه".. وبعدما وجد ضالته فيها بدا يفكر في الزواج بها، وينفق عليها من مال والده، وبدافع إشباع رغبته الجنسية دون التفكير في حالة والده المادية الذي تحمل في صمت وهو يأمل أن يفض ابنه يوما هذه العلاقة، بعد أن أصبح يهدده باستعمال العنف في حقه، ولم تنفعه كل الطرق التي سلكها لجعله يرضخ لطلباته، وكأنه يواجه شخصا غريبا عنه وليس والده. استمر في إجبار والده على تنفيذ طلباته المالية، وبعدما صار عبئا ثقيلا، واستحال عليه تلبية طلباته، أصبح يكن لها حقدا دفعه إلى يتطاول على والده دون تردد. ويوم وقوع الجريمة كانت الأمور عادية بالبيت، وحين عاد كانت علامات الغضب بادية على محياه، لأنه كان مصراعلى وضع حد لعناد والده في ذلك اليوم، وبدون مقدمات استفسر والده عن موضوع 1000 درهم التي طالبه بها ليقتني لخليلته أضحية العيد. لكنه لم يبال به تجنبا لمواجهته. كان الابن مصمما على وضع حدلهذا الأمر، حتى إن اقتضى الحال اللجوء إلى العنف مع والده. شعر الأب بالخوف من اللهجة التي كانت يتكلم بها ولده، والتي كانت أكثر حدة. وببرودة تامة حاول إقناعه بعدم قدرته على توفير ذلك المبلغ .. ليشرع من جديد فيإسداء النصح له، للابتعاد عن الطريق الذي يسلكه. ولم تجد هذه النصائح آذانا صاغية، لديه، لأن رغبة ملحة كانت تجتاحه للحصول على المال.. ارتفعت درجة نزفزته، وكعادته بدأ يصرخ في وجه والده، وأصبح على وشك الانقضاض عليه.. وواصل صب جام غضبه عليه. وعلى مسافة اليد تسلح بعصا وسدد لوالده ضربتين، نزلتا متتاليتين على الرأس، أفرغ خلالهما حقده الدفين تجاهه وجعلها يخر مغشيا عليه، ولم يجد القوة للوقوف ثانية على رجليه. ظل الأب يصارع الموت ببطء، غير مصدق أن فلذة كبده الذي سهر على تربيته وتحمل كل الصعاب من أجل تربيته وتعليمه ليكون رجل المستقبل، هو من تسبب في وضع حد لحياته . اعتقال قاتل والده قبل شيوع خبر الجريمة غادر الابن مسرحها وعصاه في يده، وكأنه عائد من إحدى الغزوات.. ليسائل نفسه: أين سيتجه ؟ وإلى متى سيظل بعيدا عن عيون الأمن.. ؟.. أسئلة كثيرة راودته وهو يبحث عن مأوى يقيه من عيون رجال الأمن الذين حلوا بعين المكان ووقفوا على الطريقة التي نفذ بها الابن جريمته التي لم يصدقها أحد من الذين وصلهم خبرها. أما الذين تيقنوا من حدوثها، فأبدوا أسفا للأب الذي قادته الظروف ليلقى حتفه على يد ابنه الذي كبل نفسه بجريمة قتل غير عادية تطفو فوق السطح بين الفينة والأخرى. لم يستطع الابن الاستمرار في البقاء بعيدا عن عيون رجال الأمن، الذين بادروا إلى البحث عنه في الأماكن المحتمل أن يلوذ بها، وعلى مشارف الدوار الذي يقطنه ألقي عليه القبض واقتيد إلى الحراسة النظرية، حيث قضى الليلة الأولى في ضيافتهم في انتظار اجتياز المرحلة الرهيبة التي لم تخطر بباله وهو يسدد لوالده الضربة القاضية التي سيمتزج بحكم نهائي سينزل كالصاعقة على رأس الابن، ويعيد ذاكرته إلى الوراء ويتمنى في تلك اللحظة لو تحكم في أعصابه قبل أن يقتل والده ويزج بنفسه في السجن من أجل علاقة غير شرعية.