ليلة غير عادية تلك التي عاشها قسم المستعجلات في مستشفى ابن سينا بالرباط، بالتزامن مع ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة، لاستقباله عددا كبيرا من المرضى من الذين تأزمت أوضاعهم الصحية، أو خانتهم سنوات العمر، وأصبحوا من المترددين على قسم المستعجلات بشكل دائم. يخيم الحزن والأسى على قاصدي المستعجلات من أجل علاج حالات طارئة، بعدما فرضت قلة ذات اليد اللجوء إلى خدمة المستشفى العمومي المذكور، بدل الذهاب إلى مصحة خاصة. حشد بشري مع الوصول إلى بوابة المستشفى قد يتهيأ للمرء أن عدد الوافدين على المرفق الصحي هم قلة، وأنهم لا يتجاوزون العشرات، كأقصى تقدير، لكن الاقتراب من أول مدخل للمستعجلات يفضي إلى أعداد كبيرة من المواطنين، الذين تختلف أسباب مجيئهم إلى "السويسي"، بين من أنهكه الكبر، ومن عانى أزمة قلبية، ومن طعن بسكين غادر، وغيرها من الأسباب، إلا أن معاناة الانتظار ورداءة الخدمات تبقى واحدة. الحشد الذي اجتمع أمام مدخل قسم المستعجلات جعل الحراس يحولون دون دخول مجموعة من مرافقي المرضى، متذرعين بالازدحام الذي نتج عن كثرة الوافدين، والذي لا يختلف، بحسب أحد الأطباء الذي تحدث لهسبريس، عن ازدحام باقي الأيام العادية. ويقول الطبيب نفسه، الذي اختار عدم الكشف عن اسمه، إن "مستعجلات ابن سينا" تستقبل، بشكل يومي، عددا كبيرا من المرضى، خاصة كبار السن، مشددا على أن الاكتظاظ الذي عرفته ليلة رأس السنة ليس استثنائيا، وإنما كذلك هو الحال على مر الأيام، بحيث تعوَّد الطاقم الطبي على الأمر الذي أصبح روتينيا، إلى درجة "عدم إحساس عدد من الأطباء والممرضين بمعاناة المرضى، مهما بلغت حدتها، نتيجة لا مبالاتهم وعدم تقديرهم لمن يلجأ إلى خدمتهم"، على حد تعبيره. مواطنون كثر أبدوا امتعاضهم وغضبهم بعد منعهم من دخول قسم المستعجلات، فمنهم من جاء رفقة أصوله، وآخرون رافقوا أفرادا من عائلاتهم، لكن عناصر الأمن الخاص، الساهرة على الإجراءات التنظيمية بالمستشفى، منعت دخول أكثر من واحد على الرغم من تقديم نفسه كمرافق لمريض لا يقوى على الحراك. الوقوف ب"السيروم" زيادة على اكتظاظ قسم المستعجلات بالمركز الاستشفائي ابن سينا، ليلة رأس السنة، برزت قلة الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى وجود عدد من المتدربين الذين يقومون بالمناوبة الليلية. ووسط الأسِرّة المترامية، التي يرقد عليها بعض المرضى، يمرق إطار تمريضي بين الفينة والأخرى، بينما لا يتجاوز الأطباء المداومون عدد أصابع اليد الواحدة. إطار تعليمي، بعدما صدم لحال قسم المستعجلات الذي يزوره للمرة الأولى في حياته، غادر المستشفى متوجها إلى إحدى المصحات الخاصة بالعاصمة، متوجسا من سوء الحالة الصحية لزوجته التي قال إنها تعرضت لكسر على مستوى ساقها اليمنى. انقسم الأطباء والممرضون بين مجدّين في عملهم، محاولين، كل قدر استطاعته، سد الخصاص الحاصل في الموارد البشرية، وبين مستخفين ومتأففين من أداء واجبهم المهني تجاه من اضطروا إلى اللجوء إلى "سبيطَار الدولة". كثيرون ممن لم يجدوا سريرا، لجؤوا إلى الاستعانة بمقاعد متحركة في انتظار دورهم كي يعاينهم الطبيب، أو حتى الممرض، وإن كانت نظرة واحدة على إصاباتهم تكفي للتيقن من خطورة الحالات. مشهد آخر لا يقل إيلاما، عاينته هسبريس خلال تواجدها في قسم "مستعجلات رأس السنة"، وبه يظهر رجل تخطى الأربعين من العمر، قسمات وجهه الحادة ولباسه الرث يذكي ما يلوح من معاناته مع المرض، وقد اضطر إلى ترك السرير الذي كان يتمدد عليه لإحدى السيدات، بينما يتدلى من يده محلول "السيروم". "الله يشافي" بدا الألم على عدد من المرافقين وهم يرصدون الحالات الصحية الصعبة التي يعيشها المرضى، حيث إن آهات الأقارب فاقت تلك التي كان يطلقها من ألمّ بهم السقم، فاغرورقت الأعين بالدموع، وتحركت الشفاه معبرة عن الأمل في الخروج من قاعة الإنعاش بسلام، ورغبة في الوصول إلى "شفاء لا يغادر سقما"، مستنكرة رداءة خدمات "ابن سينا"، الذي لا يختلف كثيرا عن غيره من المستشفيات المنتشرة على امتداد ربوع المملكة. بين الفينة والأخرى، يحل ب"المستعجلات" شخص تعرض لاعتداء من تبعات احتفالات "رأس السنة"، من بين هؤلاء ضحيّة تكاد ملامح وجهه لا تظهر بعد الدماء التي لطخته، بينما يردد الأطباء والممرضون عبارتهم الشهيرة في جميع المستشفيات "الله يشافي".