ثلاثة أشهر تفصل جنوب إفريقيا عن انتخاباتها العامة، والتوتر الاجتماعي في البلاد لم يتوقف عن الاحتدام وسط تباطؤ اقتصادي يتواصل منذ سنوات. ومع ركود شبه كامل في مؤشرات النمو الاقتصادي، لم يعد اقتصاد جنوب إفريقيا يخلق فرصا للعمل لملايين الشباب. والأسوأ من ذلك، أن القطاع الخاص أعلن عن عمليات واسعة لتسريح العمال، بسبب عدم القدرة على دفع أجور العمال التي أصبحت مكلفة جدا في بيئة قاتمة. ومن شأن عمليات التسريح هذه أن تشمل المؤسسات العمومية، بسبب أزمة سيولة حادة تعزى لسوء التدبير والفساد اللذين تفاقما على مدى تسع سنوات من حكم الرئيس السابق جاكوب زوما (2009 -2018). ودعت أكبر مركزية نقابية (كوساتو) في البلاد، أمس الأربعاء، إلى إضراب وطني في 13 فبراير احتجاجا على موجات تسريح العمال. وقال المتحدث باسم (كوساتو) سيزوي باملا " نحن أمام طريق مسدود مع الحكومة والقطاع الخاص بخصوص موضوع تسريح العمال" موضحا أنه "لم يكن أمامنا خيار سوى الدعوة إلى هذا الإضراب". وأفاد المسؤول عن المركزية التي تضم أكثر من1,5 مليون عضو، أن عمليات التسريح، التي أقدمت عليها الشركات العمومية، على غرار الشركة الوطنية للكهرباء ( إيسكوم)، وقناة التلفزيون العامة (إس أ بي سي ) إلى جانب شركات أخرى، تبرر خوض الإضراب. وأعلنت (إيسكوم) عن مخطط لحذف 7000 وظيفة على مدى السنوات الخمس المقبلة، في حين تعتزم القناة التلفزية حذف 1000 وظيفة. كما تأثر قطاع التعدين بهذه الأزمة، حيث تعتزم شركة "إمبالا بلاتينيوم"، إحدى الشركات العملاقة في هذا القطاع، تقليص قوتها العاملة بمقدار الثلث، بينما تعتزم شركة التعدين الرئيسية الأخرى، "سيباني-ستيلووتر"، تسريح 12600 موظف خلال السنوات الثلاث القادمة. وعلى صعيد آخر، ذهبت النقابة الوطنية لعمال التعدين إلى مزيد من التصعيد بالدعوة إلى الإضراب خلال الأسبوع الذي سيشهد إجراء الانتخابات العامة المقررة في ماي المقبل. كما تعتزم النقابة تنظيم مسيرة يوم الانتخابات عند "لوتولي هاوس" ، المقر الرئيسي لحزب المؤتمر الوطني الافريقي في قلب جوهانسبرغ. وتشكل الدعوات إلى الإضراب تهديدا جديا للرئيس سيريل رامافوزا، رئيس حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (في السلطة منذ عام 1994)، الذي يسعى إلى الحصول على تفويض سياسي واضح لتنفيذ برنامجه للإصلاح الاقتصادي بمناسبة الانتخابات العامة. وتشمل هذه الخطة خفض الأجور في القطاع العام في إطار جهود إصلاح المقاولات العمومية. وعندما تولى زعامة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في دجنبر 2017 ، ثم رئاسة البلاد في فبراير 2018 خلفا لزوما ، قام رامافوزا بعدة محاولات لتنشيط الاقتصاد. لكن يبدو أن جهوده لا تعطي النتائج التي أراد تحقيقها قبل انتخابات ماي. ولم يحقق الناتج المحلي الإجمالي للبلد نموا إلا في حدود حوالي 0,8 في المائة عام 2018 ، وهو نمو شبه منعدم، في حين تراهن توقعات عام 2019 على تحقيق نسبة 1,4 في المائة. وهي معدلات غير كافية للحد من البطالة الذي تطال حوالي 28 في المائة من الساكنة النشيطة، وفقا للأرقام الرسمية. فيما تقدر مصادر مستقلة أن هذا المعدل يرتفع إلى حوالي 60 بالمائة في صفوف الشباب بالمناطق المهمشة التي يقطنها غالبية السود. وكان المؤتمر الوطني الإفريقي الذي احتفل هذا العام بمرور قرن على تأسيسه، وعد في عام 2012 برفع نسبة النمو الاقتصادي إلى أكثر من 5 في المائة سنويا للحد من البطالة. لكن الوفاء بهذا الوعد حال دونه عدد من العقبات، بما في ذلك فشل مخططات التنمية المطروحة على الطاولة في السنوات الأخيرة، لا سيما المخطط الوطني للتنمية. إن الفساد الذي ترسخ في البلاد خلال سنوات حكم الرئيس السابق زوما، والتي يطلق عليها اليوم "سنوات الضياع" ، أضر بشكل كبير بصورة البلاد، وأرسى مناخا ضبابيا مشوبا بعدم اليقين، ازدادت معه مخاوف المستثمرين الذين أداروا ظهرهم لأمة قوس قزح. وقال رامافوزا في اجتماع مغلق عقد يوم الثلاثاء ،في ميدراند (بالقرب من جوهانسبرغ) حول الوضع الاقتصادي في البلاد ، إن جنوب إفريقيا قادرة على تحقيق نمو اقتصادي لا يقل عن 5 في المائة شريطة التغلب على العقبات التي تعترض النمو، بما في ذلك عوامل الشك وعدم اليقين السياسي ، داعيا القطاع الخاص للانضمام إلى جهود حكومته. ويرى المحللون، أن نبرة رامافوزا المطمئنة غير كافية لانجلاء الأزمة، التي يرجح أن تدفع البلاد نحو انهيار اجتماعي عواقبه غير محسوبة. وفي ظل غياب أي مؤشرات لإنعاش الاقتصادي، يرى المحللون أن التوتر مرشح للتفاقم في الأسابيع التي تسبق انتخابات ماي، متوقعين أن تكون التكلفة السياسية عالية بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي قد تتقلص أغلبيته بشكل أكبر داخل البرلمان المنتهية ولايته.