ذَكَرَ صاحبُ اللِّسَانِ، أن الحِزْبَ في اللغة من حَزَبَ: أي جماعة الناس، والجمع أَحْزَابٌ، والأَحْزَابُ: جنود الكفار، تألبوا وتظاهروا على حِزْبِ النبي صلى الله عليه وسلم، وحِزْبُ الرجل: أَصْحَابُه وجُنْدُهُ الذين على رَأْيِهِ. والمنافقون والكافرون حِزْبُ الشيطان، وكل قوم تَشَاكَلَتْ قُلُوبُهُمْ وأَعْمَالُهُمْ فهم أَحْزَابٌ، وإن لم يَلْقَ بعضهم بعضا. والحِزْبُ: الوِرْدُ. وَوِرْدُ الرجل من القرآن والصلاة: حِزْبُهُ. وَالْحِزْبُ: ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة وصلاة كالوِرْدِ. وَالْحِزْبُ: النَّصِيبُ. يقال: أعطني حِزْبِي من المال، أي حَظِّي وَنصِيبِي. والحِزْبُ: النَّوْبَةُ في وُرُودِ المَاءِ. وَالْحِزْبُ: الصِّنْفُ من الناس. وَالْحِزْبُ: الطائفة. وَالأَحْزَابُ: الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم السلام. وتَحَزَّبَ القَوْمُ: تجمعوا وصاروا أَحْزَاباً. وَحَزَّبَ فلانٌ أَحْزَاباً أي جمعهم. وتتناول الدلالة اللغوية، الحزب بمعنى الجماعة، والطائفة، والمنافقون، والكافرون من حزب الشيطان، والقوم الذين اجتمعت قلوبهم وأعمالهم على شيء، والوِرْدُ، والحَظُّ والنَّصِيبُ. أما في القرآن، فقد ورد المفهوم(20مرة) منها (10مرات ) في السور المكية،ومثلها في السور المدنية. وفي هذا التطابق الكبير والملفت للانتباه دلالة وحكمة في اشتغال المفهوم، فما يأتي من الأحزاب في مجال العقيدة، من اجتماع، وتآلف، ووحدة ، يأتي مثله في المجتمع ،وإذا كان الانقسام، والتعصب، والتفرق المذهبي في العقيدة، يأتي مثله كذلك في الحياة، وعلاقاتهم السياسية والاجتماعية، وقد يصاحب الأحزاب فرح حزبي عندما تكون الكثرة والغلبة فيها، أو في قوتها التنظيرية، والاستقطابية، مما يؤدي إلى صراع بين حزب وآخر، أو هدم قلاعه. وهواهم في مثل هذه الأعمال يكون دائما واحدا، يقول الله تعالى: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) الروح/32. أما صيغه فجاءت ب (حِزْبٌ- حِزْبُهُ- حِزْبَيَنِ- الأَحْزَابُ) من المفهوم المفرد(حِزْبٌ- حِزْبُهُ) الدال على الشخصانية، إلى (حِزْبَيْنِ- أَحْزَابٌ) التي تفيد التعدد، والتنوع. وفي المفهوم ما ينتمي إلى حزب الشيطان، وهم المنافقون والكافرون، وما ينتمي إلى حزب الله سبحانه، وهم القوم الذين اجتمعت قلوبهم وأعمالهم، على وِرْدٍ يصلهم بالله عز وجل. والدعوة الحزبية فيهما مختلفة تمام الاختلاف، كما يثير تكتل الأحزاب، واجتماعها إشكاليات في التنظير. والممارسة الحزبية، وقد عبر المنظور القرآني عن مجموعة من الأفعال التي تنشأ في الأحزاب: (الفرح، ونسيان ذكر الله، والكفر، والإنكار، والاختلاف، والظهور، والانهزام، والنار، والسعير )، فكيف تكون دعوتهم راشدة، وهم بهذه الممارسات الحزبية الظاهرة للعيان؟ إن مفهوم الأحزاب في آي القرآن الكريم، يشتغل في سياقات تبرز عمله بفئة ضالة، و بفئة مؤمنة ذاكرة لله جل جلاله. ولعل أبرز صفة لصيقة في الأحزاب، والتي أظهرها القرآن هي صفة الانهزامية. قال تعالى: (جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ) ص/11. وهو انهزام متنوع فيه العددي، والفكري، والروحي. ومن الأحزاب في الأمم الغابرة، قوم نوح وعاد وفرعون،وثمود وقوم لوط، وقوم شعيب، كانوا طغاة على رسلهم، فأصبحوا نكرة في التاريخ، وآثارهم تنطق بالهزيمة، كما يتناول النص القرآني الأحزاب الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحزبوا في جماعات مَاكِرَةٍ، ضَالَّةٍ، حتى سميت سورة في القرآن ب"سورة الأحزاب" التي تتحدث عن الغزوة، وبني قريظة من اليهود، ومواقف الكفار والمنافقين، وتحزبهم لإيقاع الإِرْجَافِ في صفوف الجماعة المؤمنة عن طريق خلخلة الأوضاع الاجتماعية، والقيم الأخلاقية. وهو الاتجاه ذاته الذي تسلكه الأحزاب في مجتمعاتنا المعاصرة. قال تعالى: (يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا ۖ وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ) الأحزاب/20 . لقد أثار هذا المفهوم، ويثر تساؤلات كثيرة حول الجماعات، وبتعبير القرآن (الأحزاب)، والبرامج التي تشتغل عليها في الأمة، بين التي يكون فيها الاشتغال بنسيان ذكر الله تعالى، والاختلاف، وحب الظهور، والتي تشتغل على الصلاح موصولا بالله سبحانه، في اجتماع، وتآلف للقلوب. بِوِرْدٍ يَرِدُونَ به على الله عز وجل، فيهم الصدق، ويهم الفلاح، والغلبة،( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)المجادلة/22.