لقد تحولت المملكة المغربية خلال هذه الفترة ومند 20 فبراير الى اليوم الى بؤرة لتنامي ظاهرة الاحتجاجات الفئوية والمحلية والسياسية في اغلب المناطق .وقد تكون هذه الاحتجاجات ظاهرة صحية توقد جدوة النضال في افراد الشعب ، وتجري الدم في العروق المتجمدة من كثر استكانتها لعقود. وقد تشكل فرصة للكثرين من الحركات السياسية التي صدئت دواليب محركاتها ،لتعود من جديد الى الدوران بعد سبات شتوي دام أكثر من اللازم. بين النظرة الايجابية للاحتجاجات المستمرة ومساهمتها في انضاج الوعي الشعبي هناك نظرة سلبية ايضا قد تلصق بهذه التظاهرة ألا وهي افقها وحدودها المستقبلية والاثر والانعكاسات التي قد تخلفها على الوضع السياسي واستقرار البلد . لقد آن الاوان ان ندق ناقوس الخطر مند الان من قبيل السؤال على الشر قبل ان يدركنا ،والذي بلاشك ستكون عواقبه وخيمة على البلد لعدة اعتبارات: الاستثناء المغربي مهما حاول البعض ان ينفي تميز الخصوصية المغربية عن غيرها من البلدان العربية الاخرى ،الا انها هناك مميزات كثيرة تفرق بين وضع المغرب وأوضاع الدول الاخرى. - في البلدان العربية الثورات كانت تستهدف الانظمة وبنياتها ،بينما في المغرب يتعلق الامر بثبات النظام والمطالبة بتغييرات في الشكل وطريقة ادارته . - المغرب متقدم سياسيا ومجتمعه المدني اكثر هيكلة وتنظيم ،وهناك تعددية سياسية وفكرية غنية تتناغم في اطار موحد ،بينما في الدول الاخرى كان هناك نظام الحزب الواحد والفكر السياسي الواحد ، واقصاء للطوائف والثقافات المخالفة وتهميشها بشكل مجحف صفة اغلب تلك الأنظمة العربية . - التجربة الديموقراطية المغربية رغم ما يقال عنها اكثر تقدما ونضجا ،وتكتسي صبغة المصداقية رغم ما لوحظ عن حياد سلبي للسلطة شجع على استعمال المال لشراء الاصوات بدل اللجوء الى التزوير كما في البلدان الاخرى. - هامش الحرية في المغرب وان لم يصل الى درجة واسعة الا انه اوسع من كل هواش الحرية في البلدان العربية الاخرى المعنية بالثورات وهكذا فلم يكن الاحتجاج شيئا جديد في القاموس المغربي وانما جزء منه. هذه ابرز العناصر الاساسية في الاستثناء المغربي والتي نعتقد انها كافية لإحداث الفرق بين وضع بلدنا ومقارنتها بالبلدان الاخرى ،فحتى سقف مطالبنا محكوم بهذه الخصوصة وبهذا الاستثناء .ولم يكن احد في المغرب ليرفع في المسيرات الشعبية شعارا سقوط النظام رغم وجود أصحاب هذا التوجه في واقعنا السياسي . الاحتجاج وثقافة التقليد لاشك ان ظاهرة التقليد ليست شيئا جديدا فهي توجد في الاقتصاد كما في السياسة والقيم ايضا .وهي موجات تنتقل من بلد و قارة الى اخرى ،وليس هناك من هو بمعزل عن هذه الموجات .