"تاغنجا تاغنجا يا ربي عطينا الشتا"، و"السبولة عطشانة غيثها يا مولانا"، عبارات رددتها حناجر نساء بعض الدواوير في ضواحي مدينة بني ملال، وهن يطفن أزقة أحيائهن الهامشية، طمعا في أن تكفهر السماء وتتلبد بالغيوم، لعلها تُفرج عن أمطار الغيث التي بات يتشوف إليها المغاربة بشغف. وظهرت عشرات المواطنات بالقرى التابعة لمدينة بني ملال في مقطع "فيديو" بُث أخيرا على موقع "يوتوب"، وهن ينشدن بأعلى أصواتهن تلك الأرجوزة الشهيرة التي يرددها الطامعون في أن ينشر الله رحمته بين عباده ويسقي بهيمته، سيرا على عادة احتفالية قديمة يلجأ إليها المغاربة، وخاصة الأطفال والنساء، طلبا للغيث من الله. وعلق الخبير في الأرصاد الجوية محمد بلعوشي، في تصريح لهسبريس، على خروج هؤلاء النساء إلى الشارع مرددات أهازيج تطلب أمطار الخير من السماء بأنه أمر مفهوم بالنظر إلى تأخر التساقطات المطرية. ولفت بلعوشي إلى أن هذه الوضعية المرتبطة بتأخر الأمطار عرفها المغرب في السنوات القليلة الماضية، ومنها العام المنصرم، إذ تأخرت الأمطار عن الهطول في الوقت المنشود من طرف الفلاحين، لكن بعد ذلك ارتوت الأرض بالغيث، وتم تدارك كمية الأمطار الناقصة. ونبه المتحدث ذاته إلى أنه لا يمكن الحديث عن جفاف عام في المغرب، باعتبار أن الجفاف أصناف، منها الجفاف الفلاحي مثلا، والذي يعني تأخر تساقط الأمطار عن موعدها المرتبط بعملية الحرث، والجفاف الهيدرولوجي الذي يرتبط بآثار ضعف التساقطات المطرية على إمدادات المياه. وشدد الخبير على أنه لا يمكن الحديث عن جفاف عام في المغرب، والذي لم يحدث في البلاد إلا في سنوات الثمانينيات، بفضل شساعة مساحة البلد، "فإذا حل الجفاف بمناطق معينة فإن مناطق أخرى ترتوي بمياه الأمطار"، يقول المتحدث ذاته. وعزا بلعوشي تأخر التساقطات طيلة الأسابيع الأخيرة إلى تأثير ضغط جوي مرتفع على المنطقة، يحجب تسرب الأمطار إلى أغلب مناطق شمال إفريقيا، ويمتد إلى حدود سوريا والعراق، ووسط أوروبا أيضا، ما ينعكس على الاضطرابات الجوية التي تتجه نحو المغرب. من جهتها، ترى الباحثة في علم الاجتماع ابتسام العوفير، في تصريحات لهسبريس، أن خروج نساء في بني ملال، وربما في مناطق أخرى يسميها الكثيرون "المغرب العميق" أو "المغرب غير النافع"، دليل على ما للأمطار من تأثير نفسي واجتماعي كبير لدى سكان مثل هذه المناطق. وتوقفت العوفير عند "خروج نساء وأطفال مناطق مقصية من التنمية، بغض النظر عن إقامة صلاة الاستسقاء قبل أسابيع خلت، للطواف بين الدروب والأزقة، صادحات بأهازيج شعبية من المورث الثقافي الشعبي للمغاربة، فيما قد لا تخرج نساء الرباط أو الدارالبيضاء، على سبيل المثال، إلى الشارع من أجل الغاية ذاتها"، وفق تعبيرها. وأوردت الباحثة أن "تاغنجا" طقس شعبي متجذر في الطبقات الفقيرة خاصة، وتعني بالأمازيغية "المِغْرفة الخشبية" التي تستعملها النساء في المطبخ، وكان الأطفال الصغار يحملونها بين أيديهم على شكل دمية ملفوفة بالصوف أو الثوب، ويطوفون الأزقة والأحياء، طلبا لهطول المطر.