أعادت الأحداث الإرهابية التي عرفتها باريس يوم 13 نونبر "داعش" إلى الواجهة الوطنية والإقليمية والدولية، وحولته إلى مادة إخبارية دسمة وحدث سياسي كبير قيل فيه/حوله الكثير، وسكت فيه/حوله الكثير. ومن القضايا التي تم السكوت عنها؛ هل "داعش" دولة بالمفهوم القانون الدولي؟ ما هي مصادر تمويل "داعش"؟ ما هي مناطق نفوذ "داعش"؟ كم يمتلك من الجيوش؟ من أين يشتري الأسلحة وكيف تحصل عليها؟ من يشتري بتروله ونفطه؟ ما هي الأبناك التي يتعامل معها؟ ما هي أهداف تنظيم "داعش"؟ ما علاقاته بالقوى الغربية؟ الخ. بداية نقول: نسمع عن "داعش" الشيء الكثير، ولكن لا نعرف عنه إلا القليل رغم أنه أصبح موضوع الإعلام العالمي الذي يكشف كل يوم عن جديد هذا التنظيم، لكن دائماً تكون هناك أسرار لا يكشف عنها. لذلك سنحاول في هذا المقال أن نوضح بعض الجوانب الغامضة حول "داعش" اعتمادا على مصادر غربية عدة لها علاقة بالموضوع. "داعش" ودلالته كلمة "داعش" هي اسم مختصر ل"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وقد ظهرت بشكل ملفت للنظر بعد 2014، أثناء تحول دول مغاربية ومشرقية عدة إلى دول فاشلة، واستيلاء "داعش" على مناطق عدة بالعراقوسوريا، خصوصا بعد تولي "الخليفة أبو بكر البغدادي" قيادة التنظيم، بعد مقتل مؤسسه "الأمير أبو عمر البغدادي" عام 2013. "داعش" دولة أم تنظيم يصف العديد من الباحثين والإعلاميين والسياسيين "داعش" بالدولة الإسلامية، دون تحديد مفهوم "الدولة الإسلامية" (Etat islamique). هذا المفهوم الذي إذا ترجم إلى العربية، فإنه يعطي دلالة عادية "دولة إسلامية"؛ أي مرجعيتها الشريعة المعتدلة وليس المرجعية الدينية المتطرفة أو الدولة التي تمارس الإرهاب. وقد تمكن الإعلام الغربي من أن يروِّج مفهوم الدولة الإسلامية بمفهومها الإرهابي حتى أصبح من المسلمات، وفي هذا تضليل خطير للرأي العام الدولي. ومن الناحية القانونية ينبني مفهوم الدولة، حسب القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، على شروط أساسية: سكان دائمون، وأرض معترف بها ذات حدود معترف بها دوليا، وحكومة وسلطات ومؤسسات، والقدرة على إقامة علاقات مع غيرها من الدول المنتمية لهيئة الأممالمتحدة. ويتبين من هذه الشروط أن ما يسمى بالدولة الإسلامية مجرد لغو إعلامي له حمولات سياسية قوية صنعته المختبرات اللغوية والإعلامية والسياسية الغربية لأغراض سياسية محضة. ف"الدولة الإسلامية" كما هو مبين أعلاه لا تعتبر دولة بالمفهوم القانوني، بل إنه مجرد تنظيم متطرف ومسلح يتبنى الفكر السلفي الجهادي التكفيري، ويروم إقامة الخلافة الإسلامية وتدمير نبل الدين الإسلامي قبل تدمير البشر، بغض النظر عن دينهم أو ثقافتهم أو حضارتهم. "داعش" ومصادر التمويل من القضايا التي يسكت عنها الإعلام العربي والغربي والساسة الغربيون أثناء الحديث عن "داعش" هي مصادر تمويل هذا التنظيم، وكيف يحصل عليها؟ يؤكد العديد من الخبراء والعارفين بخبايا مصادر تمويل "داعش" أن النفط يمثل أكبر مصدر للدخل المستمر ل"داعش"، وهو ما وصفته جريدة "الفايننشال تايمز" بالذهب الأسود الذي يمول "دولة" العلم الأسود، والتي أكدت أن "داعش" يصدر النفط إلى جل الدول الأوروبية والأمريكية، بل حتى إلى إسرائيل عبر الحدود التركية والعراقية. ويعد بيع النفط لهذه الدول المصدر الرئيس ل"داعش" لتمويل عملياته الإرهابية وتسليح المتطرفين وشراء الأسلحة وإغراء الشباب من كل أنحاء العالم، وقد أقرت منظمة العفو الدولية مؤخرا بأن "داعش" يشتري الأسلحة من 25 دولة، بما فيها الولاياتالمتحدة وروسيا عبر وسائل ولوبيات متعددة. "داعش" ومناطق النفوذ بحسب المحللين، ينتشر "داعش" في الشمال السوري والحدود العراقية والتركية، ويسعى إلى التوسع في الأراضي الليبية، حيث بدأ يفرض قوانينه ومؤسساته وينشر إيديولوجياته، ويؤكد الكثير من الخبراء أن نفوذ تنظيم "داعش" يفوق مساحة بريطانيا، بل إن دائرة عملياته أصبحت تضرب كل القارات، وآخرها عمليات باريس، حيث أصبحنا أمام "داعش" الأوروبية. وفي السياق نفسه، أشارت الجريدة الألمانية "Der Spiegel" إلى أنه نظرا لاتساع مناطق نفوذ "داعش"، فإنه يستثمر أحدث تقنيات التواصل بين مكوناته عبر أقمار صناعية أوروبية وأمريكية، وهو ما اعترف به الوزير الأول الفرنسي، Manuel Valls، لإحدى القنوات الفرنسية، مؤكدا أن "داعش" يستعمل التقنيات الحديثة للقيام بعملياته الإرهابية وأيضا تمرير ونشر أيديولوجيته المتطرفة، مما حوله إلى تنظيم عابر للحدود، وأوضح التقرير أن "البروباغاندا" تعتبر من أبرز آليات التنظيم، إذ من جهة يسعى إلى إظهار نفسه على أنه الأكثر خطورة في العالم، من خلال نشر أشرطة فيديو تحتوي مضامين عنيفة على الإنترنيت، ومن جهة أخرى يسعى إلى استقطاب أعضاء جدد. "داعش" والجيش يظهر "الداعشيون" بصفات مختلفة، تارة في صورة جيش نظامي مجهز بأحدث أنواع الأسلحة والآليات الحديثة، ومرة أخرى بزيّ عصابات تقتل وتدمر، وفي نهاية المطاف يبقى الهدف واحدا، وهو ارتكاب جرائم إنسانية باسم الدين الإسلامي البريء لإظهاره على أنه دين قتل وإجرام وتهجير وتدمير ووحشية. أما من ناحية عدد جيشه، فليس هناك أي وثائق رسمية متفق حولها تحدد عدد عساكر "داعش"، وإن كانت قدر ب 250 ألفا، بحسب آخر تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو عدد يفوق جنود جيوش دول أعضاء في هيئة الأممالمتحدة. "داعش" الحقيقة الغامضة يؤكد عدد من الخبراء والمؤسسات الغربية أن "داعش" منتوج غربي محض، ويكفي أن نبرهن على ذلك ببعض المراجع الغربية: أولها كتاب الخبير الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط، بيير جون لويزار، الصادر في فبراير 2015 بعنوان: "فخ داعش: الدولة الإسلامية أو عودة التاريخ" (Le piège Daech. L'Etat islamique ou le retour de l'Histoire). وسلط الخبير الفرنسي، بيير جون لويزار، في هذا الكتاب الضوء على جوانب مهمة من التنظيم المتطرف "داعش"، الذي حوله الإعلام الغربي إلى ظاهرة فرضت وجودها على العالم، متسائلا عن مصادر تسليح وتمويل "داعش"، وعن المسؤولين عن خلقه، وعن الأهداف الجيو- سياسية من ورائه، مستخلصا أن العالم الأوروبي- الأمريكي تورط في فخ يدعى "داعش"، هذا التنظيم الذي ولد وترعرع بين أحضان الدول الغربية وأصبح يتمرد عليها نتيجة بداية تضارب المصالح بينها وتغيير موازين القوى بعدد من مناطق العالم، مؤكدا أن "داعش" استعمار غربي جديد وقوده النعرات الدينية والعرقية والإثنية. وقد وقف الكاتب عند عامل مهم هو أن الدول الغربية هي من هيأت الظروف لظهور "داعش" وباقي المنظمات المتطرفة بالعراق، لأنها اعتقدت، في الثمانينيات، أن القوة العسكرية التي اكتسبها النظام العراقي السابق لصدام حسين، الذي صمد في حرب شرسة أمام إيران من 1980 إلى 1988، قوة بإمكانها تغيير موازين القوى بالخليج والشرق الأوسط، لذلك