يأخذ الملك محمد السادس، التزاماته إزاء شعبه وأمته على محمل الجد. فلا يتردد، في الكثير من الأحيان، في إسباغ نبرة جدية وواضحة وصريحة على خطبه ورسائله، تعوَّدَها منه المتابعون والمحللون داخل المغرب وخارجه. ومع اللغة القوية والمباشرة، يرتقى الخطاب الملكي إلى ما يتطلعُ إليه الشعب من قول الحقيقة الامتناع عن أسلوب الترضيات والتسويات والتوافقات، الذي وسم الحياة السياسية ببلادنا في فترة ماضية وأدت إلى ما أدت إليه، وما نزال نعيش بعض تداعياتها. مناسبة القول اللغة الواضحة التي ما فتيء يخاطب بها جلالة الملك شعبه بشأن ما يتعين أن يتعاون الجميع لرفع التحديات المطروحة على البلاد، وفي طليعتها قضايا التنمية ومحاربة الفقر والهشاشة، وقبل ذلك تحديات تأمين الحدود والأمن والاستقرار. والحقيقة أن من يعرف الملك محمد السادس، الذي تربى في كنف والده الراحل الملك الحسن الثاني، المشهود له، رحمه الله، بالدهاء والدُّربة السياسية، وبُعد النظر، يعرف أنه لا يحب "التكتيك" والمراوغة وأنصاف الحلول، بل يُقدس الإنجاز والعمل، الذي يفضي إلى تحقيق نتائج ملموسة على الأرض. وبهذه الفلسفة يُوجه الملك مؤسساته العاملة داخل المغرب وخارجه إلى إنجاز المشاريع التي تنفع الناس، ويعود أثرها على حياتهم، وهي الحكمة التي يعمل بها من خلال إشرافه الشخصي على البرامج المؤسِّسة للتنمية ورئاسته الشخصية لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، التي تتولى إنجاز مشاريع التنمية البشرية في كافة ربوع المملكة. * * * يشهد المغاربة أن ملكهم لا يألُ جهدا لحماية النموذج المغربي، الذي نجح في نقل البلاد من مرتبة إلى أخرى، ويُوجه لصيانة مكتسباته من خلال تعزيز الثقة في النفس والإيمان بالإمكانيات الذاتية والعمل على تصريفها بذكاء لما يخدم مصلحة البلاد وديمومة استقرارها. في هذا الصدد وجدنا جلالة الملك يؤكد، في أكثر من مناسبة، على ضرورة استثمار إرادة الإصلاح لتجاوز الشعور بالإحباط ومسبباته والعمل على إبداع الحلول الممكنة لمعالجة مشاكل قد تهدد الاستقرار والسلم الاجتماعين. هذا الأمل المشفوع بال"حذر" تترجمه رغبة قائد البلاد في النهوض ببلده وجعله في مصاف البلدان النامية، وذلك بمضاعفة الجهود لتعزيز مقدراته وتنويع موارده المالية وتثمين طاقاته البشرية والطبيعية. لذلك تجد الملك يتنقل بين الجهات، وبين المدن والبوادي، ولا يتورع عن معانقة الحشود، محبة ووفاء، حتى بات هذا الأمر يشكل قلقا لفئات واسعة من المغاربة وهم يشاهدون ملكهم يُصر على الالتحام بالحشود، قدر إصراره على متابعة أنشطته، حتى إذا اضطره الأمر الاستعانة بعكاز طبي. لقد سنَّ جلالة الملك، من منطلق المعرفة الدقيقة بواقع بلده وبإمكانياته، سياسة تواصلية مع الشعب تجعل المواطنين على بينة مما يتم التحضير له من برامج تهم حياتهم اليومية وتجعل المؤسسات في نفس مستوى الإخبار وعلى إطلاع مستمر بسير المشاريع المبرمجة. * * * ربما سيكون علينا في المغرب أن نعتبر التجاذب الأخير بين الرباط والأمم المتحدة نوع من الإيحاء المفيد إلى ضرورة أن تترسخ مناعتنا السياسية والدبلوماسية خلف الملك محمد السادس، وتتنوع اتجاهات الدعم، إلى بلدان مؤثرة منها روسيا الاتحادية والصين البرازيل وغيرهما للدفاع عن القضايا المصيرية للبلاد وفي طليعتها قضية الصحراء. ولعل من يتابع منا أطوار السياسة واتجاهاتها لا بد أن يفهم موقف "بان كي مون" بعد زيارته الأخيرة ل"البير لحلو" سوى كونه حاول التخفيف من حدة انزعاج الجيران والأعداء من المجهود الدؤوب الذي يبذله المغرب لتحسين موقعه التفاوضي وتعزيز جبهته الداخلية من خلال تكريس التوجه، الذي لا رجعة فيه، لبناء المؤسسات وتعزيز الدبلوماسية المثابرة والمُبادرة والمقدامة، وإقرار نموذج ديمقراطي، حداثي، منفتح، يحترم الخصوصية المغربية وسيادتها الوطنية والترابية، مع دخول مشروع الجهوية المتقدمة حيز التنفيذ مُعززا بالنموذج الجديد للتنمية في الأقاليم الجنوبية. ولم يجد أعداء المغرب بمنطق (إياك أعني وافهمي ياجارة) ما يتمسكون به من أعذار واهية للحد من الوثبة المغربية ومن عمق الاختيارات السيادية للبلاد في تنمية الداخل والانفتاح على الخارج، وعلى الخصوص الجيران الأفارقة، سوى ملفات "الثروات" وحقوق الإنسان التي تشكل قوة بالنسبة للمغرب بعد نجاح مسلسل الإنصاف والمصالحة وتعزيز مجال الحرية والحق في التعبير في كافة مناطق البلاد. ويهُمنا من ذلك أن ترتد النوايا السيئة على أعقابها، ويتكرس للعالم، من خلال شواهد حية وأصوات نزيهة، الحق المغربي في التواجد على أراضيه، بما تمثله من امتداد تاريخي وطبيعي وبشري لهذا البلد، الذي يسير بخُطى حثيثة نحو الديمقراطية والتحديث وتعزيز آليات الحكامة الجيدة، بعد إقرار دستور فاتح يوليو 2011. * كاتب وإعلامي