على بعد حوالي 14 كيلومترا من مدينة إفران، تنتصب بقلب غابات الأطلس المتوسط، شجرة من نوع الأرز الأطلسي المشهور عالميا باسم “Cèdres atlantique”، تمتد على طول 42 مترا و8 أمتار عرضا، عمرت ما يزيد عن 8 قرون، قبل أن تشتهر خلال فرض الحماية الفرنسية على المغرب باسم مكتشفها الجنرال الفرنسي هنري جوزيف أوجين، والملقب ب”غورو”، حيث تحولت الشجرة إلى مزار سياحي عالمي، يجلب عددا من الزوار من مختلف بقاع العالم على مدار شهور السنة، فما الذي حدث لشجرة الأزر الأطلسية؟ بعدما نالت شهرة عالمية قبل أن يطالها التهميش الذي يهدد وجودها كل يوم. أصل الحكاية ما تزال ذاكرة أهل المنطقة الجبلية المعروفة باسم “أفقفاق” تحتفظ بتفاصيل قصة شجرة الأرز والجنرال الفرنسي “غورو”، حيث تناوبت أجيال من المرشدين على حكيها للزوار. الرواية الشفوية تقول إن الجنرال الفرنسي هنري جوزيف أوجين كان في زيارة للمنطقة صيف 1913، أي بعد مرور سنة تقريبا عن فرض الحماية الفرنسية على المغرب في 30 مارس 1912، التي كانت سببا في اندلاع احتجاجات ومقاومة شرسة من قبل أهالي منطقة الأطلس على الخصوص، وهو ما تطلب حضور الجنرال، على رأس فيلق للجيش الفرنسي في مهمات تمشيطية بغابات الأطلس بحثا عن المقاومين، حيث لجؤوا حينها إلى مغارات مرتفعات الأطلس المتوسط، بحسب ما تقول وثائق تاريخية تؤرخ لتلك الفترة من التاريخ المغربي بهذه المنطقة. بعد أن اخترق الجيش الفرنسي الوديان والجبال، أدركهم الليل بوسط غابة الأرز، فقرر الجنرال الفرنسي أخذ قسط من الراحة قبل مواصلة عمليات التمشيط مع الساعات الأولى من اليوم الموالي، وحين جمعهم الجنرال لإلقاء خطاب تصادف وجوده تحت شجرة للأرز، التي تظلل المكان حيث لاحظ جنوده أن الشجرة التي يقف تحتها تشبه هيئة قائدهم، الذي فقد ذراعه اليمنى في معركة قادها بسوريا. ولاحظ الجنود وجود شبه بين شكل شجرة الأرز التي يتفرع منها جذع ضخم يبدو مثل الذراع الموجه نحو السماء (كما تُظهر الصورة)، حيث تضيف الرواية، بأن القائد العسكري الفرنسي “غورو”، لما انتبه لملاحظة جنوده قال: “انظروا إلى هذه الشجرة فهي تشبهني، لديها ذراع واحدة، فعلا إنها غورو الثاني”.. شهرة عالمية منذ ذلك الحين، حملت الشجرة لقب “غورو” الذي عرف به الجنرال الفرنسي وتحولا معا إلى مادة دسمة لحكايات كثيرة للسياح وللكتاب الأوربيين ممن اهتموا بموضوع الشجرة، ما أكسب الشجرة شهرة عالمية كبيرة تحولت معها إلى مزار لأعداد غفيرة من السياح المغاربة والأجانب، خاصة الفرنسيين منهم الذين اعتادوا على زيارتها كلما قدموا إلى المغرب. ومع مرور الزمن باتت الشجرة المعمرة “غورو”، من أشهر المزارات السياحية التي يشتهر بها إقليمإفران، يعرفها الأجانب أكثر من المغاربة، فيما استقطب الرواج السياحي بهذا المكان الموحش وسط الغابة بضواحي مدينة إفران، عددا من العاملين في القطاع السياحي وآخرين من أبناء المنطقة ممن أنشأوا محلات و”بازارات” صغيرة مبنية من الخشب، يبيعون فيها منتجات الصناعة التقليدية المحلية والتي تشتهر بها