يعد الحفاظ على النظام العام l'ordre public إحدى الوظائف السيادية التي تمارسها الدولة باعتبارها نظاما سياسيا تؤطره وثيقة مُتَعَاقَد بشأنها هي الدستور، و تتحقق وظيفة حماية الأمن العام بالمعالجة الاستباقية أو البعدية لأنشطة و أعمال المواطنين التي من شأنها إلحاق تهديد أو خلل بالأمن العام. و تُمارَس المعالجة الاستباقية من لدن السلطة التنفيذية من خلال امتدادها الإداري ( و ليس "السياسي"، لأن القرارات المتخذة في مجال الشرطة الإدارية خاضعة لرقابة القضاء الإداري)، بينما تمارِس السلطة القضائية المعالجة البعدية من خلال التشريع الجنائي الذي يعتبر تنفيذه إحدى المهام السيادية المُسْنَدَة إلى الدولة باعتبارها نظاما سياسيا un régime politique كما هو مشار إليه آنفا. إن كان للفقه والاجتهاد القضائي الإداريين دور بارز في إنتاج وإنضاج مفهوم " النظام العام "، فهذا لا يُجِيز تبني موقف متكلس يقضي بإخضاع رقبة مفهوم " النظام العام " للقانون الإداري، ذلك أن تفعيل التشريع الجنائي لمعاقبة الأفعال الجرمية، و الحد من تنامي الظواهر الجرمية عموما، يعتبر، أيضا، مساهمة أساسية من لدن السلطة القضائية ( إلى جانب النشاط الاستباقي للسلطة التنفيذية عن طريق أداة عملها أي : الإدارة) في حماية الأمن العام. و تجدر الإشارة في هذا الصدد، تلافيا للبس و الخلط، إلى أن وضع الحكومة للسياسة الجنائية (عبر تحديد الأفعال و الظواهر الجرمية التي تمثل مكافحتها أولويات لجهاز النيابة العامة ) يعتبر عملا استباقيا يرمي إلى صون النظام العام. و بالرجوع إلى تدخل القوة العمومية لفض احتجاج الأساتذة المتدربين، من المناسب التذكير بأن الإدارة لا تتمتع بالشخصية الإعتبارية، و تستمد وجودها القانوني من الحكومة بوصفها مؤسسة دستورية مكلفة بممارسة السلطة التنفيذية، و هذا ما يُسْتَفادُ من تنصيص الدستور على أن الإدارة موضوعة رهن إشارة الحكومة لتنفيذ البرنامج الذي حصلت بموجبه على شرعية الإقتراع العام المباشر، وهو ما يفيد، أيضا، أن الإدارة هي الأداة القانونية التي "تنفذ" بها الحكومة القانون. إن التأطير القانوني لعملية فض الاحتجاج يستلزم، من بين ما يستلزمه، التأكيد على أن تدخل القوة العمومية لفض التجمع الاحتجاجي يقع ضمن نظامين قانونيين لا يمكن أن يقع تضارب أو تناقض بينهما، فمن جهة لدينا النظام القانوني اللا مركزي الذي تؤول فيه سلطة حماية النظام العام بموجب القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ( المادة 110 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات مثلا) إلى العامل باعتباره ممثلا للدولة ( أو، إجرائيا، مندوبا للحكومة délégué du gouvernement )، و من جهة أخرى، لدينا النظام القانوني غير المتمركز و الذي يؤول فيه، أيضا، تطبيق التشريع المتعلق بالتجمعات إلى العامل (أو الوالي حسب الاختصاص الترابي) باعتباره ممثلا للدولة. و يتضح من الفصل بين النظامين القانونيين، كآلية للإستقراء، حرص المشرع على إعمال مبدأ عدم التناقض بين الشرطة الإدارية المحلية و الشرطة الإدارية الوطنية، فإن كان الاعتراف القانوني بالنشاط اللامركزي قائما على وجود " مصلحة محلية مستقلة " Un intérêt local autonome فإن هذه المصلحة المحلية لا يمكن أن تنشئ علاقة تعارض أو تضارب مع " المصلحة الوطنية ". إن استمرار إيراد السؤال عن اختصاص فض العمل الاحتجاجي يكتسي طابعا سياسيا بحتا، فالممثل القانوني للدولة باعتبارها شخصا معنويا للقانون العام هو رئيس الحكومة، و ضده تقام الدعاوى القضائية، و هو الذي يمارس السلطة التنظيمية، و منه يستمد الوزراء، بالتفويض، صلاحيات تسيير القطاعات الوزارية التي يشرفون عليها، و ذلك بمقتضى الفصل 90 من الدستور. فالمسؤول، إذا، عن الشرطة الإدارية الوطنية هو رئيس الحكومة، و يمكن أن نورد في هذا الصدد أن المراسيم التنظيمية يصدرها رئيس الحكومة و توقيع الوزير المكلف بالتنفيذ إجراء شكلي، ذلك أن مجلس الحكومة ليس مؤسسة تداولية، و التداول المنصوص عليه في الفصل 92 من الدستور لا يتجاوز حدود الآلية الإجرائية لضمان السير العادي لجلسات مجلس الحكومة و لضمان لحمة الأحزاب المكونة للأغلبية، أي أن التداول في حالة مجلس الحكومة عمل شكلي ذو هدف سياسي ( يتجسد كما أسلفنا في حماية لحمة الأحزاب المكونة للأغلبية كما هو مذكور سابقا) فحسب، بينما التداول في حالة مجلس تداولي لجماعة ترابية يعتبر فعلا تقريريا و صنعا قانونيا لقرار ملزم له تصنيف قانوني واضح، أما ما كان من تداول مجلس الحكومة، و مثلما انصرمت الإشارة إليه، فليس فعلا تقريريا إذ لا وجود في النظام القانوني المغربي لنص قانوني اسمه، مثلا، : " مقرر مجلس الحكومة ". *باحث في القانون العام