مَن مِن مرتادي منطقة الأطلس المتوسط لم يزر هذه المعلمة البيئية حين مروره بمدينة آزرو الجبلية؟ الشجرة التي تنتسب إلى أنبل الأصناف الغابوية المغربية، والتي يناهز عمرها ثمانية قرون تعيش آخر أيامها صامدة في وجه العوائق الطبيعية، متحدية في نفس الآن كل أشكال التدخلات البشرية السلبية. فإذا كان سوء انتظام التساقطات الثلجية والمطرية قد أثر على النمو الطبيعي للمنظومة الغابوية بكل نباتاتها وحيواناتها، وهو ما يمكن تفهمه، فإن ما لا تجوز استساغته هو ما يروج بين ممتهني الحرف البسيطة المرتبطة بوجود هذه الشجرة (باعة الكاوكاو والموز وبعض المواد الغذائية الأخرى) من أن سبب التدهور المفاجئ لهذا الصرح البيئي الفريد هو إقامة مشروع لنقل الماء من بئر "افقفاق" الذي تم حفره قرب الموقع لتزويد سكان السافلة بالماء الشروب. حفر الأخدود لمد أنبوب الماء أضر بجذور الشجرة، كما أن حفر البئر لما له من تأثير على الفرشة المائية أدى إلى تقليص إمكانيات تزود الشجرة بالماء، وسرع بالتالي احتضارها. والزائر حاليا أضحى لا يجد إلا هيكلا خشبيا بدون روح ينتظر بعض الوقت ليتهاوى ويصبح في خبر كان. وإذا صح تشبيه المعلمة البيئية المحتضرة بالإنسان، فما لنا إلا تعريف هذه الشجرة العملاقة كالآتي : الشهيدة المسماة قيد حياتها، أرز كورو Cèdre Gouraud التي أنهكتها الظروف الطبيعية غير الملائمة، ودقت آخر مسمار في نعشها تدخلات مسؤولين مغاربة لم يراعوا وضعها فبتروا جذورها وحرموها من نعمة الماء التي ألفت الارتواء منها. هذه الشجرة -الكنز البيئي- التي كان يتجاوز علوها 40 مترا وطول حزامها 7 أمتار، تعد سيدة المآثر البيئية الوطنية بدون منازع. فقد كانت مقصدا مفضلا للزوار بمختلف أعمارهم وأطيافهم. في جنباتها ترعرع جيل من أهل المنطقة الذين يمتهنون حرفا مرتبطة بهذا الصرح الشامخ، خاصة تلك المتعلقة بتجارة المواد الغذائية وبعض المنتجات المحلية. السؤال الذي يطرح نفسه، هو ما مآل كل ما أنتجت الطبيعة طيلة ثمانية قرون ويزيد بعد الانهيار المرتقب لهيكل الشجرة العملاق، والذي هو مسألة وقت قريب؟ وماذا أعدت الجهات المسؤولة، وخاصة مندوبية المياه والغابات لتعويض الضرر الكبير المرتقب. الجميع يعرف أن غابات الأرز تعيش أتعس أيامها منذ تسمية المندوبية راعيا لهذه الثروة الطبيعية، والتي تستنزف في غياب برامج حقيقية وملموسة لاستخلاف ما يتم تخريبه، وذلك من باب أضعف الإيمان. *مهندس غابوي مختص في تهيئة المجال