القبائل الأمازيغية بالأطلس، إضافة الى تذكارات مصنوعة من الرخام وخشب العرعار، أغلبها تجدها معروضة في المتنزه الوطني لإفران، حيث يتقمص أغلب هؤلاء الباعة، أحيانا، جبة المرشد السياحي، فيروون للزوار حكاية الشجرة ومكتشفها، ويحدثونهم عن سر جمال وسحر غابة أرز الأطلس التي تحيط بها من كل الجوانب. فضلا عن محلات بيع التذكارات وجدد آخرون في فتح مطاعم تقليدية فرصة لكسب عيشهم، وهي محلات تقدم وصفات من الطبخ المحلي المميز ضمنها أطباق الطاجين المغربي، فيما يجد الزائر بمدخل المنتزه، عددا من الأحصنة من مختلف الأحجام، يعرضها أصحابها أغلبهم من سكان المنطقة، ويضعونها رهن إشارة من يرغب في جولة سياحية، مقابل مائة درهم للساعة، حيث يتحول صاحب الحصان إلى مرشد سياحي ملم بكل خبايا المكان المحيط بالمزار السياحي لشجرة “غورو” المعروف بصعوبة مسالكه، يتجاوبون بشكل لافت مع كل الزوار من مختلف الجنسيات.. وتبقى الميزة التي تطفي طابعا ترفيهيا طبيعيا على المكان، ينبهر له زوار شجرة “غورو”، بحسب ما كشفه ل”أخبار اليوم” الناشط البيئي بإقليمإفران محند أمقران، هي القردة التي “تحتل” المكان ليلا ونهارا، وكأنهم حراس المعلمة السياحية والإيكولوجية العريقة التي تمكنت من الصمود بعناد كبير منذ قرون. هنا، لا تكتمل زيارة الشجرة دون ملاعبة القردة المنتشرة في محيطها، فبمجرد ما يلمح القردة الزوار قادمين صوب الشجرة، يدنون منهم للحصول على أعطيتهم، والتي غالبا ما تكون بعض الأطعمة وبخاصة الفول السوداني، ما يضفي نوعا من التعايش بين الزوار والقردة، والتي تقابل الأطعمة المقدمة لها بسماحها للوافدين بمداعبتها للحظات تحددها القردة بحسب مزاجها، حيث تبدو في أغلب الحالات غير آبهة بالهواتف الذكية وآلات التصوير الرقمية. يشير محند أمقران، إلى أن فصيلة القردة التي تعيش بالقرب من شجرة “غورو”، من نوع المَكاك البربري والمعروف لدى السكان المحليين باسم “زعطوط”، وهو من النوع النادر والمهدد بالانقراض بغابات الأطلس المتوسط، ما يستوجب تدخلا من الجهات المعنية لحماية “قرد الأطلس” كما اشتهرت تسميته بين المهتمين بعوالم الحيوانات. من الشهرة إلى الموت.. رغم شهرتها وارتباطها بتاريخ المنطقة إلا أن الحالة التي باتت عليها شجرة الأرز المعمرة، تدمي قلوب الناظرين إليها من زوارها، ولسان حالهم يقول “حرام أن تترك الجهات المعنية هذه الشجرة الشامخة شموخ جبال الأطلس تواجه مصيرها لوحدها بعد أن امتدت إليها يد الموت”، وذلك في إشارة منهم إلى ما يظهر على الشجرة سنة بعد أخرى، من علامات الجفاف بعد أن بدأت أوراقها تتساقط منذ حوالي ثماني سنوات. ويشير أصحاب المحلات التجارية القريبين منها إلى أن أن “شجرة غورو”، تحولت إلى شجرة يابسة تعيش اليوم نهاية دورة حياتها لرغم انتمائها لجنس أشجار الأرز الدائمة الخضرة من الفصيلة الصنوبرية المشهورة بسرعة نموها. عن هذا الأمر يقول يقول الناشط البيئي محند أمقران، إن سبب احتضارها يعود ربما إلى بلوغ الشجرة سن الشيخوخة، دون إغفال تعرضها أيضا لأعمال تخريبية