أثار التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، المعنون بوضعية المساواة وحقوق الإنسان بالمغرب، صوت وإعمال غايات وأهداف الدستور، جملة من الإشكالات والتساؤلات التي تحتاج إلى تقرير مفصل للإجابة عن كل سؤال على حِدى. التقرير موضوع المناقشة، يعتبر من التقارير الغنية في السنوات الأخيرة، حيث سيساهم في تغدية النقاش العمومي في المغرب وخارجه، وسيشكل مرجعا مهما للمؤسسات والمراكز المهتمة بقضايا المرأة في أفق استهداء المشرع ببعض الجوانب التي عالجها التقرير. يتوزع التقرير على ثلاثة أجزاء، وهي كالتالي: الممارسة الاتفاقية والمفارقة القانونية، المساواة والمناصفة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، السياسات العمومية وآثارها على النساء الأكثر عرضة لانتهاك حقوقهن. وبناء على الخطاطة المومأ إليها أعلاه، يمكن الإشارة إلى الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى: تتعلق بالفترة الزمنية التي شملها التقرير، حيث ينطلق التقرير من ثلاث أرضيات زمنية: الأولى، عشر سنوات من إصلاح مدونة الأسرة، والثانية، أربع سنوات على دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، والثالثة، عشرون سنة على تبني المجتمع الدولي لإعلان بيجين. ولعل ما يلاحظ في هذا السياق، غياب الإشارة إلى تقرير الخمسينية، بالإضافة إلى ذلك، لوحظ أن هناك شرخا كبيرا وصل إلى حد التناقض فيما يخص المرجعية الزمنية التي شملتها دراسة التقرير، حيث هناك تباعد كبير بين سياق أربع سنوات على دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، وبين عشر سنوات على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ، وعشرون سنة على تبني المجتمع الدولي لإعلان بيجين، وكان من الأجدر أن يركز التقرير على فترة زمنية محددة حتى تكون توصياته مضبوطة وسليمة من الناحية المنهجية. الملاحظة الثانية: جاء في الفقرة الأولى من مقدمة التقرير ما يلي: "بتكريس دستور فاتح يوليوز 2011 للحقوق والحريات باعتبارها ثوابت وطنية راسخة للمغرب (الفصل 175)". تثير الجملة الأولى من الفقرة المشار إليها أعلاه، ملاحظة شكلية من الناحية القانونية، حيث ورد في الفقرة الأولى، سواء في مقدمة التقرير بصيغته الأصلية باللغة الفرنسية أو باللغة العربية، عبارة دستور فاتح يوليوز 2011، فهذه الأخيرة تعني أن التقرير يتحدث عن مشروع الدستور؛ لكون الإحالة على فاتح يوليوز 2011 تعني: أن التقرير يتحدث على تاريخ التصويت على مشروع الدستور، وهذا الأخير يعتبر مرحلة من مراحل المسطرة التأسيسية (التشريعية) لصياغة الدستور، لذلك فرفعا للالتباس وتقيدا بالحِرفية القانونية، الصواب أن يقال دستور 29 يوليوز 2011 استنادا على ظهير إصدار الوثيقة الدستورية لسنة 2011، وليس بناء على تاريخ التصويت على مشروع الدستور، كما أن المشرع في الجريدة الرسمية، الصادرة بتاريخ 30 يوليوز 2011، يحيل على ظهير 29 يوليوز 2011.1 الملاحظة الثالثة: وتتعلق أيضا ببعض الشكليات القانونية، حيث جاء في الفقرة الأولى من مقدمة التقرير، الإشادة بالحقوق والحريات بكونها تشكل ثوابت وطنية، وفي هذا الصدد، أحال التقرير على مقتضيات الفصل 175 من دستور 2011، والحال أن هذا الفصل يتعلق بالأساس بالمجالات والميادين المحظورة موضوعيا والتي لا يمكن أن تشملها المراجعة الدستورية من لدن السلطة التأسيسية الفرعية أو الأصلية. بالإضافة إلى ذلك، فالفصل 175 من دستور 2011 أفرده المشرع الدستوري ضمن أحكام الباب الثالث عشر المُخصص لمُراجعة الدستور. في حين كان على التقرير أن يُحيل على الفصل الدستوري المتعلق بالثوابت الوطنية، وهي التي حددها المشرع الدستوري في الفصل الأول من دستور 2011 وخاصة في الفقرة الثانية منه، كما يلي: "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الترابية متعددة الروافد، والملكية الدستورية والاختيار الديمقراطي..." الملاحظة الرابعة: تتعلق بالفرع الأول