شكل إعلان إلياس العماري أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، عقب المؤتمر الثالث ل"حزب الجرار"، النقطة التي أثارت الجدل حول تنافس حاد مرتقب في الانتخابات التشريعية القادمة بين حزبي العدالة والتنمية و"البام". العديد من المتابعين للشأن السياسي اعتبروا أن انتخاب العماري زعيما لحزب الأصالة والمعاصرة تمهيد لدخوله في صراع مع إخوان بنكيران على كرسي رئاسة الحكومة في انتخابات أكتوبر القادم. النقاش الحالي انحصر فيه الحديث عن حزبين فقط، في تجاهل تام لأحزاب أخرى، بماض عريق وحاضر غامض. فبعد أن كان الصراع في المشهد السياسي مشحونا بين الأحزاب التاريخية، إذ ظلت أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والاتحاد الاشتراكي في مواجهة مفتوحة، انخفض منسوب الحماسة لدى قادة هذه الأحزاب في توزيع التصريحات وتبادل الاتهامات، كما عبر عن ذلك إدريس لشكر، زعيم الاتحاديين، حينما قرر الامتناع عن الإدلاء بتصريح لجريدة هسبريس، تاركا المهمة للناطق الرسمي باسم الحزب، الذي ظل هاتفه يرن دون مجيب. ولعل محطة الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة ساهمت بشكل كبير في رسم معالم المشهد السياسي الحالي، بعدما أسفرت نتائجها عن تراجع ملموس للأحزاب الوطنية، وعلى رأسها حزب الاستقلال، الذي تكبد زعيمه في فاس خسارة قاسية، في حين فقد حفدة عبد الرحيم بوعبيد الكثير من قلاعهم الانتخابية في العديد من المدن، خاصة في الجنوب. الحصيلة الانتخابية المتواضعة لكل من الحزبين حتمت عليهما إعادة النظر في حساباتهما وتموقعهما داخل الخريطة السياسية؛ وهو الأمر الذي سارع إليه الأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، حينما قرر فض الشراكة التي كانت تجمعه بحزب "البام" في المعارضة، والعودة إلى مكانه الذي تخلى عنه في مرحلة سابقة، من خلال إعلان مساندته النقدية للحكومة، ولإخوان بنكيران على الخصوص، في ما يشبه الرغبة في المصالحة معهم. الانتخابات ذاتها، التي غيبت الأحزاب التاريخية، أفرزت نظاما جديدا يرتكز على قطبية ثنائية برأسين، هما "البام" و"البيجيدي"، إذ منحت نتائج اقتراع الرابع من شتنبر الهيمنة السياسية لحزبين، الأول تاريخي ذو مرجعية إسلامية، والآخر حديث العهد يتموقع في "وسط اليسار"، كما صرح بذلك إلياس العماري، السائق الجديد ل"حزب الجرار" . بن يونس المرزوقي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة، قال إن بروز هذين الحزبين في المشهد السياسي جاء بسبب "انكماش دور الأحزاب التاريخية، التي إما ذابت ضمن تحالف الأغلبية، أو أن دورها في المعارضة لم يستطع بعد إرجاعها إلى المكانة التي كانت تحتلها". وعزا المرزوقي ضعف الأحزاب التاريخية، خاصة أحزاب الكتلة الوطنية، إلى "كثرة الانشقاقات الداخلية التي حولت الاهتمام من المشروع المجتمعي إلى تصدعات البيت الداخلي"؛ مضيفا أن الرأي العام المغربي "لم يعد يقبل بأحزاب مقسمة"، ضاربا المثل بحزب العدالة والتنمية، الذي أبان عن تنظيم مكنه، حسب المتحدث ذاته، من إقناع المواطنين بالتصويت عليه. وأكد أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة، في تصريح لهسبريس، أن التحضير للاستحقاقات القادمة مطلع أكتوبر "سيكسر هذا التقسيم، باعتبار أن التحالفات الحقيقية ستبرز بعد ظهور النتائج وليس قبلها". وأوضح محمد الغالي، أستاذ القانون الدستوري، أن المشهد السياسي في هذه المرحلة "يعرف كبوة حقيقية، تظهر معالمها في تراجع الأحزاب التاريخية، التي كانت تجابه النظام في وقت مضى"؛ مضيفا أن هذا التراجع هو الذي منح التفوق لحزبي "البام" و"البيجيدي". وأضاف المتحدث ذاته لهسبريس أن الأحزاب الوطنية "تعيش انتكاسة بعد أن غرقت في مستنقع المشاكل التنظيمية"، وهو ما يجعلها، حسب الغالي، "بعيدة عن لعب دورها في تأطير المجتمع، وفق ما تمليه مقتضيات الفصل السابع من الدستور، الذي يحدد التزامات وأدوار الهيئات الحزبية". *صحافي متدرب