كان ديْدَن المعلم قديما الاعتزاز بالبيت الشعري الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي: "قم للمعلم وفّه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا"، لكنه اليوم في المغرب بات يشك في "رسالته" إلى المجتمع، بعد أن صار مستهدفا من طرف تلامذته، وتحوّل البيت الشعري إلى "قم للمعلم وفه التقتيلا .. ما نفَع المعلمَ سوى التنكيلا". ولم يعد يجد العديد من التلاميذ في المعلم ذلك المربي الذي يُقَبّلون يده، أو يغيرون الطريق الذي يمر منه عندما يرمقونه، كما كان في سنوات خلت، بل صارت أياديهم إلى الأستاذ سابقة باللكم والسحل والضرب بالأسلحة البيضاء، قبل أن ينتفض الأساتذة أمام "حرب التشرميل" ليطالبوا بقانون يحميهم ويصون كرامتهم. وانبرى رجال التعليم للمطالبة بقانون يحميهم من الاعتداءات التي تنتقص من كرامتهم وتبخس قدرهم في المجتمع المغربي؛ وهو مطلب توزعت بشأنه المواقف بين مؤيد لضرورة سن قانون ينصف الأساتذة وإحداث شرطة داخل المدارس، وبين مشكك في جدوى المقاربة الأمنية، باعتبار أنها لن تكفي للحد من إذلال المعلم. ويعلق رشيد شاكري، مفتش خبير تربوي، على هذا الموضوع بالقول إن "تنامي أحداث العنف ضد الأساتذة يشكل خطرا كبيرا ينبئ بانهيار منظومة القيم في المجتمع، ويكشف عن اندحار الرصيد الرمزي للهيأة التعليمية التي كانت تتمتع من قبل بوضعية اجتماعية وإدارية متميزة". وأوضح شاكري، في تصريح لهسبريس، أن "الحديث عن كون المقاربة القانونية غير كافية فيه نوع من الالتباس في السياق المغربي، بحكم أن التشريع الوطني لا يتوفر على مدونة قانونية خاصة برجال التعليم تراعي ظروف وخصوصيات عملهم وتحيط مهنتهم بمزيد من الضمانات لحمايتهم من التعسفات وتشجيعهم على القيام بواجبهم التربوي في ظروف مناسبة، على غرار بعض النماذج الناجحة في القانون المقارن". وزاد المتحدث أن النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل "لا تضمن الحماية القانونية للأستاذ، بحكم أن القضايا المعروضة على المحاكم تستند إلى القانون الجنائي الذي ينظر إلى اعتداء التلميذ على أستاذه بأنه اعتداء قاصر على راشد، دون مراعاة لخصوصية الواقعة بحكم أن المعتدى عليه مربي في المقام الأول، وأن الوسط الذي يتم فيه الاعتداء هو مرفق عمومي للتربية على قيم الاحترام والتقدير". ولفت الفاعل التربوي ذاته إلى أن "الحكم على التلميذ الذي اعتدى على أستاذه بطريقة لا إنسانية بسبعة عشر يوما حبسا ودرهمين كتعويض يؤكد ضرورة سن تشريعات تراعي حرمة الهيئة التربوية والمؤسسة التعليمية"، مردفا أن "نساء ورجال التعليم لا يستفيدون من الامتياز القضائي على غرار هيئة القضاء ورجال الشرطة ورجال الأمن". وشدد شاكري على أنه "من واجب المجتمع الحفاظ على الوضعية الاعتبارية للمدرس والمدرسة، لأن أي خدش في هذه الصورة ستكون له انعكاسات وخيمة على الأسرة والمجتمع"، متابعا أن "تقدير نساء ورجال التعليم لرسالتهم النبيلة والتحلي بالنزاهة والإخلاص للمهنة والاستحضار الدائم لمصلحة الوطن ومستقبل المغرب وأبنائه هي القيم التي من شأنها أن تجعلهم يقدمون صورة جديدة عنهم للمجتمع".