منذُ بُروزِه، سعى تنظيم "داعش" إلى إيصالِ رسالةٍ مفادُها أنّه التنظيمُ الأكثرُ وحشيّة، وذلك من خلال مقاطع الفيديو التي يبثّها على موقع "يوتيوب"، والتي جعلتِ العالمَ يقفُ على مدى هوْل طرُق التعذيب التي يُمْكنُ أن يقترفها مُقاتلو التنظيم الذي يحتلُّ مساحات شاسعة من الأراضي العراقيّة والسورية. فمنْ تعمُّد تصويرِ إعدام الرهائن، سواءٌ ذبْحا، أو رَمْيا بالرصاص، انتقلَ تنظيمُ "داعش" إلى ابتكار أساليبَ أخرى أكثر وحشيّة لإعدام الرهائن، مثْلَ إدخالهم في أقفاص حديدية وإعدامهم غرْقا في المياه أوْ بالنار، أو تفجيرهم بالقنابل، وكانَ آخر ما "ابتكره" التنظيم هُوَ إعدامُ رهينةٍ دهْساً تحتَ عجلات دبّابة. الوحشيّة التي تنضحُ بها الأعمالُ الإجرامية للتنظيم الإرهابي رقم 1 في العالم، تطرحُ سؤالا، رُبّما لم يحْظَ بما يكفي من الأجوبة من طرف المُحلّلين، ويتعلّق بمدى السلامة النفسية لمقاتلي هذا التنظيم، ويستمدُّ هذا السؤالُ أهميّته في ظلّ تواتُر تقاريرَ تشيرُ إلى أنّ عددا من الملتحقين به، خاصة من أوروبا، عاشوا حياةً غيْرَ مستقرّة، ومنْهم من كانَ يتعاطى المخدرات ويقوم بأعمال إجرامية. يقول سعيد بنيس، أستاذ السوسيولوجيا بجامعة محمد الخامس بالرباط، وباحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، إنَّ فهْم السلوك الوحشيّ يستدعي، أولا، إعادةَ تعريف بنية الانتماء، موضحا أنّه في حالة تنظيم "داعش"، فإنّ الولاء والانتماء ليس للتنظيم، كما هُو شائع، وإنّا الانتماءُ ل"secte"، أو "الطائفة السرية"، والتي تقوم باستقطاب الأتباع بوسائط سرّية ومُغريّة. وترُومُ الوسائطُ السريّة والمُغرية، التي تلجأ إليها "الطائفة" السرية في استقطاب الأتباع، تمجيد بعض المقولات المتداولة، كالجهاد، إلا أنه مع ولوج الدائرة الضيقة للطائفة، كما في حال جميع الطوائف السرية، يتم تمجيد الانتماء الأبدي للطائفة باعتبارها تمثل أقوى الهويات وأرقاها، فيتم تباعا اعتبار الجماعات الأخرى جماعات دونية وجب إبادتها بوحشية مفرطة، يوضّح بنيس. ويشرح أستاذ السوسيولوجيا أنّ هذا الاعتقاد المفروضَ على المنتسبين لهذه الطوائف يرتكز على توجيه أكبر شحنة وحشية ضد الآخر، لكنَّ هذه الوحشية تستعمل كذلك لضبط السلوكات داخل الطائفة، فأي تهاون أو فتور أو خيانة أو شكٍّ في نوايا الانتماء يُقابَل بالوحشية نفسها كما لو كانَ الفرد الذي صدرتْ عنه ينتمي إلى طرَفٍ عدُوّ. وينتجُ عن تشبّعُ أعضاء هذه الطوائف بوجوبِ إبادة الآخر، وتوجيه أكبر شحنة وحشيّة ضدّه، وكذلك ضدَّ كلّ من صدرَ عنه فتور أوْ خيانة أو شُكّ في نواياه، خلْقُ محيطٍ ضيّق "تمثل فيه الوحشية أسمى القيم الفردية والجماعية"، يشرح بنيس، مضيفا أنّ الأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، بل إنَّ الاختلال النفسي لأعضاء الطائفة ينتقلُ إلى "هستيريا جماعية وابيديميا للوحشية والتقتيل". وفي تحليله لكيفيّة انتقال الإنسان من وضعه الطبيعي كإنسان، إلى مرحلة يتّسمُ فيها ب"الوحشيّة"، قالَ بنيس إنّ ذلك يتمُّ عبر تقمُّص هويات تعويضية يصبح فيها الفرد نموذجا ل"البطل" ول"القائد" و"الأمير" ولعديد من الصفات الوهمية، فتُبْنى الشخصية على الأساطير المتوحشة والقاتلة، مع أنّ الأنا العميقة، يوضّح المتحدث، لا تزال تتذكر ماضيها (طالب- عاطل- تاجر- ...). هذه الوضعية، يفسر الباحث في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، ينتج عنها تَيْه نفسي وارتباك وجودي يتغذَّى على كره الآخر وعلى اكسنوفوبيا (العداء للآخر) مَرضية تتجسد في الوحشية والتنكيل، فينتقل "المجاهد" من شخصية "البطل" إلى شخصية "القاتل بالتسلسل" (serial killer (، مع ما تحيل عليه مثل هذه الشخصية من عُقد سلوكية ونفسية متحولة وغير قارة تفاجئ المحيطين بها بالوحشية و"الحيوانية"، وكذلك بعبقرية ومراوغة وامتهان دُون نظير للتقتيل والإبادة.