نحن أمام سؤال إشكالي يكاد يضاهي كل "أسئلة الوجود".. السؤال يتيه ويلتبس بين أدغال الجهل والمعرفة، وضوضاء "الغباء الطائفي" القاتل.. ومدفعية "البلاهة المقدسة" تدمر أخر قاعدة لما يسمى ب"جماليات الوجود الإنساني"!.. هل ما زالت لدينا نحن "حثالة الحضارة المعاصرة"، ما نقدمه لمواجهة أشكال الزيف، الذي يطبع يومياتنا من المهد إلى اللحد؟!.. أم أن جينات الانهيار القيمي قد استوطنت أطرنا الاجتماعية، وصارت تسكن في رموزنا الدينية واللغوية، وتتخفى في منطقة اللاشعور المظلمة؟! دع عنك موقف الدول في قمة العشرين، فهو موقف تمليه إرادة الكبار، فهم لا يرسون على قرار، فهم في لحظة يدعمون الإرهاب، وفي لحظة أخرى يدعمون الديكتاتورية، ليعطلوا إرادة الشعوب، وفي نهاية المطاف يتخذون من الإرهاب والديكتاتورية ذريعة لترسيخ هيمنتهم وسيطرتهم.. ودع عنك موقف الطوائف والفرق والملل والنحل، فقد ابتلعت "قاموس المفاهيم الجاهزة والمعلبة" في مساجدها وحسينياتها!.. وحكم عقلك الحر، وضميرك المستنير، واستفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتون، وافتح دائرة السؤال القلق على مصارعها.. فمنتوج "داعش" هل هو وطني داخلي ذاتي بامتياز؟! أم منتوج مستورد بالتبعية؟! أم هوعصارة ثرات منحط التبس بحداثة معاقة، فأعطى في المحصلة مخلوقا هلاميا مخيفا؟! و"بشار" هل هو خيار للمقاومة، أم هو جريمة قتل جماعي غير مسبوقة في التاريخ المعاصر؟! أهو قلعة ممانعة موصدة، كما يسميه الأتباع والمريدون والأشياع؟! أم مسلخ للجنس البشري، وشبح رهيب يطارد ما يسمى بالحق في الحياة والكرامة الإنسانية؟! لا زالت تستهوينا فلسفة السؤال القلق.. فالسؤال نصف العلم، والمسألة علة الجواب.. كما تقول المعتزلة، لكن السوفسطائية الطائفية تشطر الأطر المرجعية والتاريخ والتراث إلى مسخ مجزأة، فتجعل الحقيقة معلقة بين طرفين لا توسط بينهما، وتطرد السؤال من النفق المظلم الذي تعيش فيه، وتلعن التساؤل وهي تمارس بسادية مفرطة شعائرها اليومية، التي تؤسس للوجود الزائف، حين تدفع "فوبيا الأخر" الإنسان الخائف إلى الاحتماء بطائفته، والاغتراب عن ذاته الحقيقية، المنتمية إلى هذه الإنسانية الفسيحة، والعالم المتنوع.. إن فلسفة السؤال التي تسكننا حد الهوس، تضيع في زحمة الثرثرة الطائفية والعشائرية والقومجية، التي تتغذى على "البيان" الذي يعتمد على التقعر في الكلام، و"العرفان" الذي يدخلنا في عالم الغموض والالتباس، ويجعلنا لا ندري "أين نحن"؟! وتجافي "البرهان" الذي يتيح لنا إعادة تفكيك الأشياء، وينقدنا من الغرق في بحر الظلمات وضياع الذات.. إن "السؤال الفلسفي القلق" يتيح لنا إمكانية الحفر في طبقات الوعي الزائفة، التي تستوطن عقولنا وقلوبنا، ويجعلنا نكتشف في زحمة دعاماته ، كم نحن متشابهون في طائفتنا حد التطابق، خاضعون لقانون إعادة إنتاج الماهية، وقطع الصلة بنهر الحياة المتجددة ، ومختلفون عن هم خارج دائرتها الضيقة حد القطيعة والتناحر، خاضعون لمبدإ النفي والإقصاء.. وبعد هذا البحث في أغوار السؤال الفلسفي القلق، أعود إلى جوهر الموضوع، لأجيب عن السؤال أعلاه؛ أيها أخطر " داعش" أم " بشار"؟!.. وقبل أن أجيب، وذرأ لكل النواي السيئة، التي تنتظر أي سقطة فكرية، أو توان في بيان الحقيقة، لتعلن إدانتها المسبقة والمضمرة.. أقدم هذا الموقف الأولي، لأنه علة كل العلل، كما يقول المناطقة، وإذا سقط سقطت معه كل المعارف والبديهيات؛ إن أخطر من "داعش و"بشار" هو "صانيعهما".. من يمتلك المال والإعلام والعتاد والسلاح والمخابرات.. من يختلق النزاعات ويعقدها، ويدخلها في بحار الدماء والدموع، ثم يستثمرها لحسابه ولصالحه.. من يريد عبر مخططاته الظاهرة والمستتيرة، أن يدخل عالمنا العربي والإسلامي في ما يسميه ب"مشروع الفوضى الخلاقة" لأجل إعادة ترسيم الخرائط والكيانات، وتقسيم المقسم وتجزيء المجزإ.. ثم إن "داعش" هي بديل الأزمة الخانقة، بعد حلقات المؤامرة على "ربيع الأمة الديمقراطي"، مرتبط وجودها بالتخلف والجهل والظلم والعسف والفقر والإذلال، الذي تعرضت له شعوبنا العربية والإسلامية، ثم إن الإرهابي الداعشي ينطلق من أنقاض ركام من الخراب، ليجري محاكمة عقلية متزمتة ومغلقة، فيقرر أن يقتل ويموت في الآن نفسه!.. لكن "بشار" كظاهرة لكل الديكتاتوريات المتسخة، ينطلق من سيكولوجية طاغية وحش، يحكم على الأخرين بالموت والإبادة الجماعية والفردية، ليقف هو فوق أنقاضها وركامها، إنه لا يمتلك شخصية مرضية مختلة، كما هو شأن الإرهابي الداعشي، ولكنه يمتلك شخصية سادية منحطة وسفلة.. إن التسلسل المنطقي للعلل، هو أن الاحتلال والاستعمار هو العلة الأولى صانعة أزماتنا بامتياز، لذلك يتيه من يتضامن معها في غمرة آلامها ومحنها!.. وأن الديكتاتورية هي العلة الثانية التي تقتل مناعتنا ببشاعة، وتشيع الخوف والجهل والتطرف، فمن داخلي زنازينها الوحشية، واستبدادها وفسادها وتبعيتها المؤسساتية خرجت أخطر الحركات الارهابية.. فثالوث الخطر مشكل من الاحتلال والديكتاتورية والارهاب.. فهؤلاء هم أعداؤنا.. والمطلوب الآن والهنا الكف عن تبرير جرائم الاحتلال والاستعمار باسم الأنوار والحداثة، والكف عن تبرير قمع ووحشية الديكتاتوريات الوطنية باسم الممانعة، أو تبرير دمار وخراب الإرهاب والتطرف باسم الدين.. فنهب خيرات الشعوب وارتهانها بالقهر في أحضان التبعية لا يبرر، وقمح حريات الشعوب واغتيال إرادتها الحرة لا يبرر، وقتل الأبرياء ودمار الأوطان لا يبرر.. هذه هي خلاصة "فلسفة السؤال القلق"، وذلك هو "قاموس البلاهة" الذي يهدد "جماليات وجودنا الإنساني". الجديدة في 18/11/2015