المعنون بالممارسة الاتفاقية والمفارقة القانونية، حيث جاء في البَند الخامس ما يلي: "بعد أربع سنوات من تبني الدستور اتسم مسار إعماله بالتبخر التدريجي للوعود التي جاء بها القانون الأسمى". لابد من الإشارة إلى مفهوم يثير نوعا من الغموض ويتعلق بالوعود، فالأمر يتعلق بوثيقة دستورية أو قانون أسمى، فهو يتضمن مبادئ وأحكام ملزمة لجميع السلطات العامة، حيث لا يمكن للقاعدة الدستورية القانونية أن تتبخر، على عكس الوعود التي هي مجرد خطابات أو شعارات، لذلك؛ فالقاعدة الدستورية ستظل متقدمة، ويبقى الرهان على الفاعل السياسي لكي يلتزم بهما. وبعيدا عن مفهوم "الوعود"، يمكن أن نقف عن حكم يمكن أن نعتبره شبيها بحكم القيمة، فليس من السهل، أن يصدر تقرير عن مؤسسة دستورية تتمتع بالاستقلالية يركب خطابا سطحيا وتحليلا متشائما حول حصيلة أربع سنوات من دخول دستور 2011 حيز التنفيذ، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يصعب رصد وتحليل الحصيلة التشريعية المتعلقة بقضايا المرأة والمناصفة في هذه المدة القصيرة التي أطرها المشرع بمقتضيات الفصل 86 من دستور 2011. وفي ذات السياق، انتبه التقرير إلى التأخر الحاصل في إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة، إلا أنه بالرجوع إلى المخطط التشريعي، الذي يعد بمثابة خارطة طريق لعمل الحكومة في الجانب التشريعي وأداة لمساعدة مختلف السلطات الحكومية في تنفيذ برنامج عمل الحكومة، نجد أن الحكومة والبرلمان أعطيا الأولوية للكتلة الدستورية، باعتبارها خيارا ورهانا استراتيجيا، كما أن المخطط التشريعي أعطى لهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز مكانة مهمة، حيث صنفها ضمن الجزء الأول من المحور الثاني بعد المحور الأول المخصص للقوانين التنظيمية. وجدير بالذكر، أن الحكومة أحالت مشروع القانون رقم 97.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز على مجلس النواب بتاريخ 29 يوليوز 2015، حيث يُنتظر من مكتب لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب أن يبرمج اجتماعات دراسة مشروع هذا القانون. الملاحظة الخامسة: ربط تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان "التبخر التدريجي للوعود التي جاء بها دستور 2011" بالتأويل الاجتهادي الذي كرسه المجلس الدستوري2، بمناسبة فحصه للفقرة الرابعة من المادة الأولى المتعلقة بالقانون التنظيمي للمحكمة الدستورية.3 لابد من الإشارة إلى مسألة تبدو بديهية وهي أن قرارات القضاء الدستوري (المجلس/المحكمة)، لا تقبل، بموجب الدستور، أي طريق من طرق الطعن، وتُلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية. ومع ذلك، يبقى هناك هامش "للطعن" في قرارات المجلس الدستوري من خلال ما يمكن أن نُسميه مجازا الطعن بالمُحاججة العِلمية. وبالعودة إلى قرار المجلس الدستوري موضوع التحليل والمناقشة نلمس أن هناك فهما دقيقا ووعيا عميقا من لدن المجلس الدستوري لفلسفة السعي إلى المناصفة التي كرسها المشرع الدستوري في الفقرة الثانية من الفصل 19 من دستور 29 يوليوز 2011. لذلك، فالمجلس الدستوري في متن حيثيات قراره لم يعمد إلى التفسير أو التأويل أكثر ما ذهب إلى التقيد بالمقتضيات الدستورية لكون التأويل يكون في حالة وقائع تطرح أقضية لا تنظمها نصوص صريحة ومباشرة ، مما يعني أن المجلس الدستوري اقتصر على تصفية القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية من اللامساواة بسبب الجنس، إذ ليس من المنطقي أن يتم تخصيص نسبة محددة مسبقا لأحد الجنسين في العضوية في المحكمة الدستورية ، لكون هذا المقتضى سيجعل شروط العضوية في المحكمة الدستورية معيبة بسبب التمييز على أساس الجنس ، لهذا تصدى المجلس الدستوري للمقتضى المشار إليه ، زيادة على ذلك فالمشرع فتح الباب سواء للنساء أو للرجال وجعل العضوية مقرونة بتوافر شروط التكوين في ميدان القانون والكفاءة القضائية أو الفقهية أو الإدارية، والذين