تعالت الأصوات في اليمن مطالبة بالرحيل، لكن في اتجاهين، يشملان القيادة والمعارضة اليمنية على السواء ،على خلفيات يعتبر كل طرف أنها الحقيقة ولا شيء سواها. لكن السؤال الحاضر الغائب يظل هو ، من يرحل من؟ ومع تعثر جهود المصالحة التي جرت خلال الأيام الماضية، وفشل المبادرات العديدة التي قدمها الرئيس علي عبد الله صالح لاحتواء الأزمة، والاحتقان القائم على الساحة السياسية والأمنية، تتزايد حدة الاتهامات والاتهامات المضادة التي يحمل فيها كل طرف الطرف الآخر مسؤولية ما يقع. وقد غابت حقيقة مقولة "والباديء أظلم" بين الطرح الذي يقدمه كل من الطرفين المساند والمعارض في تحليله للوضع المتأزم في البلاد ، ومسبباته ، والدواعي التي أدت إلى شدة الاحتقان بين أطراف متنازعة ،يرى المراقبون أنه لم يعد يجمعها خيط ناظم سوى كرسي السلطة. الرئيس صالح :على المعارضين أن يرحلوا وفي الوقت الذي كانت فيه الأصوات ولا تزال تتعالى مطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح بعد أزيد من ثلاثة عقود من الحكم تقول المعارضة إنه لم تتحقق خلالها إنجازات تذكر في البلد على الصعيد السياسي والديمقراطي والتنموي، بادر الرئيس صالح إلى الرد بالمثل والضرب على نفس الوتر، مطالبا مناوئيه بالرحيل ومتهما إياهم بأنهم العصا التي توضع في العجلة لمنعها من الدوران. وأعطت القرارات التي خرج بها الحزب الحاكم في اجتماع الدورة الرابعة للجنته الدائمة يوم الأحد الماضي، وكذا مظاهرات"جمعة التسامح" التي شارك فيها وفقا لمناصري صالح أزيد من مليونين ونصف من المواطنين المتمسكين بالشرعية الدستورية، نفسا آخر للرئيس صالح في مواجهته مع أحزاب اللقاء المشترك والمعتصمين الشباب في ساحة (حي الجامعة) بصنعاء الذين أسموا جمعتهم في الأسبوع الماضي ب"جمعة الرحيل" قبل "جمعة الزحف". وفي سياق الهجوم المضاد حذر علي صالح معارضيه في أكثر من مناسبة من القيام بانقلاب على الشرعية الدستورية مكيلا سيلا من الاتهامات لهم، وواصفا إياهم ب"المتآمرين والحاقدين والكذابين الذين لا يخجلون" والمتعاملين مع تنظيم القاعدة لشل قدرة البلاد والإضرار بأمنها واستقرارها ووحدتها. وفي لقاء عقده أمس الاثنين بصنعاء مع شباب في الجمعية الشعبية للدفاع عن الوحدة من كل محافظات اليمن، جدد الرئيس صالح هذه الاتهامات بقوله " على الطامعين في السلطة أن يسلكوا سلوكا حضاريا، وأن يتجهوا نحو صناديق الاقتراع، وإذا منحهم الشعب ثقته فسنسلم لهم السلطة أولاً بأول، لكن ليس بالطريقة الفوضوية والغوغائية وثقافة أحزاب اللقاء المشترك، التي يريدون من خلالها الصعود إلى كرسي السلطة على دماء الشباب". وأضاف قائلا "من يريدون الوصول إلى السلطة عن طريق الانقلابات، كلهم متحالفون، تنظيم (القاعدة) والحوثيون والانفصاليون واللقاء المشترك وكل الموتورين، كلهم متحالفون من أجل إسقاط النظام السياسي، وسقوط النظام السياسي معناه سقوط الوحدة ".وطالب مناوئيه بالرحيل قائلا "عليهم أن يرحلوا الآن، ، بدلا من أن يطالبوا الآخرين عبر القنوات الفضائية والصحافة بالرحيل". المعارضون والمحتجون يطالبون صالح بالرحيل والتسليم الفوري للسلطة وبالمقابل فقد تحولت المطالبة بتنحي الرئيس صالح والتسليم الفوري للسلطة إلى مطلب وملح وعاجل لأحزاب اللقاء المشترك والمعتصمين في ساحة التغيير خصوصا بعد سقوط أزيد من خمسين قتيلا مؤخرا في صفوف المحتجين الذين رفعوا من سقف مطالبهم ووواصلوا إصرارهم على تحقيق الأهداف التي انبنت عليها فلسفة الاعتصام والمطالب المعبر عنها. وزاد الاحتقان السياسي الذي عرفته الساحة اليمنية وتوالي الانشقاقات في صفوف الجيش وكذا انضمام شرائح مختلفة إلى المعتصمين من مختلف الأطياف من سقف المطالب التي عمقت هوة الخلاف بين طرفي الأزمة التي لم تنفع معها لا مبادرات الرئيس اليمني ولا الوساطات التي تم القيام بها من أجل احتوائها. ويبدو وفقا للمراقبين أنه لا الرئيس صالح مستعد للرحيل والتخلي عن السلطة دون توفير ضمانات وخروج آمن،ولا المعارضة مستعدة لقبول مبادراته دون تحقيق تطلعاتها التي عبرت عنها في مواجهتها معه ومع وأركان سلطته وأنصاره للرحيل دون تردد عن السلطة. العنف يزيد من تداعيات الازمة كل يغني على سلطته وتظل السلطة تلك القشة التي قد تقصم ظهر البعير اذا لم يتم تغليب مصلحة الوطن والحفاظ على أمن واستقرار البلد الذي لم يلملم بعد جراحه من حرب مدمرة مع الحوثيين ويئن اليوم تحت وطأة عنف واضح. ومن تجليات هذا العنف الذي يزيد من تأزيم الوضع القائم ،مقتل عدد من الجنود ورجال الأمن في اشتباكات مع مسلحين في مناطق مختلفة من البلاد ومقتل مواطنين ومسلحين في أحداث مختلفة، وكذا مصرع أزيد من مائة شخص أمس الاثنين واصابة مائة وخمسين آخرين في انفجار وحريق هائل في مصنع 7 أكتوبر للذخيرة بمديرية خنفر بمحافظة أبين كانت قد استولت عليه أول أمس الأحد عناصر من تنظيم "القاعدة" والمتعاونين معه . ويظل السؤال المطروح هو هل ستسارع الأطراف المتنازعة في الساحة اليمنية إلى الإسراع بتسوية سلمية للازمة السياسية الراهنة في البلاد أم سيسارع الكل إلى امتطاء سفينتها التي تصارعها الأمواج ويخشى عليها من الغرق؟.