وما يعيشه المغرب اليوم ليس سوى تقليد لموجة الاحتجاجات التي تجتاح العالم العربي ،فلا يمكن للمغربي الذي يعتبر دائما نفسه في درجة من الندية بل التفوق على غيره من العرب على جميع الاصعدة، وليس من المنطقي ان لا يحرك ساكنا وان لا يتفاعل مع محيطه العربي ،حتى في تحديه لجيرانه من الجزائر الذين عجزوا على الصمود امام الة قمع العسكر ، ولم يكن لبلد المليون شهيد أي صوت لزلزلة قلاع العسكر المحصنة ، مما يجعل المواطن المغربي المتهم بالخنوع والخضوع يتفوق عليهم ويخرج عن الاستثناء من داخل الخصوصية المغربية . وهكذا وحتى بعد الخطاب الملكي حول مشروع الاصلاح ،والذي كان كافيا في نظر الكثيرين بتهدئة الوضع ،الا ان بعض المغاربة مصرين على مواصلة الاحتجاج الى ان يتحقق الاصلاح الموعود ،والمضي في التقليد الى اقصى درجة ممكنة ،وقد تحدث القران الكريم والسنة على هذه الظاهرة ،لما خرج المسلمون من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ، ويعلقون بها أسلحتهم ، يقال لها : " ذات أنواط " ، فلما بلغوا سدرة خضراء عظيمة ، قالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال :( " قلتم والذي نفسي بيده ، كما قال قوم موسى لموسى : ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون )هؤلاء طلبوا من النبي كما طلب بنو اسرائيل من من موسى ان يصنع لهم مثل اصنام هؤلاء ، تختلف طبيعة الشيء المقلد من قوم الى قوم ، وعندنا صارت التظاهرات هي التقليد . انه مجرد شبه والعبرة بعموم اللفظ ،فواقعنا اليوم قد ينطبق عليه هذا الوصف ،لان ظاهرة الاحتجاجات توسعت. وحتى في ظل المطالب الاجتماعية الصرفة لبعض المناطق يتم رفع نفس الشعارات السياسية "الشعب يريد" ،وسرعان ما تخرج تنسيقية محلية ل20 فبراير تتبنى هذه المطالب . وهذا يؤكد ان هناك توجهات سياسية بعينها تقف وراء هذه التحركات أو على الاقل تسعى لتوظيفها لصالحها . فالكل يعلم الفصل الكبير بين ما هو مطلب اجتماعي محلي وما هو سياسي وطني وهناك جهات سياسية معروفة هي من ليس واردا عندها هذا الفصل. ووراء كل حاجة يكون السامري دائما موجودا ليستغل الوضع لصالحه ، وقد اشرنا في مقال سابق ان جيوب مقاومة الاصلاح كثيرة ، وسنضيف ان ما تعرض له رجال التعليم وما يتعرض له كل المحتجون هي اعمال مدبرة هدفها تأجيج الصراع اكثر وعرقلة الاصلاح .كما ان رفع شعارات ذات حمولة سياسية واضحة في احتجاجات مطلبية صرفة يسير في نفس الاتجاه من اجل السطو على كل نضالات الشعب المغربي ونسبها الى جهة واحدة في رسالة اثبات الوجود مفادها "نحن هنا" . الاستبداد لا لون ولا شكل له الاستبداد مرض مزمن يسيطر على العقول قبل ان يترجم على الواقع ،والانتصار عليه ليس من خلال الجهر والصراخ بأعلى صوت، وانما بالانتصار على الاستبداد الداخلي لكل فرد .في كل شخص وفي كل تنظيم يوجد استبداد ودكتاتورية ،يوجد قمع فكري ومحاصرة وتضييق ،فلينظر كل واحد الى هذه التنظيمات التي تريد ان تقاوم الاستبداد ،كيف تتعامل مع اعضائها ، تفرض عليهم الطاعة العمياء وتفرض عليهم احترام القوانين الداخلية وتلزمهم بفكر الزعيم وتوجيهاته .انظر الى الاب في بيته أي قمع يمارسه ضد ابنائه وبناته وعلى حريتهم . انظر الى العامل في الشركة والضيعة أي قمع وإهانة يخضع لها كل يوم .