مارسوا مهمتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة، والمشهود لهم بالنزاهة والتجرد. الملاحظة السادسة: تتعلق بالقانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا4، والمرسوم التطبيقي المتعلق بمسطرة التعيين في المناصب العليا التي يتم التداول في شأن التعيين فيها في مجلس الحكومة.5 يمكن الإشارة بسرعة في هذا الصدد، إلى أن القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا والمرسوم التطبيقي المنظم له لا يطرح إشكالية المناصفة حيث لا يمكن أن نشرع لفئة دون الأخرى فوفقا لنظرية العدالة يجب على النص القانوني أن يتضمن قواعد عامة ومجردة، بمعنى: أنها تسري على الجميع، ولا تنحاز لطرف دون الآخر، لذلك وجب تجاوز ثقافة "الريع التشريعي" التي تجعل المناصفة ومسألة المساواة معلقة أو واقفة على إجراء تشريعي محدود. وتبقى هناك إشكالات أخرى يثيرها القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا، هذه الإشكالات تتعلق بحدود الروح البرلمانية والرئاسية بمفهوم "الاستراتيجية " داخل هذا القانون التنظيمي، وفي هذا الصدد، يشير الأستاذ حسن طارق إلى أن التأويل الذي تبناه المشرع لهذا القانون التنظيمي يعتبر تأويلا بعيدا عن المنطق البرلماني. هناك إشكالات أخرى تضمنها التقرير، والتي تتناسل منها العديد من الأسئلة الدقيقة، مثل هل الغوص في المجالات ذات الطبيعية الدينية في علاقتها بالمرأة يعد من الأدوار التي ينتظر من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يضطلع بها؟ أم أن هناك حدودا موضوعية يتعين احترامها، باعتبار القضايا الدينية من صميم اختصاصات المجلس الأعلى العلمي؟ أم أن الأمر يفرض تكاملا وتعاونا بين المؤسسات؟ فالحديث عن المساواة في الإرث، يطرح سؤالا مُهيكلا يرتبط بمقتضيات مدونة الأسرة وبمدى تمثل المشرع لها وهل يُنظر إليها باعتبارها أحكاما قطعية تستمد مرجعتيها من الدين الإسلامي وغير قابلة للنقاش والمراجعة أم مجرد نصوص قانونية مثل عقد البيع أو الكراء أو العقار يمكن مواكبتها من المستجدات والتحولات المجتمعية. هناك نقاش آخر، قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين، هل تعتبر نصيب المرأة من الإرث يتحدد وفق حد أدنى أم حد أقصى. السلطة التشريعية مطالبة بإعادة قراءة التقرير في الشق المتعلق بالإجهاض، والإجابة عن سؤال الإجهاض في علاقته بالحريات الفردية ومبررات تجريم الإجهاض في حالة الحمل الناتج عن الاغتصاب وزنا المحارم وإشكالية تعامل القضاء مع الاعتراف بالنسب خلال فترة الخطوبة ، هذه الأخيرة، تفرض على المشرع العودة إلى الارتباك الحاصل بخصوص المواد 11 و16 و156 من مدونة الأسرة لسنة 2004. 1 - انظر، الظهير الشريف رقم 1.11.91، الصادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليوز 2011)، ج ر عدد 5964 مكرر 28 شعبان 1432 (30 يوليوز 2011). 2 - ينص الفصل 177 من دستور 29 يوليوز 2011 على ما يلي: "يستمر المجلس الدستوري حاليا في ممارسة صلاحياته إلى أن يتم تنصيب المحكمة الدستورية" 3 - قرار رقم 14/943 م د ملف عدد: 14/1400 4 - الصادر بموجب الظهير الشريف رقم 1.12.20 الصادر في 27 شعبان 1433 (17 يوليوز 2012) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 2.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور. أيضا الظهير الشريف رقم 1.15.61 الصادر في 14 من شعبان 1436 (2 يونيو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 12.14 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 2.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.12.20 بتاريخ 27 من شعبان 1433 (17 يوليوز 2012) 5 - مرسوم رقم 1.12.412 الصادر في 24 من ذي العقدة 1433 (11 أكتوبر 2012) بتطبيق أحكام المادتين 4 و5 من القانون التنظيمي رقم 2.12 فيما بمسطرة التعيين في المناصب العليا التي يتم التداول في شأن التعيين فيها في مجلس الحكومة.