ماذا يعرف المغاربة عن 30 في المائة من سكان هذا الكوكب؟ وأقصد هنا الصينين. لعل الصورة التي نربطها كمغاربة عن بلد عملاق كالصين، وعن مواطنيه الذين يبلغ تعدادهم 1.3 مليار، نمطية وجد مختزلة، فيها الكثير من الخطأ والقليل من الصواب. الصيني ليس هو ذلك الرجل القصير القامة، ذو العينان الضيقتان، الذي يعمل كالنملة، ويمارس رياضة الكونفو، الصيني ليس هو جاكي شان وبروسلي، ولا هو ذلك الرجل الذي يصنع البضائع والمواد الرخيصة ذات الجودة الضعيفة التي تغزو أسواقنا. جهلنا بهم مرده إلى سبب بسيط. بالبرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين المغرب و بلاد التنين قوية، إذ تعد الصين ثالث شريك تجاري للمغرب، إلا أن علاقاتنا الثقافية ببلد غني ثقافيا، جد ضعيفة إذا لم نقل منعدمة. ولذلك فحينما نشير إلى " الخارج" فإنما نحصره فقط في دول أوربا و أمريكا. الصينينون ورغم توزعم بين 56 قومية، بينهم أقلية مسلمة، استطاعوا تحقيق التعايش السلمي المشترك والتوحد فيما بينهم، منذ سنة 1949 حين انتهت أعمال العنف الكبرى، وحسم الشيوعيون الحرب الأهلية وأسسوا جمهورية الصين الشعبية في بر الصين الرئيسي. ليس عجبا أن تحتل الصين الرتبة الثانية كأكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، والبلد المصدر الأول في العالم، وتنظم العملة الصينية " اليوان " إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي إلى جانب الدولار الأمريكي والين اليابانية والجنيه الاسترليني البريطاني والعملة الموحدة لمنطقة اليورو، كل ذلك بفضل الكادر البشري الصيني المتميز بحبه للعمل و شغفه بطلب العلم. في خطابه قبل ساعات من حلول سنة 2016، استعرض الرئيس الصيني، شي جي بينغ، عبر وسائل الإعلام الرسمية، حصيلة سنة 2015، من إنجازات وإخفاقات بلاده. أشار إلى فوز العالمة الصينية تويويو بجائزة نوبل، كأول عالم صيني يحصل على هذه الجائزة، وإطلاق القمر الصيناعي، الذي صنعه العلماء الصينيون لاستكشاف المادة المظلمة، فضلا عن تركيب طائرة ركاب كبيرة من طرازC919 التي تصنعها الصين وحدها. وتتضمن خطاب شي أسرار النجاح الذي حققه الصينيون، و الذي يجعل العالم في كل مرة مشدوها وخائفا في الآن نفسه من أبناء بلد البندا، قائلا:" من جد وجد وقد اجتهد الشعب الصيني كثيرا وبذل جهودا كثيرة في عام 2015، وقد حصل على الكثير أيضا"، مردفا أن " حملة مكافحة الفساد حققت تقدما كبيرا. وبفضل الجهود المشتركة من قبل أبناء شعب البلاد بمختلف قومياته استكمل تطبيق الخطة الخمسية ال 12 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتمتع أبناء الشعب بثمار كبيرة". صحيح أن ما يغزو أسواقنا اليوم من سلع صينية جلها سلع رخيصة مقلدة لماركات عالمية، وأغلب الزبائن يشتكون من ضعف جودتها، بل وخطورة بعض المنتوجات على صحة وسلامة المستهلك. ليس هذا عوزا من المصنع الصيني وضعف خبرته، بل المشكل في الموردين الذين يزودون السوق المغربية، ويطلبون المصانع الصينية بإنتاج سلع رخيصة أو"بقايا سلع". هناك ماركات صينية تتميز بجودة عالية تنافس جودة الماركات العالمية المعروفة... إلى كل قارئ لهذه السطور، هل تستطيع اليوم أن تعيش بدون "فايسبوك"؟ بدون "يوتوب"؟ بدون "غوغل"؟ بدون"تويتر"؟ إليك المفاجأة: الصينيون يستطيعون فعل ذلك. ليس لأنهم منطويون على العالم، أو ليس لديهم الوقت الكافي للتواصل. بل لأنهم، ونظرا لأن الحكومة الصينية لجأت إلى سياسة منع هذه المواقع في البلاد، ابتكروا بدائل تغنيهم عن كل ما سبق ذكره. عوض "فايسبوك" هناك "ران ران"، عوض "غوغل" هناك" بايدو"،عوض "اليوتوب" هناك" يوكو"، وعوض " تويتر" هناك" ران توان يوان" . الزائر للصين يكاد يجزم أن الشاب والعجوز، المرأة و الرجل، والأمي والمتعلم الصيني، كلهم يتواصلون عبر هذه المواقع، فأينما وليت وجهك تجد صينيا ممسكا بهاتفه و منهمكا في الرقن والتواصل حد الإدمان. وتستعمل بعض شبكات التواصل الاجتماعي الصينية أيضا، لتحويل مبالغ مالية من فرد لآخر ولتأدية فاتورة المطعم والفندق بل ولشراء الخضر والفواكه من الباعة المتجولين. هناك الكثير مما يقال عن الصين والصينيين، فيه الإيجابي و السلبي، هذه السطور غير كافية لاحتوائه وشرحه، لكن أن ننفتح على شعب لابد أن نتعرف على ثقافته، واللغة الصينية التي قال عنها أحد الكوميدين المغاربة المشهورين شبيهة بحلوى "الشباكية" المغربية هي جزء كبير من هذه الثقافة.