لن يسقط الاستبداد مادام كل واحد لم ينتصر على الفرعون الموجود بداخله .لن يسقط الاستبداد اذا لم يحرق كل واحد عجله الذي اشربه في قلبه .وجود القابلية للاستبداد في المجتمع هي من يجعل استبداد الحاكم يطول. ها هي حركة حماس الاسلامية تمارس نفس الاستبداد بقمع الحركات الشبابية التي تحتج ضد الانقسام في غزة بدعوى عدم الترخيص .ونفس الشيء قامت به هذه الحركات في المغرب وتقوم به الى اليوم ،ولسنا نختلق من عند انفسنا احداثا خيالية ، فقد قمعت أنشطة في الجامعات وطرد الباحثون والمفكرون، وما زالوا تحت دعوى عدم الترخيص أو خارج الاطار. انه نفس السلوك مع اختلاف الجهات التي تمارسه .ولا يوجد فرق بين القمع بالعصي والسكاكين والحجارة ونسف الانشطة والمحاضرات والقمع بالغازات المسيلة للدموع والرصاص .كما انه لا يوجد قمع مشروع وقمع غير مشروع . شركاء في الوطن عندما يتحول الامر الى صراع مؤسس ومبني على فكرة العداء للآخر، فالأمر لا يختلف عن القمع ،فعندما تحمل بيانات وتصريحات مصطلح "المخزن البغيض" او "النظام الغاشم" ، "فرعون وهامان وجنودهما" ،كلها مصطلحات توحي بان المعركة تحولت الى مواجهة عدو لدود لا يمكن الالتقاء معه، بل يجب القضاء عليه وهذا هو الخطاب غير المعلن لجهات متعددة تحت يافطة 20 فبراير. عندما يتخذ الصراع هذا الشكل فهل يمكن الالتقاء حول ارضية مشتركة بين هذه الاطراف والنظام ،ان كان قدرنا ان نعيش مع نظام ملكي هو جزء منا ونحن جزء منه فلا بد من الاقرار بحقه في الوجود وبعدها سيكون حقنا في الوجود تحصيل حاصل .ولا يجب ان نعتبره عدوا وهو كذلك لا يجب ان يرى في كل من يخالفه عدوا ،اننا شركاء في هذا الوطن ،والنظام ليس شخصا واحد او فردا وانما منظومة كبيرة وسلاسل متشابكة لأشخاص والمؤسسات ،انهم جزء من هذا الوطن ولا يمكن اقصاؤهم، لذلك فكل دعوة تستهدف عائلة او شخصا بعينه انما هي دعوة إقصائية تريد ان تحل استبدادا مكان اخر لا اقل ولا اكثر، ولسنا مستعدين ان نستبدل استبدادا نعرفه على الاقل باستبداد اخر دينيا كان او علمانيا. وهناك من يرى ان الفرصة السانحة اليوم لن تتكرر واذا لم نغتنم الفرصة اليوم فلن يتكرر الامر .كأنما سينتهي التاريخ وسيتوقف بعد اليوم ،المستعجلون دائما للركوب على الامواج يجعلون حسابتهم فوق حسابات الوطن والمواطنين ،يفضلون حرق اجساد الفقراء والمهمشين من اجل الصعود فوقها . فالإصلاح مسلسل يجب ان لا يتوقف ،لان الحاجة اليه ستظل قائمة ،ولكل لحظة تاريخية اصلاحات ضرورية ،فدعاة اقتناص الفرص ،يتعاملون مع التاريخ بجمود وعدم الحركة ،ويريدون قطف كل الثمار اليوم قبل الغد و لا يهمهم بقاء الشجرة من عدمها ،وهذا منطق اناني بعيد عن النظرة المستقبلية ، إن هذا الوطن لنا ولأبنائنا من بعدنا ولذرياتنا الى يوم الدين ،يجب ان نبنيه من اجلهم ايضا .والمواطنة هي جوهر الحفاظ على الوطن .