(1) قضية اللائحة الوطنية لشباب، وإن كانت تحمل في طياتها كافة التجليات الريعية، والمحسوبية والزبونية، إلا أنها لم تستأثر اهتمام الرأي العام بالشكل الكافي، أولا لفهم الظاهرة وسبر أغوارها، وثانيا لإدراك صحتها من علتها، وثالثا لتقييمها على أرض الواقع، بعد خروجها إلى العلن. وعليه أدركت بشكل أو بأخر، أن المسألة، تستحق التأمل والمعاينة، وقد كتبت مقالا مطولا (أكتوبر 2014)، عنونته ب "البرلمانيين الشباب، ريع سياسي أم طموح سياسي"، وقد كانت الفكرة الرئيسية للمقالة، تتمحور حولْ، من ناضل في الشارع، وجسد مطالب الفئات الشبابية (حركة 20 فبراير)، ومن قطف ثمار تلك النضالات والتضحيات، ليخلص المقال في نهايته، إلى أن اللائحة الوطنية لشباب، فرضها السياق السياسي لما قبل دستور 2011، حيث ترسخت لدى الفاعل السياسي والحزبي بشكل عام، ضرورة إدماج الشباب والصوت الشبابي داخل مؤسسات البلاد السياسية والاقتصادية والثقافية، وهو ما عبّد الطريق ل 30 شاب وشابة لتحمل المسؤولية النيابية من داخل الغرفة الأولى. لكن تأمل هؤلاء ثلاثين ولو بمرور عابر، يعطي انطباعا على كون الشباب العشريني، والشباب الغير متحزب ومسيّس، لم يجد لنفسه مكاناً داخل الأحزاب المغربية اليمينية واليسارية والإسلامية والمحافظة والحداثية، وجميعها، وعليه يبقى التساؤل قائما، إذ لم يتم إدماج الشباب المسيّس داخل الأحزاب، كما كانت الأرضية في البدء، فأي تغيير هذا، الذي ننشده كمجتمع بمختلف مواقعنا ومشاربنا، وهذا هو المنعطف الحاسم، الذي وضع اللائحة الوطنية لشباب، محط جدال دائم، ومستمر. ولفهم منابع الإخراج النهائي لمسرحية اللائحة الوطنية لشباب، نعود إلى تحقيق لجريدة الأسبوع الصحفي، شهر فبراير 2015، والتي أظهرت بأن الفصول الأولى، تبلورت مع "حركة رابطة الشباب الديمقراطي"، ويرجح بأنها تملك وصل إيداع فرنسي، ويترأسها "المهدي بنسعيد" حامل لجنسية الفرنسية، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب حاليا، وعضو حزب الأصالة والمعاصرة، وكانت من بين مطالب هذه الحركة "الكوطا لشباب"، وبعدها وكي تتبلور الفكرة أكثر وتجد أرضيتها المناسبة، امتد النقاش إلى الشبيبات الحزبية، لتتأسس على إثر ذلك، حركة ثانية، جمعت المكون الأول والمكونات الثانية، وأطلق عليها آنذاك، أي قبل انتخابات 25 نونبر، حركة الشباب المغربي من أجل تمثيل سياسي الآن. ومنه نفهم كيف استغل البعض اندفاعية شباب الشارع، التي لا حدود لها، وقطف ثمار مجهودات، لم يكلف نفسه عناء بذلها والتضحية من أجل، وإذ كان ذلك، يبدو ماكرا، فأن السياسة في نهاية المطاف، فن الممكنْ، وهي مجال من يجيد قراءة الواقع بتأني ودهاء، ولا خير تجسيد على ذلك، مقولة المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي، "فكّر بهدوء واضرب بقوةْ"، وهذا ما حدث بضبط، حيث نجد من ناضل بعفوية آملا في تغيير واقع البلاد نحو أفضل، انتهى نهايات مأساويةْ، بينما البعض الآخر من لازم مكانه لمراقبةْ الوضع وما سيفرزه من اتجاهات، كانت حصيلته جد ايجابية، أو لم يخلص كارل ماركس في نهاية بأن الثورة دائما ما تقودها البورجوازية الصغيرةْ، وكما أن الثورة كذلك غالبا ما تأكل أبنائها بتعبير المحامي والخطيب الفرنسي "جورج جاك دانتون". من الناحية الدستورية القانونيةْ، لا نص دستوري يعبّر بشكل أو بآخر عن هذا الحق الذي أريد به باطل، إذ جاء إخراج اللائحة الوطنية لشباب، فقط عن اجتهاداتْ البعض، ممنْ وجدوا في خطاب الملك المغربي العاهل محمد السادس، إبان الحراك المغربي، ودعوتهِ الصريحةْ لإدماج الشباب في الحقل السياسي والحزبيِ، مطيةْ لبلوغ أهدافهمْ الدفينةْ، عبرْ تأويل عبارات الخطاب الملكيِ لصالحهم، وهو ما تأتى بالفعلْ، وإذ كانت اللائحة الوطنية لشباب في نهايةْ، وجدت طريقهاَ إلى دهاليز الأحزاب، ومنهُ إلى ردهات البرلمانْ، فنعود لنتساءل من جديدْ، عن ما مدى نجاعة آليات الأحزاب المغربيةْ في ضمان تكافئ الفرص بين الفاعلين الشبابْ؟،و بعبارة أقل بساطةْ، نعاينْ جزءْ لا بأس بهِ، من لائحة الثلاثين برلمانيِ، لنفهم بشكل جليْ، حقيقةْ الشعار وتعارضه مع المضمونْ، إذ كيفْ يجدْ الشاب المناضْل طريقهُ في ظلّ صراعاتْ حزبية داخلية على أشدهاَ، تتعامل في غالب الأحيان بمنطق "الكعكة" مع المناصب، التي تعود إليها عبرَ مشاركتها السياسية في الحكومة، أو من داخل البرلمان؟ هذه التساؤلات وغيرها، تجد لنفسها مبررات مادية ملموسةْ من داخل دهاليزْ الأحزاب (والأمثلة على ذلك لا حصر لها، إذ بنظرة عابرة على صفحات الجرائد الوطنيةْ، نعاين غسيل الأحزاب وكواليسها الداخليةْ، بشكلْ يوسع فوهةْ العزوف السياسي لشباب، أكثر مما كان عليه من ذي قبل، بالنظر إلى ارتفاع درجات الوعي السياسي، لدى شرائح واسعة من الشباب المغربي، بفضل وسائط الاتصال الحديثةْ، التي وفرت المسافاتْ، بين أبراج السياسيين العاجيةْ، وقعر الشعب المزدحم بكافةْ أشكال البؤس الاجتماعي). *كاتب صحفي، ناشط سياسي