الْفَرَحُ نقيض الحزن وهو السرور، وانشراح الصدر. يقال: رجل فَرِحٌ وفَرْحٌ ومَفْرُوحٌ، وامرأة فَرِحَةٌ وفَرْحَى، وفَرْحَانَةٌ، والْفَرَحُ أيضا الْبَطَرُ الذي فيه تَكَبُّر وتَجبر وخُيلاء، قال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) القصص/76، والْمِفْرَاحُ هو الشخص الذي يَفْرَحُ كلما سَرَّهُ شيء في دنياه، والْفَرْحَةُ الْمَسَرَّةُ، ورجل مِفْرَحٌ مُحتاج، أو مَغْلُوب. وأَفْرَحُ وفَرَّحَهُ تَفْرِيحاً أي سَرَّهُ، وأَفْرَحَهُ الدَّيْنُ أَثْقَلَهُ، ودلالات المفهوم في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه: البطر، والرضى، والفرح ذاته الذي يأتي بمعنى السرور. فكيف يتحرك هذا المفهوم في سور القرآن الكريم؟ لقد ذكر مفهوم الفرح في القرآن الكريم (22 مرة)، منها (14 مرة )في السور المكية، و(8 مرات) في السور المدنية، بالصيغ الآتية: ( فَرِحَ- فَرِحُوا- تَفْرَحْ- تَفْرَحُوا- تَفْرَحُونَ - يَفْرَحُ- يَفْرْحُوا- يَفْرَحُونَ- فَرِحٌ- فَرِحُونَ- فَرِحِينَ). ففي المجال العقدي نجد الفرح برحمة الله، وقد يكون الفرح فيها فرديا وجماعيا. قال تعالى: ( وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ) الشورى/48، وهذه الرحمة منها ما يتجلى على الظاهر كالصحة والغنى والأمن، ومنها ما يتجلى على الباطن كالإمدادات والواردات القلبية، ولذلك عبر القرآن في كلتا الحالتين معا ب(أَذَقْنَا) الذي فيه إحساس وشعور قلبي، ولذة وفرح. وقد يتحول الفرح إلى بطر وطغيان لعدم مراعاته الأدب مع الله الذي أمد الانسان بسبب من أسبابه. قال سبحانه: (حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) الأنعام/44، والمؤمن يكون فرحه دائما برحمة الله وفضله عليه لأنه منزلها. قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) يونس/58. ويتوالى معنى الفرح في المجال العقدي تارة سيئا لتنكبه الطريق، وأخرى جميلا كاشفا عن محاسن العقيدة في القلب، وأدب في السلوك، وقد يخرج الفرح إلى مجال التفرقة والشيع، والأحزاب كل حزب فَرِحٌ بما لديه من أفكار وتصورات، وسياسة. ويجد فرحه من التنازع، والتمزيق الذي يشتغل به في صورته العنيفة، قال جل جلاله: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) المؤمنون/53 أما دلالات المفهوم في المجال التشريعي الذي يرسم للأمة معالم البناء والوحدة، فقد تناول القرآن أصنافا من الناس لا يفرحون إلا إذا أصابت غيرهم سيئة، وينسحب هذا على الأفراد والمجتمعات والدول، حيث تفرح دولة مَّا بما يصيب دولة أخرى من ضيق في العيش أو غيره من صنوف الشدة. قال تعالى: (وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ) آل عمران/120، وهو ناتج عن مرض قلبي وضعف في العقيدة أو حقد دفين قال تعالى: ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ) التوبة/81 ، وهو أنموذج موجود يوثر الراحة والكسل، والكلام على العمل، والبحث عن سبل الخير للأمة، كما كان المخلفون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فرحين بمقعدهم، وجلوسهم في الظل، وكرهوا أن يخرجوا للجهاد في سبيل الله. وإن مثل هؤلاء لحظات فرحهم غير بريئة، ومع ذلك يريدون أن يسمعوا أصواتهم، ويشيدوا بسياستهم، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا في سبيل وحدة الأمة ولم شملها، والدفاع عن قيمها. (لَا تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبِنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) آل عمران/188، فهم غير محميين من تقلبات الدهر وسوء العاقبة. ( فَلَا تَحْسِبَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). وأي نصح يقدم لهؤلاء يعرضوا عنه على اعتبار أن لديهم فَرَحٌ بسياسة فيها "احتياط" لأخذهم بظواهر الأمور، ويظنون أنهم بتخلفهم عن التعاون، والتضامن قد ضمنوا لأنفسهم النجاة مما أصاب، ويصيب غيرهم، وهي دروس كانت في غزوة تبوك، ونجدها اليوم في الواقع حيث يكثر المتخلفون، والقاعدون عن مناصرة قضايا الأمة، ولسان حالهم يقول: (قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ) التوبة/50 لأنهم تغاضوا عن النعم التي يتقلبون فيها وشكرها، (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) الرعد/26 وإن سفرنا مع المفهوم في القرآن الكريم واستجلاء دلالاته، ومجالات اشتغاله جعلنا نتساءل عن لحظات الفرح في حياة الانسان اليوم؟ وأَيُّ فرح للنساء والرجال والأطفال في ظل الحروب والصراعات التي يشهدها العالم؟ ولماذا قتلنا الفرح في أجيال الغد؟ ولماذا تأتي لحظات الفرح من الآخرين، ولا تأتي من المسلمين؟