من علامات الساعة السعيدة التي لا تُباع بأموال أنني تمكنت أخيرا من شراء قطعة أرض. وتطبيقا لنصائح يومية الفلاح، واستعدادا لموسم الحرث بالنية والزواج بالنية، اشتريت البذور كي أزرعها في أرضي وكلي أمل في أن أجني مواطنين صالحين في موسم الحصاد القادم. أما بالنسبة للزواج، فأنا لن أتزوج لأنني أخشى السقوط في غيابات الحب.. فكل الحروب التي خضتها على جبهة الحب خرجت منها خاسرا وفي قلبي جرح قديم لا أستطيع نسيانه. أأعجبك هذا الكلام؟ وهل تريد قطعة سكر لتحْلية كأسك ياوطن؟ هذه أرضي أزرع فيها بذور مواطنين صالحين وأجني منها مواطنين صالحين، وأوزّعهم بالتساوي على المدن والقرى والأرياف فيك ياوطن، وأصنع منهم عجينا أسد به الثقوب التي أحدثتها القوارض في جدرانك ياوطن. هل تريد الحق أم ابن عمه؟ الحق أنني أنظر إلى الواقع بعينين مفتوحتين على مصراعيهما ولا أرى إلا موظفين أشباحا وسياسيين أشباحا وبرلمانيين أشباحا ومثقفين أ أشباحا ومسؤولين أشباحا حتى صرت أتحسس أطرافي ثلاث مرات في اليوم مخافة أن أصبح مواطنا شبحا. هل تريد الحق أم ابن عمه؟ ابن عمه أكله البق وأنا وابن عمي سيأتي دورنا وسيبدأ البق في أكلنا قريبا على شاشتكم. أنا متشبث بالحق وابن عمه وابن عمي، ولن أتنازل عن حقي في زراعة مواطنين صالحين في أرضي كي أُباهيَ بهم الأممالمتحدة علينا. إذا كانت لديك أية أسئلة أسرِع بطرحها قبل أن يأكلني البق تماما. فقد أكل الكثير مني ولم يتبق مني إلا القليل. سؤالك: لماذا زراعة مواطنين صالحين؟ جوابي: من أجل جنْي مواطنين صالحين، من أجل تكوين شعب صالح، من أجل انتخاب حكومة صالحة. سؤالك: هل حصلتم على ترخيص من السلطات المعنية قصد الشروع في الحرث والزراعة؟ جوابي: للأسف، تم إيفاد لجنة من الخبراء الأشباح للتحقق من مدى صلاحية أرضي لهذا النوع من الزراعة وتمت صياغة تقرير مفاده أن التربة مالحة لا تصلح إلا لزراعة الأشواك والأشباح، وأنّ أرضي تدور حول نفسها. لكن ما ضاع حق وراءه مطالب مشروعة. فأنا لا أطالب إلا بالحق وليس بابن عمه، لذلك ذهبت إلى مكتب السيد المسؤول لأسأله لكنه سألني هو : لماذا لا تزرع في أرضك ما ينفع الناس ويملأ البطون من رمان وتين وزيتون؟ أنا: أريد زراعة مواطنين صالحين لسد الخصاص المسجل في ربوع البلاد.هو: لدينا اكتفاء ذاتيا من المواطنين الصالحين وأستطيع أن أوافيك بسجلات آلاف المواطنين المسجلين باسم «صالح».. ورجعت خائبا خائفا. أكلنا البق عندما فشلنا في زراعة مواطنين صالحين؛ أطباء شرفاء يطُبّون أسقام المرضى في مستشفياتنا.. أساتذة أجلاء يدرّسون فنون الحياة الجميلة لأجيالنا.. قضاة عادلون يحكمون بالعدل في ردهات محاكمنا.. تلاميذ مجدون يقبلون على التعلم بشغف في مدارسنا.. سياسيون بارعون يبدعون الحلول لمشكلاتنا.. صحافيون نزيهون يعرون ولا يغطون عيوبنا. فنانون وكُتاب مبدعون يُثْرون وجداننا. أكلتنا أيها البق لأنك ماض في قطع رؤوس الأموال العامة على مرأى ومسمع من الخاصة والعامة. لأنك تجرب في تلاميذنا وصفاتك المستوردة حتى حولتهم إلى فئران تجارب لا تنجح. لأنك حوّلت أحزابنا إلى ماكينات لتفريخ الرخويات السياسية التي تمضي حياتها السياسية بدون عمود فقري. لأنك أسكنتنا داخل علب سردين حتى أن القطط تتشمم أطفالنا اعتقادا منها أنها أسماك طازجة. لأنك جعلت من طرقاتنا ساحات للوغى تُراق فيها دماؤنا لأنك قبضت ثمن دمائنا. لأنك فوّضت أمر مائنا وكهربائنا وأزبالنا إلى من لا تأخذه رحمة بجيوبنا. هل انتهيت من القراءة؟ أأعجبك هذا الكلام؟ سأطفئ الضوء. سأتناول عشائي على ضوء الشموع. البق يهاجمني. سأنام. سأطفئ شمعتي وأداري دمعتي. البق يهاجمني. البق يمتص دمي. لن أزرع شيئا في هذه الأرض. هذه الأرض التي تدور وتدور ورأسي يدور ويدور.. أوقفوا الأرض رجاءً.. أريد أن أنزل. www.facebook.com/fettah.bendaou