يصدر القسم ألاستخباري لجريدة الايكونوميست البريطانية كل سنة أربع تقارير تخص الوضع العام لمنطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، و قد تنبأت أحد هذه التقارير بحدوث ثورات في هذه المنطقة سنة 2010. حدد هذا التقرير مؤشرات دقيقة لإمكانية حدوث هذه الثورات و حدد لكل مؤشر من هذه المؤشرات نسبة محددة من الأهمية من حيث الفاعلية و المساهمة في إحداث الثورات. هكذا حدد التقرير نسبة 35% من الأهمية لكثافة الشريحة السكانية التي تبلغ من العمرأقل من خمسة و عشرون سنة، و حدد نسبة 15% بالنسبة للمدة التي قضتها الحكومة الحالية في السلطة، كما حدد كذلك 15% بالنسبة للفساد و 15% بالنسبة للاستبداد و 10% بالنسبة لحصة الفرد من الدخل القومي و في الأخير حدد 5% للرقم القياسي في ممارسة الرقابة على الصحف. تطبيق هذه المؤشرات على دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط جعلت من دولة اليمن أول دولة ستحدث فيها الثورات بنسبة 88%، كما جاءت ليبيا في المقام الثاني بنسبة 65% و جاء الترتيب لكل الدول على الشكل التالي، مصر في المقام الثالث، سورية في المقام الرابع، العراق في المقام الخامس، سلطنة عمان في المقام السادس، موريتانيا التي تقريبا تحدث فيها انقلابات كل سنتين في المقام السابع، السعودية في المقام الثامن ، الجزائر في المقام التاسع، الأردن في المقام العاشر، تونس في المقام الحادي عشر، المغرب في المقام الثاني عشر، البحرين في المقام الثالث عشر، لبنان في المقام الرابع عشر، الإمارات العربية المتحدة في المقام الخامس عشر، الكويت في المقام السادس عشر و أخيرا قطر في المقام السابع عشر. تنبؤات القسم ألاستخباري لجريدة الايكونوميست البريطانية بحدوث ثورات سنة 2010 لم تتحقق في نفس السنة و لكنها تحققت سنة 2011 مع تعديل في الترتيب. يعود في نظري عدم تحقق تنبؤات القسم ألاستخباري لجريدة الاكونوميست البريطانية في نفس السنة و بنفس الترتيب لعدم أخذها بعين الاعتبار الحقائق التاريخية لتشكل الدول المعنية بالثورات. يمكن تصنيف دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط بشكل عام إلى ثلاثة أصناف. صنف أحدث انقلابات عسكرية و ادعى أنها ثورة نموذج مصر، ليبيا ، العراق، اليمن و سوريا، صنف ثان لم يعرف القطيعة بتاتا على المستوى السلالي السياسي و يتجسد هذا الصنف في المملكات سواء العربية منها أو الأمازيغية أما الصنف الثالث فقد خرج من صلب الاستعمار الأوروبي للمنطقة و استعان من أجل سيادته على المختبرات الجيو أمنية و الجيوسياسية . ثلاثة أصناف من الدول لمنطقة تمتد من المحيط إلى الخليج. ثلاث دول من الصنف الأول، أي من الصنف الذي عرف ثورات على شكل انقلابات عسكرية خلال خمسينيات و ستينيات القرن الماضي هي التي تعيش حاليا أحداث الثورات بشكل حقيقي. إلى هذه الدول الثلاث التي تعيش حالة الثورات، يمكن إضافة دولة أخرى من الصنف الثالث أي من الصنف الذي خرج من صلب الاستعمار الأوروبي و عاش على المناورات الجيوسياسية و الجيو أمنية. أما دول الصنف الثاني أي الصنف الذي امتزجت فيه السلالات بالسياسة و بالتاريخ، فهذا الصنف باستثناء مملكة البحرين التي تتململ فيها الأحداث بشكل بطيء فلازالت جد متماسكة و تصارع من أجل الصمود أمام زوبعة التاريخ. الدول الثلاث من الصنف الأول التي هي مصر، ليبيا و اليمن؛ و الدولة الوحيدة الأخرى من الصنف الثالث التي هي تونس كل هذه الدول تعيش حاليا ثورات حقيقية. الصنف الثالث الذي خرج من صلب الاستعمار الأوروبي يتشكل من دولتين فقط، هما دولتي تونس و الجزائر. أما النموذج الثاني فهي كل الملكيات العربية و الأمازيغية، من المملكة العربية السعودية، إلى المملكة الهاشمية الأردنية بالإضافة إلى المملكة المغربية و مملكة البحرين. و من الممكن إضافة صنف رابع من الدول التي تتشكل منها منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط وهي دولة الإمارات العربية المتحدة و دولة الإمارة الواحدة التي هي الكويت، بالإضافة إلى سلطنة عمان. أعتقد أنه حان الوقت لكي يتم تصنيف دول منطقة شمال إفريقيا و الشرق الأوسط حسب الخصائص التاريخية التي تميزها؛ فما كان يسمى سابقا في إحدى اللحظات بدول الصمود و التصدي هي بالضبط دول الصنف الأول، أي الصنف الذي عرف ثورات على شكل انقلابات عسكرية، مع تعديل بسيط و هو أنه لما رفضت الجمهورية المصرية الانضمام إلى هذا الحلف من الدول تم تعويضها بدولة من الصنف الثاني التي هي الجمهورية الشعبية الجزائرية، بمعنى جمهورية بجمهورية و ليس جمهورية بملكية، لأن الملكيات من طبعها أن لا تسير عكس التاريخ. أما دولة لبنان فمن الممكن تصنيفها ضمن النموذج المتعدد الهوية لأنه يجمع بين خصائص الصنف الأول المجسد في الانقلابات و الثورات و خصائص الصنف الثالث المشكل من السلالات السياسية و التاريخية، بالإضافة إلى خصائص الصنف الثاني المرتبط بالاستعمار الأوروبي. دول الصنف الأول أي الدول التي عرفت ثورات على شكل انقلابات هي الدول التي مستها الثورات بدون استثناء: مصر، ليبيا و اليمن؛ أما دولة العراق فرغم أنها تنتمي إلى دول هذا الصنف الأول أي الدول التي عرفت ثورات على شكل انقلابات عسكرية فرغم ذلك لم يحدث لها ما حدث لمصر و ليبيا و اليمن، وذلك لأن الاستعمار الدولي المجسد في التحالف الغربي تدخل في تاريخها بشكل مبكر و لم يترك الأحداث تتطور إلى أن تنضج فتعرف الانفجار و الثورة على ذاتها كما حصل لليبيا، مصر و اليمن. العالم الذي وصفه الروائيين السعودي عبد الرحمان منيف و الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا على أنه عالم بلا خرائط، أصبح اليوم يتوفر على خرائط فقط مفاتيح هذه الخرائط توجد بداخل خزائن مدفونة في أعماق التاريخ. [email protected]