من بعض الزوار الذين يحدثون ثقوبا في جدعها من أجل الشعوذة. رواية ثانية تبدو الأقرب إلى الصواب ويرجحها أغلب نشطاء البيئة بإقليمإفران، حكتها للجريدة مصادر أخرى من عين المكان، وتطابقت مع ما أجمع عليه سكان المنطقة وأصحاب المحلات التجارية و”البازرات” ممن ترتبط تجارتهم بمستقبل “شجرة غورو”، حيث ربطوا سر احتضار الشجرة، بأشغال الحفر التي نفذتها مقاولة تعاقدت مع مجلس عمالة إفران، بداية سنة 2004 لجر أنابيب المياه الصالحة للشرب من مكان أعلى بالجبل المسمى “أفقفاق” نحو مدينة آزرو، وكانت وراء اختراق شبكة أنابيب مياه الشرب للموقع السياحي، مما يكون قد تسبب في قطع جزء كبير من جذور اللشجرة، وكان سببا في ما آلت إليه من جفاف واضفرار. أكثر من هذا، وبسبب الحالة التي توجد عليها “غورو” اليوم، فقد أضحت في نظر بعض المهتمين تشكل خطرا على زوارها مع إمكانية سقوط جذوعها في أية لحظة، والحال أن طولها يزيد عن 42 مترا وعرضها 8 أمتار. يقول أحد أبناء المنطقة إن ما يزيد من خطورة الوضع لجوء بعض الزوار أغلبهم من الشباب، إلى تسلق الشجرة ليؤرخوا لزياراتهم للمكان عبر تدوين أسمائهم في شكل وشم على جذوعها، والتي تحولت إلى سجل ذهبي تملؤه مئات التوقيعات والأسماء بمختلف لغات العالم. وزارة السياحة تعدم “غورو” وكأن شجرة “غورو” لم تكن يوما من أشهر المزارات السياحية التي يقصدها السياح الأجانب والزوار المغاربة، وكأن لم تكتسب شهرة عالمية جعلتها تحظى باهتمام سياحي كبير لزوارها الذين يأتون إليها من مختلف بقاع العالم. هذا الواقع المؤلف والمحرج، وقف عليه أبناء إفران، خصوصا الطلبة منهم والمهتمين بقطاع السياحة والمآثر التاريخية، والذين تحدثوا ل”أخبار اليوم”، واشتكوا من إقصاء المزار السياحي لموقع شجرة “غورو” العالمية، من لائحة المواقع السياحية التي تروج لها وزارة السياحة بموقعها الإلكتروني. “أخبار اليوم” قامت بالبحث في الموضوع، على الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة السياحة، ووقفت على صحة ما نقله المدافعون عن “شجرة غورو”، حيث رصدت الجريدة بأن الموقع نشر ضمن خانة “أحدث مقالاته” بداية الصيف الماضي، وبالتحديد في 16 ماي، مقالا تحت عنوان “إقليمإفران.. تحت المجهر”، كشف عن الاسم الحقيقي لمدينة إفران، والتي كانت تسمى سابقا ب” أورتي”، أي الحديقة باللسان الأمازيغي، قبل أن ينتقل هذا الربورتاج المنجز بغرض تسويق صورة إفران السياحية، للحديث عن غنى الآثار القديمة للمنطقة، والتي أحدثت بقلب الأطلس المتوسط عام 1928 من طرف الأمين العام للحماية بالمغرب، إيريك لبوني، حيث تحولت عاصمة إقليمإفران، اليوم يشير الربورتاج إلى “سويسرا المغربية”، مع تصميم هندسي معماري على الشاكلة الأوربية، حتى تتأقلم مع طقس رطب ولطيف في الصيف، وثلجي في فصل الشتاء. بعد هذا التقديم للمدينة والتي تمتد على مساحة 3573 كلم مربع وسط أشجار الأرز بمرتفعات الأطلس المتوسط، قدم الموقع الإلكتروني للوزارة الوصية، المواقع السياحية المتنوعة، والتي قالت عنها إنها تناسب