سجلت جنوب إفريقيا، التي تعاني من انهيار أسعار المواد الأولية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني وموجة الجفاف الأسوأ التي تعيشها منذ الثمانينيات، ارتفاعا طفيفا بنسبة 0,7 بالمائة من ناتجها الداخلي الخام خلال الفصل الثالث من السنة الجارية، وهو النمو الذي يبقي على شبح ركود هذا الاقتصاد الأكثر تصنيعا في القارة. هذا الارتفاع، الذي تلقاه المحللون الماليون لبورصة جوهانسبورغ دون ابتهاج، يأتي عقب تراجع بناقص 1,3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام خلال الفصل الثاني من السنة. وتظهر الأرقام التي نشرها قطاع الإحصائيات الحكومي، أن جنوب إفريقيا تدين بهذا التحسن الطفيف للتوسع القوي للقطاع الصناعي في الوقت الذي ظلت فيه قطاعات أخرى أساسية مثل الفلاحة والمعادن في خانة الركود. وأشارت إليز كروغر، المحللة بمكتب "كي إي دي دي كابيتال"، إلى أن البلاد تفادت ركودا تقنيا، إذ أن النتائج لا تدعو للابتهاج، معتبرة أن الوضعية تظل قاتمة. وكان البنك المركزي الجنوب إفريقي توقع معدل نمو يقدر بنسبة 1,5 بالمائة بالنسبة لسنة 2015، غير أن المحليين يتوقعون أن تظهر المشاكل الحقيقية سنة 2016، وتهدد بإغراق البلاد في دورة ركود ثانية بعد تلك التي شهدتها في سنة 2009. واعتبر مايك شوسلر الاقتصادي الجنوب إفريقي ومدير الموقع الاقتصادي "إيكنوميستس. كو. زي إي" أن الجفاف وانخفاض أسعار المواد الأولية والأزمة التي طالت قطاع السياحة ستعجل بسقوط البلاد في الركود. ولم تنجح جنوب إفريقيا في استعادة وتيرة النمو التي شهدتها قبل ركود 2009، لتشهد توالي مستويات نمو مخيبة للآمال منذ سنة 2010. وكان البلد شارف على الدخول في ركود خلال سنة 2014، مع نسبة نمو بلغت 1,5 بالمائة فقط، في مقابل 2,2 بالمائة سنة قبل ذلك. وفضلا عن الجفاف وأزمة الكهرباء وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، ينتقد الاقتصادي شوسلر إقدام الحكومة على تشديد شروط الحصول على تأشيرة الدخول للبلد، مما أثر سلبا على أحد القطاعات الحيوية، وهي السياحة. وقال إن البلد كان قادرا على تسجيل عدد هام من السياح الأجانب الوافدين مع انخفاض سعر العملة المحلية، الراند، الذي فقد 18 بالمائة من قيمته هذه السنة مقابل الدولار الأمريكي، متوقعا أن يستمر ضعف الناتج الداخلي الخام إذ أن المناخ العام يوحي بأن الوضع سيتدهور بشكل أكبر خلال سنة 2016. وسجل المحللون أن هذا الانهيار سيرخي بظلاله على مناخ اجتماعي متوتر أصلا، على خلفية الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الأساسية، وتفاقم البطالة وتكثف الإضرابات خاصة في قطاع المعادن. وأضاف شوسلر أن العديد من الأشخاص سيواجهون مزيدا من الشكوك خاصة بشأن وظائفهم. وحسب الأرقام الرسمية، فإن البطالة تطال 25,5 بالمائة من الساكنة النشيطة بالبلد، ويرتفع هذا المعدل، حسب مصادر أخرى، إلى أزيد من 40 بالمائة في صفوف الشباب في المناطق المهمشة. ويتم الاعتراف بالأزمة في الأوساط الحكومية، إذ تصطدم الجهود المبذولة للنهوض باقتصاد مدمج في جنوب إفريقيا بتحديات داخلية وخارجية، حسب نائب الرئيس سيريل رامافوسا. وأوضح المرشح الأبرز لخلافة الرئيس جيكوب زوما أن هذه التحديات تتفاقم بسبب عجز الكفاءات والضغوطات المتزايدة على الماليات العمومية. وفي محاولة لتغيير الوضع، أوصى المسؤول بتعزيز الاستثمارات في البنيات التحتية وتسوية أزمة الكهرباء التي كان لها تأثير سلبي كبير على ثقة المستثمرين. وكان على جنوب إفريقيا مواجهة أزمة كبيرة للكهرباء خلال السنوات الأخيرة. هذه الأزمة المرتبطة أساسا بالمحطات الكهربائية المتقادمة، تجسدت من خلال انقطاع الكهرباء لمدة 200 يوم منذ بداية سنة 2015. ومؤخرا، أعلن الموزع الوطني "إيسكوم" أن البلد لن يعرف مثل هذه الانقطاعات إلى غاية أبريل المقبل. ومن جهتهم، يرجع المحللون السياسيون، من قبيل موليتسي مبيكي، تدهور الاقتصاد الجنوب إفريقي إلى غياب الريادة السياسية في البلد. ضعف النمو الاقتصادي يعد نتيجة للفشل الكلي في بلورة حكامة جيدة، حسب المحلل السياسي، وهو شقيق الرئيس السابق تابو مبيكي، معتبرا أن جنوب إفريقيا مهددة باضطرابات اجتماعية هامة، بالنظر لتفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي. * و.م.ع