أكتب وأنا أشاهد الأخبار وأنت تقرأ الأخبار، وحيثما وليت سمعك وبصرك فثمة أخبار لا تسر حبيبا ولا حبيبة. قالت المذيعة الحسناء، كثيرة الأخطاء، إن الأمطار ستسقط قريبا على شاشتكم، فسقطت شاشتي وتكسرت ولم تسقط الأمطار. ولأنني مؤمن بنظرية حفر البئر قبل الشعور بالعطش، اشتريت مظلة رائعة استعدادا للتساقطات المطرية الغزيرة. واستعدادا للفيضانات، صنعت سفنا خشبية صغيرة لي ولأفراد أسرتي كي نتنقّل على متنها إلى مدارسنا وأعمالنا. وكذب المذيعون ولو صدقوا، فلم تَجُدِ السماء بقطرات الغيث، فاللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك. فهل أحرق مظلتي وسفني أم أنتظر سقوط الأمطار؟ وقريبا على شاشتكم أفلام رعب تقطع الأنفاس، أفلام تُقرع فيها الأجراس لبث الرعب في قلوب الناس. فلمن تُدق طبول الحرب ولمن تُقرع الأجراس؟ صدّقني لا أفهم شيئا في السياسة وألاعيبها فلا تنتظر مني الخوض في أي حديث عن الإرهاب والكباب. الكباب؟ يمكنني الخوض فيه والعض عليه بالنواجذ. ولست محللا سياسيا لأكتب عن استراتيجيات مكافحة الإرهاب، لكنني مؤهل للحديث عن استراتيجيات مكافحة الملل أو كيف تكون باردا أكثر من الثلج أمام الحرائق التي تشب في تلابيب العالم. تحلَّ بأكبر قدر من اللامبالاة وأنت تشاهد الجثث المتناثرة والدماء السائلة على شاشتك.. تعامل مع الأحداث كما لو كانت أحداث فيلم تلفزي مغربي . شاهد فيلما كلاسيكيا تافها بالأبيض والأسود.. وفرجة ممتعة. قم باصطياد بضع ذبابات وألْقِ بها في شبكة عنكبوت جائع.. وفرجة ممتعة.. ترنّم بنغمات أغاني الأطفال: « ألا طيري ألا طيري وغنِّي يا عصافيري.. وفي البستان زهر جميل».. وإذا كانت مشكلتك هي كيف تهزم الملل، فمشكلتي هي كيف أهزم هذا البياض وأملأ هذه المساحة بكلمات ليست كالكلمات. يجب أن أبدو كاتبا مهما مُلما بأحداث العالم وما يعانيه من التهابات في المخ. لا يصح أن يتناول الكُتّاب المهمون مستجدات الأحداث بالتحليل والتفسير، وأن أتناول أنا شرائح البطاطا المقلية وأخلد إلى النوم والشخير. فلا بد من وضع إستراتيجية وطنية متكاملة للنهوض من النوم. إستراتيجية تساهم في وضعها جميع الجهات المعنية بالموضوع من وزارات ومؤسسات وشركاء ومجتمع مدني. لذلك ينبغي على الحكومة صياغة قانون للاستيقاظ وإلزام كل المواطنين بتفعيل بنوده حتى يصبحوا على خير كأي مواطنين يقظين واعين بما يجري ويدور. الأمم التي حققت نهضة حضارية هي أمم نهضت من نومها باكرا وغسلت وجهها بالماء البارد ونظفت عيونها من العمش وتوجهت إلى عملها بنشاط وحيوية فأنتجت وأثمرت وزرعت وحصدت وغنت ورقصت. و يلزمنا وضع إستراتيجية وطنية متكاملة للابتسام من خلال فرض قانون الابتسام. المذيعة الحسناء، كثيرة الأخطاء، تقرأ الأخبار قريبا على شاشتكم: « صادق مجلس الحكومة على قانون الابتسام. لذلك يتعين على كل الموظفين والموظفات في مختلف إدارات المملكة، الابتسام في وجوه المواطنين الذين يحجون إلى الإدارة لقضاء أغراضهم الإدارية. إن أي موظف يتم ضبطه في حالة تجهم أمام المواطنين، سيعاقب طبقا للقوانين الجاري بها العمل، كما يتوجّب على كل مواطن رأى موظفا متجهما أن يخبر السلطات المعنية» الاستيقاظ والابتسام رهانَين وطنيين ينبغي أن نتعبأ جميعا لتحقيقهما.. فلا خير في أمة نائمة ولا خير في أمة متجهمة. لاحِظ أنني أتحدث بجدية. يأتي الفساد ليُطيح بمستقبلنا ولا نشعر لأننا نائمون أومنوّمون، ويأتي الفساد ليغتال أحلامنا الجميلة ولا نقاوم لأننا نائمون أو مخدَّرون.. فهلاّ أفَقنا من سباتنا وصفعنا وجوهنا بماء بارد عسانا نصلح ما أفسده الفساد. رائع.. يبدو أنني أوشك على إنهاء مقالي. وأرجو أن لا تلومني إذا افتقدتَ المنطق في كلامي.. فأنا لا أومن بالروابط المنطقية التي يتطلبها العقل لسببين: لأنني كاتب مفكك الأوصال، أكره وحدة الموضوع. ولأنني واحد من المبشرين بالجنون.. وقريبا على شاشتكم تشاهدون ممثلين نائمين.. وتسمعون شخيرهم يتعالى في أرجاء القبة.. فرجة ممتعة. www.facebook.com/fettah.bendaou