تطلعات السياح المغمورين والمفتونين بالطبيعة الخلابة، وكل ما تحتاج إليه العائلة لقضاء إقامة لا تنسى. في القائمة المعروضة يغيب المزار السياحي “لشجرة غور”، فيما ركز الترتيب التسويقي لصورة إفران السياحية، على المنتزه الوطني لإفران المحدث سنة 2004، والممتد على مساحة 51.800 من الهكتارات على الجزء الغربي لجهة الأطلس المتوسط وصولا حتى الحدود مع إقليم بولمان، إضافة إلى مزارات أخرى ذكر منها حديقة وسط المدينة، وجامعة الأخوين، وبحيرة إفران، والبحيرة الطبيعية “ضاية عوا”، وبحيرة “حشلاف”، وبحيرة “ضاية إفراح”، وحديقة محمد الخامس، وعين فيتيل ومنبعها برأس الماء، وأسد إفران وشلال الملاذ. وفضلا عن شكاوى الطلبة والباحثين من إقصاء الموقع السياحي العالمي لشجرة “غورور” من لائحة الوجهات السياحية التي تسوقها وزارة السياحية، فإن الشجرة يحاصرها التهميش من كل جانب، فحتى الطريق المتفرع عن الطريق الوطنية الرابطة بين مدينتي آزرووإفران، والمؤدي لمزارها السياحي والذي لا ينقطع زواره شتاء وصيفا، ما يزال مسلكا ترابيا، يواجه عابروه صعوبات بسبب ضيقه وكثرة حفره ومنحدراته الخطيرة، حيث لم تُبادر سلطات عمالة إفران إلى تعبيده رحمة بالزوار والذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى “شجرة غورو”.6 عائلة غورو تحن إلى شجرته الزائر “لغورو الشجرة”، يعاين بأم عينه بأن شجرة الأرز المعمرة، لا تزال رغم الأمراض التي تنخرها من الداخل تقاوم الموت بعناد كبير وذراع واحدة، مصرة بكبرياء شجرة الأرز الشامخة بأن تنتصب نحو السماء وجذورها متمسكة بالأرض، وهو ما عجل بتحركات مكثفة لنشطاء بيئيين بإقليمإفران، طالبوا بتدخل القطاعات الحكومية المعنية والجماعات المحلية بقطبها بمجلس العمالة وبجهة فاس- مكناس، لإنقاذ هذه الشجرة ومحيطها من الإهمال، خصوصا أن هذا الموقع حظي بشهرة عالمية كبيرة. آخر الأخبار التي يتداولها محبو هذه الشجرة، تفيد بحسب ما نقله أحدهم ل”أخبار اليوم”، بأن عائلة الجنرال الفرنسي “غورو”، والتي دأب أفراد منها كل سنة على زيارة الشجرة التي ارتبط اسمها بقريبهم هنري جوزيف أوجين، تشير إلى أنهم أنهوا مراسيم تجديد الجمعية الدولية التي أسستها حفيدة الجنرال منذ سنوات، وانضم إليها مختصون دوليون في مجال البيئة وآخرون في البحوث الشجرية وأسرارها، حيث كان هدفهم هو دراسة وضعية “شجرة غورو” لكشف لغز دخولها منذ سنوات نهاية دورة حياتها. أحد أبناء المنطقة، ممن طلبت منهم حفيدة الجنرال الفرنسي الانضمام لجمعيتها دفاعا عن الشجرة، كشف أنها وجهت إليه رسالة تخبره فيها بأن أعضاء الجمعية الدولية “غورو”، عازمون على مطالبة المسؤولين المغاربة بفتح تحقيق في أسباب “قتل” أشهر شجرة معمرة بغابة الأرز بالأطلس، والتي كانت وما تزال باعتراف المسؤولين المحليين تشكل أحد أهم الموارد المالية لجماعة بن صميم التابعة لإقليمإفران، وذلك بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من السياح المغاربة والأجانب، يصلون بحسب بيانات رسمية إلى حوالي 60 ألف سائح.