سؤال كثيرا ما يطرحه المتتبعون للشأن الصحراوي، وبمناسبة إعادة تزكيته لولاية جديدة على رأس هرم سلطة البوليساريو، سأحاول تقريب الصورة حول تاريخ الرجل، وطريقة وصوله إلى السلطة، ثم آليات الضبط والتحكم في المخيمات التي أبقته زعيما لجبهة البوليساريو لقرابة 40 سنة. احمتو بن خليلي بن محمد البشير (اسمه الحقيقي)، يُحسب قبَليا على فرع الفقرة من قبيلة الرقيبات، الذي ينتجع أرض "الحمادة" في الجنوب الغربي الجزائري. قدم جده، محمد البشير، الفار من مرابع قبيلته في مناطق الجنوب الغربي الجزائري، بعد ارتكاب جناية، إلى منطقة واد نون، وهناك لحق به أقارب الضحية. وحتى ﻻ تدخل المنطقة في حرب ثارات، أعدمه قائد كلميم، دحمان بيروك، رميا بالرصاص، وبقي أبناؤه في جنوب المغرب. ازداد في طنطان جنوب المغرب، وهناك تربى وتعلم في كنف والده، خليلي، المقاوم في جيش التحرير ثم الضابط في الجيش الملكي. وكان أحد مؤسسي جبهة البوليساريو بداية السبعينات. ينتسب إلى قبيلة الرقيبات الصحراوية، التي تشكل تقريبا 50% من سكان الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولها امتدادات في الجنوب حتى تخوم أدرار شمال موريتانيا، ومناطق واسعة في الجنوب الغربي الجزائري. وبحكم أنه الوحيد بين المؤسسين الذي ينتمي إلى بطن الفقرة من قبيلة الرقيبات الذي ينتجع جنوب غرب الجزائر، أرسله زعيم جبهة البوليساريو لفتح مكتب في مدينة تيندوف وتعبئة رقيبات الشرق للانضمام للجبهة حديثة النشأة. فكان أول منسق للبوليساريو مع السلطات الجزائرية بوساطة من أبناء عمومته في مدينة تيندوف. بعد توطيد العلاقة مع الجزائر، عاد إلى رفاقه في جبهات القتال ضد المستعمر الإسباني، قائدا لقطاع الشمال العسكري إلى حين وفاة زعيم المنظمة في الحرب مع موريتانيا منتصف 1976. حتى ذلك الوقت لم يكن محمد عبد العزيز من قادة الصف الأول المؤهلين لخلافة زعيم الجبهة. لكن كونه الوحيد بين المؤسسين من له حاضنة قبلية في الأراضي الجزائرية، وكونه أول منسق مع الجزائر، تم اختياره باقتراح من الجزائر وتدبير من البشير مصطفى السيد، أخ الزعيم المتوفى، لقيادة الحركة. ولتأكيد ولائه للجزائر والقبيلة، كانت أول خطوة قام بها الزعيم الجديد هي الزواج من ابنة عمه، رئيس بلدية تيندوف الجزائرية. ومن هناك كانت البداية الفعلية لإحكام السلطات العسكرية الجزائرية سيطرتها على إدارة جبهة البوليساريو في غفلة من رجالها المنشغلين بالحرب، بواسطة عبد العزيز الذي شرع في تأسيس نظامه الجديد في المخيمات المبني على قاعدة التفرقة القبلية والمحاصصة الجهوية. ضرب خصومه بعضهم ببعض، وزرع الخوف من خلال حملات الاعتقال والإخفاء القسري والتصفية الجسدية تحت ذريعة التخوين، وورط منافسيه في ملفات انتهاكات حقوق الإنسان والفساد التي طبعت حكمه، وأسس نظامه على قواعد تبقيه زعيما مدى الحياة. سيطر على كافة موارد المنظمة، واحتكر التعيينات والوظائف فيها، يمنح ويمنع تبعا لدرجة الوﻻء. درس التركيبة القبلية للمجتمع الصحراوي ضرب بطون قبيلة الرقيبات بعضها ببعض، يُعلي هذا على ذاك، ثم ما يلبث أن يعكس المعادلة، حتى زرع الشقاق بينهم، وضمن أن ﻻ يجتمعوا للإطاحة به، ثم أقام نظام محاصصة جهوي من ثلاثة كتل، شطر قبيلة الرقيبات إلى قسمين متنافسين، شرق وساحل، وشكل كتلة ثالثة من الأقليات القبلية في المخيمات بزعامة قبائل الجنوب ومنحها جل الوظائف الحيوية في المنظمة، خاصة تسيير الموارد المالية والمساعدات والعلاقة مع الأممالمتحدة ورئاسة المفاوضات (الوزارة الأولى، التعاون الخارجي وكل ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، البرلمان ورئاسة وفد المفاوضات، التنسيق في الأممالمتحدة)، بحكم أنهم لن ينافسوه على السلطة بسبب أقليتهم العددية، وسيبقون على ولائهم له، ما دام ولي النعمة وصاحب الفضل. ومن نتائج سياسة المحاصصة القبلية التي كرسها عبد العزيز في إدارته، واستشراء الفساد بين رموز نظامه، أن أصبحت قيادة البوليساريو مدانة شعبيا داخل المخيمات، وأصبح مصير أشخاصها رهينا بمستقبل الزعيم. والتغيير المؤجل إلى حين يغيب الموت عبد العزيز، هاجس يؤرق النظام برمته، خوفا من المحاسبات على شاكلة ما تعرض له رموز كافة الديكتاتوريات التي سقطت بسقوط الزعيم. وحتى الجزائر التي تنفذ سياستها في المنطقة من خلال قيادة البوليساريو، وفي غياب أي شخصية صحراوية مقربة منها تحظى بقدر من التوافق بين الكتل الصحراوية، وقادرة على مواصلة مشوار عبد العزيز بالانضباط نفسه الذي تطلبه السياسة الخارجية للجزائر، أظهرت أنها تخشى من مرحلة ما بعد عبد العزيز، لذلك لجأت، في الدقائق الأخيرة قبل مؤتمر البوليساريو، إلى إخراج الرجل من مشفاه والقيام بحملة علاقات عامة لتلميع صورته قبل طرحه على المؤتمر كمرشح وحيد. وبالتالي فجبهة البوليساريو، بسبب نظامها الشمولي الأحادي، باتت في مفترق الطرق، وقد ﻻ تستطيع الجزائر التحكم في دفة قيادة المسار الذي ستأخذه في مرحلة ما بعد عبد العزيز الوشيكة، خاصة إذا ما اهتدى المغرب إلى الميكانيزمات الكفيلة بتسويق مقترحه للحل بين الصحراويين. * قيادي سابق في جبهة البوليساريو