بحثت الدول الغربية عن أسباب تدمير القوة العسكرية العراقية، فدفعت الرئيس العراقي إلى احتلال الكويت سنة 1990، واستغلته سببا في احتلال العراق، وبعده استهدفت النظام الليبي، ثم النظام السوري، وهي الأنظمة التي كان الغرب يصفها بالأنظمة العربية الإسلامية المارقة. وأضاف الخبير الفرنسي أنه بدعم غربي تحولت العراقوسوريا وليبيا إلى معاقل لتنظيم "داعش" الذي بدأ ينمو تدريجيا، ليعلنه فيما بعد خطرا على الإنسانية، وبعد ذلك تَشكَّل تحالف دولي لمواجهة "داعش" في العراقوسوريا، ومنذ ذلك الوقت والتنظيم يتوسع أكثر داخل العالم العربي وخارجه، ويوجه ضرباته في عقر دور الغرب أكثر من ذي قبل رغم الحصار والضربات والتعاون الأمني بين كل دول العالم. إن "داعش" جزء من مخطط غربي لإعادة خريطة العالم العربي والإسلامي، اقتنع الغرب أنه بعد تدمير العراق وليبيا وزعزعة النظام السوري وإدخال مصر في نفق مسدود وإغراق السعودية بالديون، أن الوقت مناسب لإعادة تشكيل المنطقة العربية، وهذا ما ركزت عليه جريدة "البايس" الإسبانية في مقال مهم بعنوان "الحرب ضد الرعب"، أكدت فيه أن "الحرب ضد الدولة الإسلامية ليست عملية ضد الإرهاب كما يصفها البيت الأبيض، بل حربا جديدة إقليمية ومن دون حدود كان أوباما مضطرا لدخولها على الرغم من حالة عدم اليقين من مسار تطورها ولا يمكن التنبؤ بها". وأشارت الصحيفة إلى أن تنظيم "داعش" "ليس هو سبب الوضع في العراق وفي سوريا، بل إن التنظيم نفسه هو نتاج أوضاع إقليمية معيبة" تدخل في إطار مخطط غربي مفاده إعادة رسم خرائط شرق أوسط جديد تتمتع فيه إسرائيل بالعضوية داخل الجامعة العربية وتحويلها الدولة/المركز بالشرق الأوسط. إسرائيل التي صرح قادتها أن "داعش" لا يمثل أي خطر عليها ولا يهدد أمنها رغم تواجده على الحدود السورية الإسرائيلية. وانطلاقا من مصادر ومراجع غربية وعربية عدة، فإن تنظيم "داعش" يمثل خطرا استراتيجيا على العالم عموما، والعالم الإسلامي والعربي خصوصا. إنه وسيلة تدميرية للمسلمين ولتشويه الإسلام في كل جغرافيات العالم، معتمدا في ذلك على إثارة الفتن الطائفية والدينية والعرقية بالعالم العربي والإسلامي، وهي بيئة مثالية تنشأ فيها التيارات المتطرفة، مثل تنظيم "داعش". وأمام توسع نفوذ تنظيم "داعش"، فإن العالم الإسلامي والعربي مهدد للتقسيم وبالتخريب وفق ما خُطِّط له من طرف القوى الغربية وإسرائيل، وبدعم مالي وإعلامي قوي، ويصعب على الباحث الاستراتيجي أن يحلل إعلان "داعش" للخلافة الإسلامية بمعزل عن المخططات الغربية التي انطلقت منذ القرن 18 والتي تروم تقسيم وتفتيت الدول العربية بتحويلها إلى دويلات صغيرة وممزقة على أساس طائفي ومذهبي، مقابل دولة إسرائيل القوية والمركزية بالشرق الأوسط والخليج العربي وشمال إفريقيا، الأمر الذي يفسر نشر جريدة "نيويورك تايمز" خارطة جديدة للعالم العربي (5 دول عربية ستتحول إلى 14 دويلة)، لذلك نتساءل: هل سيكرر التاريخ نفسه لتفتيت العالم العربي والإسلامي، من جديد، في أفق 2018 التي تتزامن مع مرور مائة سنة على اتفاقية سايكس بيكو، التي قسّمت الدول العربية بحدودها الحالية؟؟؟ وأين هم الملوك والرؤساء العرب من هذا المخطط الجهنمي التفتيتي للعالم العربي والإسلامي والذي ما تنظيم "داعش" إلا أحد أدواته؟ *أستاذ التعليم العالي بكلية اللوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال الرباط [email protected]