سيادةَ رئيسِ الحكومة، إلى أين أنتَ سائرٌ بنا؟ اللُّعبةُ واضحة.. العبَثُ مكشُوف.. ولعلّكَ أنتَ فقط، ومعكَ نُخبتُكَ «السياسية»، لا تُدرِكُون المخاطرَ التي تَجُرُّونَ إليها مُجتمعَنا.. وها هي الاحتجاجاتُ تتعالَى من كُلّ القطاعات، وأنتَ ما زلتَ على نفسِ «الاستراتيجية التْشُومْسْكِية»! لا تُدركُ أنك تُشْعِلُ الشوارع.. وأنّ الوعيَ ينتشرُ أكثرَ فأكثر.. وأنّ التّجاهُلَ لم يعُدْ يُجْدِي.. والمَناعةَ قويّة.. فاعِلة.. فعّالة.. كأنّك لا ترى ولا تسمعُ ولا تقرأُ ما يقولُه الناس.. وما يتبادلُونه من تعاليقَ على سياستِك الاجتماعية.. إنكَ أنتَ ونُخبتُكَ تُنَفّذُون الاستراتيجياتِ العشرة للمفكّرِ الأمريكي «نَعُوم تْشُومْسْكِي»، وقد عَنْوَنَها: «استراتيجياتٌ للتّحكُّمِ في الشعوب».. أنتَ تُنَفّذُها بالحرف.. تُنَفّذُها سواءٌ كُنتَ تعرفُها، أو تَجهلُها.. وفي الحالتيْن هي تعرفُك! تعرفُ أنّ سياستَك الاجتماعية تُركّزُ على ما يدفعُ إلى الخلْف.. فكأنك تُريدُ لبلدِنا أن يَبقَى على سُرْعَتيْن: سُرعة تتمثلُ في المشاريع الكُبرى، وسُرعة في الاتجاه المعاكس.. سُرعتان في اتّجاهيْن مُختلفيْن: المشاريع الكُبرى «إلى الأمام»، والقضايا الاجتماعية «إلى الخلف»! هل أنتَ مع التّطوُّر أم ضدّ التّطوُّر؟ حُكومتُك لا تشتغلُ «إلى الأمام»، من الزاوية الاجتماعية.. أنت تُنَفّذُ حرفيًّا استراتيجياتٍ قد نَبّهَ إلى خُطورتِها المفكّرُ الأمريكي «نَعُوم تْشُومْسْكِي».. ومن هذه الاستراتيجيات: إبقاءُ المُجتمع في حالةِ تنويمٍ وتخديرٍ وتجهيل.. وحكومتُك تنشرُ المزيدَ من الجهل في أوساط فُقراءِ البلد، بدليلِ أنك لا تحُلُّ مشاكلَ التّعليم العُمومي، بل تُقدّمُ للطبقاتِ الفقيرة، التي وصفَها «تْشُومْسْكِي» بالسُّفْلَى، أرْدَءَ تعليم، لفَصْلِها عن الطّبقاتِ «العُليا».. وأنت بذلك تُكرّسُ الطّبقيةَ والفَوارِقَ الاجتماعية في بلدِنا.. وهكذا كانت تفعلُ المعابدُ الموغِلةُ في تاريخ العالم، وبَعْدَها النُخَبُ الكنَسِيّةُ القديمةُ في أوربا وغيرِها.. كانت تحتكرُ المعرفة، وتمنعُها من الوصول إلى عامّةِ الناس.. لماذا؟ لأنها لم تكُنْ تُريدُ الناسَ إلاّ جاهلين.. كانتْ لها مصلحة استغلالية في إقصاءِ العامّةِ من المعرفة.. فعندما لا يعرفُ الناس، يستطيعُ رئيسُ الحكومةِ عندَنا مع نُخبتِه في الأحزاب والنقاباتِ وغيرِها، أن يُبرّرُوا فشَلَهُم في التّدبير، أحيانًا بأكاذيبَ تِلْوَ أخرى.. ومن وتيرةِ تردادِ الأكاذيب، قد ينتهي البعضُ إلى تصديقِها.. وهذا ما تسيرُ بنا إليه حكومةٌ تُناوِرُ في حقوقِ المواطنين.. و«المسرحيات» البرلمانية لا تُقدّمُ حلُولاً مُقْنِعة.. وحتى حواراتُك مع نقاباتٍ بشأنِ التّقاعُد، وهذا نمُوذج، تُثيرُ فقط الملفَّ الوظيفي، وتتجنّبُ القطاعَ الخاص، وكأنّ كُلَّ المغاربةِ مُوظّفُون! ما مصلحتُك في إقصاءِ مُتقاعدي القطاع الخاص؟ الأمرُ واضح، هو أنّ من يُشغّلون فُقراءَ البلد هم أثرياءُ كثيرٌ منهم حصَلُوا على امتيازات.. تعامَلُوا بالرّشوة.. ودَخلُوا في شبكات.. وأنتَ قُلتَ بشأنهم: «عفَا اللهُ عمّا سلَف»! وهؤلاء لهم شركات، وهي نفسُها لا تؤدّى مُستحقّاتِ الضمانِ الاجتماعي.. ولا الضرائب.. ولا.. ولا... وبذلك، أنتَ تخلطُ بين الحُقوق والواجبات.. وهذا لا تتحدثُ فيه مع نقاباتِ الحوار.. فكأنّكُما، أنتَ والنقابات، مُتّفقان على توزيعِ أدوار الحوار الاجتماعي.. اللعبةُ مكشُوفةٌ وخاسِرة! وتُردّدُ أن ليستْ لك ميزانية كافية.. إن بلدَنا ليس فقيرًا.. الفقرُ موجودٌ في سُوء التّدبير.. وفي الفساد.. فلماذا لا تُحارِبُ الفساد؟ إنها الرّداءة! وهذه أيضًا، من استراتيجياتِ المفكّر «تْشُومسْكِي».. استراتيجيات تتحدثُ عن الرّداءة: وسياستُك تُشجّعُ استحسانَ الرّداءة لأنها تؤدّي بفئاتٍ من مُجتمعِنا إلى غَباوة، وبالتالي إلى تَعَصُّبٍ وتَطَرُّفٍ وهَمَجيّة.. وأنت تغُضّْ الطرفَ عن تَبِعاتِ سياسةِ الرّداءة! وإلى هذا تُنفّذُ نُقطةً أخرى من استراتيجياتِ «تْشُومسْكِي»، وهي سياسةُ الإلْهاء.. إلهاءِ الناس بمشاكلَ مُصْطنَعة، ومعلُوماتٍ تافهة، وتفسيراتٍ خاطئة، وبِتَوابلَ من الضحكِ والإضحاك، لكي تُبْعِدَهُم عن مَشاكلهم الحقيقية.. وبتعبير آخر: سياسةٌ حكوميةٌ تدفعُ إلي الانحرافِ عن الطريقِ السّيّار، لكي يتمَّ الانعطافُ بالناس إلي طُرُقٍ فرعية، وبالتالي إبعادُهم عن الهدف.. إبعادُهم عن التّنمية والرّخاء وحقِّ الجميع في حياة كريمة.. وسياسةُ الإلهاء، حسبَ «تْشُومسْكِي»، تجعلُ الناسَ ينشغلُون عن الرّئيسيات، للخوضِ فقط في الثانويات.. والانشغالُ يعني الابتعادَ عن التفكير السويّ، ويعني ألا تَترُكَ لهم المشاكلُ حتى وقتًا للتفكير.. وحكومتُك بالفعل تصنعُ مشاكلَ للناس، بزيادات الأسعار، واستفحالِ الرشوة والزبّونية، والعراقيلِ الإدارية، وإلى هذا استفحال اللصوصية والجرائم، لكي لا يُطالبَ النّاسُ إلا بالأمن، ولو على حساب الحُرّية.. وهذا أيضا من استراتيجياتِ «نَعُوم تْشُومْسْكِي».. والحكومةُ عندما تُقدّمُ حلُولاً، تُقدّمُها بتضخيمِ الصعوباتِ والعراقيلِ والإشكالياتِ والدّيون وغيرِها، لتصلَ بنا إلى صيغةِ التدرُّج من الفاتحِ إلى الغامق، بحيثُ تستحيلُ تسويةُ إشكالياتِ البطالة والهشاشةِ الاجتماعية.. الحكومةُ لا تُقدّم حلُولا.. هي تُعقّدُ الحُلول.. وتدخُلُ بنا في استراتيجيةِ المؤجَّل، أى تأجيل الحلُول إلى المستقبل.. وهكذا تُمارِسُ سياسةَ الهُروب إلى الغد.. فتقولُ إن المستقبلَ سوف يكونُ أحسنَ من الحاضر، وكلّ شيء سيكونُ أفضلَ في وقتٍ لاحِق.. هذه سياسةٌ تمارسُها حُكومتُنا! إنها تتعاملُ معنا وكأنّنا غيرُ ناضجين.. تتعاملُ معنا وكأنّنا أطفالٌ أو مُعوّقُون.. وتُوحِي إلينا أنّ ما تفعلُه معنا هو مُجرّدُ مِنّة.. وتَنتظرُ منّا ردَّ فعلٍ انفعالي غيرَ مَنطقي، بعيدٍ عن أي إحساس نقدي.. «تْشُومْسْكِي» تحدَّثَ عن هذا في استراتيجياتِه.. وعن سياسة إثارةِ العاطفة بدَلَ الفكر، في التعامُلِ مع الناس.. وهذا يعني تعطيلَ التحليلِ المنطقي، وتعميقَ الإحساسِ العاطفي الذي يُؤَدّي إلى غرسِ مَخاوفَ في اللاّوعيِ الجماعي، لتكريسِ أنّ المواطنين مُجرّدُ قاصِرين، وبالتالي لا يُعتَمَدُ على ما يصدُرُ عنهم في شوارعِ الاحتجاجات! وحتى باحتجاجاتٍ مُتحضّرة، يجبُ أن يشعُرَ الفردُ بالذّنب.. وأن يُحِسّ أنهُ هو المسؤولُ عن تَعاسَتِه.. والسّببُ هو نقصٌ في ذكائه وقُدراتِه ومجهُوداتِه.. وهذا يُولّدُ الانغلاقَ لدى الناس.. ويُولّدُ الاكتئابَ الجماعي.. وهذا توضّحُهُ استراتيجياتُ «تْشُومسْكِي».. وفي نفسِ السياق، تُوحي السياسةُ الحكوميةُ أنها تعرفُ الناسَ أكثرَ ممّا يعرفُون أنفُسَهم.. وهُنا تُوسّعُ الشّرخَ بين مَعارفِ النُخب، ومَعارفِ عامّةِ الناس.. ويُؤدّى هذا إلى كونِ الحكومة تملكُ سُلطةً على الأفراد أكثرَ من تلك التي يملكُونها على أنفُسِهم.. هذه بإيجاز هي الاستراتيجياتُ العشرة للمُفكّر الأمريكي، وهي منشورةٌ في الشّبَكة العنْكبُوتية، ويطّلعُ عليها القُرّاءُ والمستمعُون والمشاهدُون بكُلّ اللُّغات.. وهي مُوجَّهةٌ أصلاً للنّظام الأمريكي، وصرْنا نحنُ أيضا من ضحايا حُكومةٍ تُنفّذُ هذه الاستراتيجيات.. ومن المفروض أن تعي حكومتُنا ونُخَبُها السياسية والاقتاصدية أنّ الشارع يغلي بالمشاكل الاجتماعية المتكاثِرة، وأن الناس أصبحُوا أكثرَ وعيًا، وأكثرَ مَناعةً، وأنّه يتوجبُ عدمُ التّحايُل على الوطنِ والمواطنين، وبالتال تجنيب بلادِنا مَخاطرَ اجتماعيةً أصبحتْ في تصاعُد.. الكذبُ لم يعُدْ يُجدِي.. حبلُ الكذبِ قصير.. فكفَى من العبث! [email protected]