من المعلوم أن تقدم المجتمعات رهين بتقدم تعليمها، كما أن ضعفها رهين، أيضا، بضعف تعليمها. فلا أعرف مجتمعا متقدما يُبخس قيمة مربي أجياله. فبدون الأستاذ لا تستقيم التربية، ولا تبنى القيم، ولا ينفذ المنهاج، ولا يحدد مصير الأجيال. وهذا يتأتى بوجود أستاذ يلعب دور حجر الأساس في تحسين العملية التربوية في جميع مراحلها. والنظام التربوي لا يمكن أن يقوم بالدور المناط به بصورة مثلى، لتهيئة إنسان مجتمع المعرفة، إلا من خلال تأهيل هذا الأستاذ وتطويره، وإعداده للمهمة مدى الحياة. إن المتأمل لوضعية رجل التعليم بالمغرب، يستغرب لحاله، إذا ما قارنها بوضعيته في الدول التي يحظى فيها بالاحترام والتقدير ماديا ومعنويا. فعلى سبيل المثال قبّل رئيس وزراء تركيا طيب رجب اردوغان يَدَ مُعَلّمه في المدرسة، و حمل نعشه بعد وفاته، وعيا منه بقيمته في المجتمع. و أجابت المستشارة الألمانية مركيل القضاةَ في معرض حديثها عن مطالبهم برفع رواتبهم فقالت: كيف أساويكم بمن علموكم؟ وقبلهما قال الشاعر أحمد شوقي، أحد رواد البعث والإحياء، الملقب بأمير الشعراء: قف للمعلم وفه التبجيلا=== كاد المعلم أن يكون رسولا. إن الهدف من هذه الاستشهادات هو التذكير بالقيمة السامية للمدرس الذي يبني الأجيال. وللأسف الشديد، إذا نظرنا إلى وضعية المدرس في المغرب ، يتبين أن جزءا من المجتمع يقلل من قيمته وشأنه، إلى درجة أن كلمة أستاذ بُخست من قبل بعض الناس، إذ نجدها متداولة في كل مكان، فالإسكافي يناديك: أستاذ، والجزار يناديك :استاذ، وقابض الصرف في الحمام الشعبي يناديك: أستاذ، وهذه الاستعمالات في الغالب تعبر عن عدم إدراك قيمتها. وامتد ذلك، بشكل سافر، إلى بعض المسؤولين الذين صاروا يترصدون هفواته وزلاته، وينسون أو يتناسون مجهوداته وإنجازته، فعلى يديه تخرج الطبيب المعالج، والقاضي الحاكم، والصانع المحترف ، والفنان المبدع، والرياضي المتألق، والدكتور المؤطر، والوزير المقرر. ومن المسؤولين من نسي مَن أوصله للمرتبة التي هو عليها الآن. إن الأستاذ في حاجة إلى أن يحظى بالاحترام والتقدير، ففي ذلك احترام للوطن وأبنائه. أما أن يصل الأمر إلى تعنيف المدرس وضربه، فهذا حرام شرعا، ومرفوض منطقيا، ومؤلم عاطفيا، ومنبوذ أخلاقيا، ومجرّم قانونيا. فكما نعرف، شرعا يحرم الظلم ، ومنطقيا لا يوجد مسوغ لتبرير الاعتداء على من يطالب بحقه، وأخلاقيا يتعارض العنف مع القيم النبيلة، التي يرسخها المدرس في المتعلمين، وقانونيا يمنع المس بحقوق الانسان، كما نص الفصل 22 على ذلك في الدستور. ولو كنت مأمورا وطلب مني تعنيف رجل التعليم تحت أي ذريعة، لرفضت وقلت: عذرا لا أستطيع، ولو تطلب الأمر تقديم استقالتي. ولو كنت مأمورا لنفذت كل الأوامر إلا تلك التي تسيئ إلى رجل التعليم. ولو كان الأمر موكولا إلي لدافعت عن إخراج قانون يجرّم إيذاء رجال التعليم ونسائه. طالبَ أستاذ الغد بعدم فصل التكوين عن التوظيف، ولم يكن يتخيل أن يحدث جرح غائر في رأسه وجسده . ولم يكن يتصور أن من عنّفه تعلم على يد أمثاله. ولا أحد يقبل أن يعنف ابنه أو خليله أو صديق أخته أو ابن خالته بأسلوب همجي، ينم عن تنكر لفضل معلم الأجيال، ومنشئ مستقبل الأبطال. لقد أبصرت عيناي صورا ملطخة بدماء أساتذة الغد الحاملين مشعل التربية، فأحدثت في نفسي حزنا عميقا، وأثرا شديدا نتيجة هول الصدمة. وازداد حزني لما علمت أن بعض المسؤولين كانوا مدرسين، فنسوا أو تناسوا قيمة رجل التعليم. ولم أر في دولة تحترم مواطنيها اعتداء على بانيها، فكما جاء على لسان الكاتب الفرنسي المشهور فيكتور هيكو: إن أي طفل نعلمه هو رجل نستفيد منه مستقبلا. فهلا احتذينا بالنماذج الناجحة؟ وأين نحن من هذه النماذج المثالية؟