وجّه نائب الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحّد، محمد الساسي، انتقادات حادة لحزب العدالة والتنمية، القائد للائتلاف الحكومي، على خلفيّة مُسوّدة مشروع القانون الجنائي، التي أعدها وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، المنتمي إلى حزب "المصباح". وقال الساسي في ندوة نظمتها "مجموعة قانونٍ جنائي جدير بالقرن الواحد والعشرين"، التي أنشأها عدد من الناشطين الحقوقيين المغاربة، إنّ حزب العدالة والتنمية "حزب يميني متطرف، أمّا قولهم بأنهم حزب إسلامي فهذا ليس سوى مناورة لعدم الكشف عن تموقعهم الحقيقي". هجوم الساسي على حزب العدالة والتنمية جاء في الندوة التي ناقشت موضوع "أي إصلاحات للقرن الواحد والعشرين بين مقاربة النوع والحريات الفردية؟"، حين حديثه عن الفصول المتعلقة بالحريات الفردية في مُسوَّدة مشروع القانون الجنائي، إذ قال في إشارة إلى حزبالعدالة والتنمية:: "يريدون تقسيم المغاربة إلى ملائكة وشياطين، بين من يدافع عن الأخلاق ومن هو ضدّها، حسب تعريفهم". الساسي الذي قال إن موقفه من حزب العدالة والتنمية لا ينبع من رغبة في "تصفية الحسابات مع أحد"، اعتبر أنّ حماية الأخلاق العامة أمر ضروري، لكن ليس بواسطة "العقاب والعنف الذي تضمنته فصول القانون الجنائي، بل بوسائل أخرى، حيث يجب أن يكون العقاب الجنائي آخر الدواء"، مضيفا: "على وزير العدل ألا يستعظم دور العنف في ضبْط أخلاق المجتمع". ودافع الساسي عن موقف العلمانيين إزاء الحريات الفردية، وقال، متحدثا عن حزب العدالة والتنمية، "هم يعتبروننا نشجع على التشرد الجنسي، ونحن نقول إن المدرسة قادرة على حماية الأخلاق، والقانون لا يجب أن يتدخل في مجال الحريات الفردية إلا حين يصل خرق الآداب العامة إلى احتمال وقوع اضطراب اجتماعي، وأن يكون هذا الاضطراب على درجة من الخطورة". القيادي في حزب الاشتراكي الموحد انتقد تمسّك وزير العدل والحريات بتجريم العلاقات الجنسية الرضائية، فعلى الرغم من أن الرميد أعلن أن ضباط الشرطة القضائية لن يقتحموا البيوت لضبط المتلبسين بالعلاقات الجنسية خارج الزواج، إلا أن الساسي تساءل: "نقول للسيد الرميد على أي أساس قانوني ستسمح لضباط الشرطة بطرْق أبواب الناس والتعدي على حميميتهم". وانتقد الساسي تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في مسودة مشروع القانون الجنائي، قائلا إن إثباتها يقتضي خرق الحميمية، "وأضرار هذا الخرق أكبر من الضرر المترتّب عن تلك العلاقة"، بحسب تعبيره، مشيرا إلى أن القوانين الجنائية في عدد من البلدان العربية؛ مثل مصر وتونس والإمارات العربية المتحدة وعمان، ليست متشددة في هذا الجانب كمسودة مشروع القانون الجنائي المغربي في صيغتها الحالية. وفي حين بُني عدد من فصول مسودة مشروع القانون الجنائي على ما جاءت به الشريعة الإسلامية، قال الساسي إن بإمكان المشرّع المغربي وضع قانون جنائي يوسع هامش الحريات الفردية، وذلك بالانفتاح على المذاهب الدينية الأخرى، "ففي ما يتعلق بالإجهاض نطالبهم بالاستعانة بالمذهب الحنبلي، وأنا كعلماني أقبل التنصيص على جاء به المذهب الشافعي في العلاقات الجنسية الرضائية، حيث يغلّب جزءٌ من الفقهاء الشافعية السّترة". وفي مقابل الانتقادات الكثيرة التي وجهها الساسي إلى مسودة مشروع القانون الجنائي، نال وزير العدل والحريات بدوره نصيبا من انتقادات القيادي في حزب الاشتراكي الموحد، حيث اتهمه بنهج "خطاب ترافعي خطير" للدفاع عن المسوّدة، وتساءل: "حزب العدالة والتنمية لم يصل إلى الحكومة سوى بحصوله على عشرين بالمائة من الأصوات، فكيف سيكون موقف الرميد، الذي يقول: هادي ما غاديش تْدوز، وليرفض مناقشة المسودة حتى مع الأحزاب المشاركة في الحكومة حين يحصل حزبه على ستّين في المائة من الأصوات". الساسي سجّل عَشْرَ "سلبيات" قال إن مسودة مشروع القانون الجنائي تتضمنها، صدّرها ب"سيادة توجه تحكمي في مسألة مصالح الدولة"، وقال في هذا السياق إن واضعي نص المسودة نجحوا في توجيه النقاش العمومي من أجل تمرير التوجه التحكمي في صمت، للسكوت عن جرائم الدولة، موضحا أن "الحزب القائد للحكومة منح للسلطوية كل ما تريد، مقابل الإبقاء على تجريم الحريات الفردية، وقالوا لهم اعْطيوْنَا شِي حَاجَة باشْ نْبيّنُو أننا مسلمون أكثر ومرّروا ما شئتم". المسألة الثانية التي قال الساسي إنها تشكل إحدى سلبيات مسودة مشروع القانون الجنائي، تتعلق بقانون الإرهاب، موردا: "لسنا ضد محاربة الإرهاب، بل إن هذا واجب ومطلوب، ولكن الدول المستبدّة تستعمل هذا القانون لقمع من ليسوا إرهابيين وتصفية حساباتها مع معارضين سلميين بدعوى محاربة الإرهابيين"، والشيء ذاته بالنسبة لعقوبة الإعدام، التي قال إنها تنفذ في حق السياسيين ولم يعد هناك مبرر لبقائها، واعتبر أن "السلطوية في المغرب لا يمكن أن تطلب أكثر مما أعطته لها مسوّدة مشروع القانون الجنائي".