إنَّ فهْم السلوك الوحشيّ والإرهابي في جريمة كريستشورش بنيوزيلاندا والتي راح ضحيتها أربعون مسلما يوم الجمعة 15 مارس يستدعي أولا إعادةَ تعريف بنية الانتماء على أنها ليست انتماء لتنظيم ما، بل ولاء لطائفة (Sect ) وهي « وايت سوبريماسي » ( (White Supremacy والتي تقوم باستقطاب الأتباع بوسائط سرّية ومُغريّة. وترُومُ الوسائطُ السريّة والمُغرية، التي تلجأ إليها « الطائفة » في استقطاب الأتباع، تمجيد بعض المقولات العنصرية المتداولة ومنها بالأساس تفوق وسمو وسيطرة ورقي البيض ( (Whites عن باقي المجموعات والأعراق والأجناس. إلا أنه مع ولوج الدائرة الضيقة للطائفة، كما في حال جميع الطوائف السرية، يتم تقديس الانتماء الأبدي للطائفة باعتبارها تمثل أقوى الأجناس و الهويات وأرقاها، فيتم تباعا اعتبار الجماعات الأخرى جماعات دونية وجب السيطرة عليها أو تعبيدها أو إبادتها بوحشية مفرطة. كما أنّ هذا الاعتقاد المفروضَ على المنتسبين لهذه الطوائف يرتكز على توجيه أكبر شحنة وحشية ضد الآخر، لكنَّ هذه الوحشية تستعمل كذلك لضبط السلوكات داخل الطائفة، فأي تهاون أو فتور أو خيانة أو شكٍّ في نوايا الانتماء يُقابَل بالوحشية نفسها كما لو كانَ الفرد الذي صدرتْ عنه ينتمي إلى جنس عدُوّ. وينتجُ عن تشبّعُ أعضاء هذه الطوائف بوجوبِ إبادة الآخر، وتوجيه أكبر شحنة وحشيّة ضدّه، وكذلك ضدَّ كلّ من صدرَ عنه فتور أوْ خيانة أو شُكّ في نواياه، فيتم خلْقُ محيطٍ ضيّق تمثل فيه الوحشية أسمى القيم الفردية والجماعية ». فالأمر لا يتوقف عند هذا الحدّ، بل إنَّ الاختلال النفسي لأعضاء الطائفة ينتقلُ إلى هستيريا جماعية وابيديميا للوحشية والتقتيل . لهذا فكيفيّة انتقال الإنسان من وضعه الطبيعي كإنسان، إلى مرحلة يتّسمُ فيها ب « الوحشيّة « ، يتمُّ عبر تقمُّص هويات تعويضية يصبح فيها الفرد نموذجا ل »البطل » ول »القائد » و » الأيقونة » ولعديد من الصفات الوهمية، فتُبْنى الشخصية على الأساطير المتوحشة والقاتلة، مع أنّ الأنا العميقة لا تزال تتذكر ماضيها (طالب- عاطل- تاجر- عامل – سائق – …). هذه الوضعية ينتج عنها تَيْه نفسي وارتباك وجودي يتغذَّى على كره الآخر وعلى اكسنوفوبيا (العداء للآخر) مَرضية تتجسد في الوحشية والتنكيل بل و »السعادة النفسية » على اعتبار أن قاتل كريستتشورش قام بتصوير حي لعمليته الإرهابية. فينتقل « البطل » من شخصية « الإرهابي» إلى شخصية « القاتل بالتسلسل (serial killer ) ، مع ما تحيل عليه مثل هذه الشخصية من عُقد سلوكية ونفسية متحولة وغير قارة تفاجئ المحيطين بها بالوحشية و التنكيل بالضحايا، وكذلك بعبقرية ومراوغة وامتهان دُون نظير للتقتيل والإبادة.