الملاحظ بتفحص المشروعين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية والمصادق عليهما بمجلس النواب أنهما يشكلان حقا انتكاسة دستورية حقيقية وتراجعا خطيرا على مكتسبات دستور 2011 في باب استقلال السلطة القضائية لتضمنهما مقتضيات خطيرة من شأنها أن تهدم الاستقلال المنشود من أساسه وتجعل القاضي الذي هو محور هذا الاستقلال خائفا مترددا غير قادر على اتخاذ القرار فبالأحرى أن يدافع عن استقلاله، وهذه بعض المقتضيات في مجملها التي تهدد وجود السلطة القضائية وتقضي على كل أمل لإحياء وجودها،ويمكن أن نستعرض بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر للخطوط العامة والعريضة للانتكاسة الدستورية لمشاريع القضاء : 1-المس بالاستقرار المهني للقضاة الذي يؤدي بالضرورة إلى ضرب استقلالية القرار القضائي. إن ما تضمنه مشروع النظام الأساسي للقضاة ينسف ضمانة استقلال القاضي بشكل تام من خلال مقتضيات المادة 96، التي وفرت آلية للمس باستقلالية القضاة أثناء أدائهم لمهامه و تمرير التعليمات تحت طائلة التهديد بالإيقاف و العزل، لأسباب غير منسجمة لا مع أحكام الدستور و لا مع القوانين الجاري بها العمل، كما هو الشأن بالنسبة للخطأ القضائي الذي اعتبرته المادة 96 خطأ جسيما موجبا للإيقاف الفوري ، في وقت أوجد له المشرع طرقا للمعالجة من خلال آليات الطعن التي يكون الهدف من ورائها تصحيح ما قد يقع من أخطاء أثناء نظر الدعاوى، و كذا آلية التعويض عن الخطأ القضائي المنصوص عليها في المادة 122 من الدستور، و التي تنسجم و طبيعة العمل البشري الموصوف بعدم الكمال، ومن تم فإن المادة المذكورة لن تكون إلا أداة في مواجهة كل قاض متمسك باستقلاليته من خلال إثارة الأخطاء التي قد يقع فيها، واستغلالها لتأثير في مسار القضايا، مع الإشارة إلى أنه سبق للدستور المغربي أن حدد حالات الخطأ الجسيم بشكل دقيق في المادة 109 وليس من ضمنها ما ورد في المادة 96 أعلاه، وهو ما يشكل تعديا على النص الدستوري. 2- المس بضمانة عدم النقل تفاديا للتأثير في استقلالية القضاة أثناء أدائهم لمهامهم عن طريق آلية النقل، نصت مختلف المواثيق الحقوقية الدولية على ضمانة عدم قابلية القضاة للنقل، ومن ذلك البند الحادي عشر من المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأممالمتحدة بتاريخ 13/12/1985، وهو ما سار عليه الدستور المغربي من خلال المادة 108، على اعتبار أن الضمانة المذكورة تشكل ركيزة من ركائز السلطة القضائية المستقلة، إلا أن المشروع المعروض على أنظار البرلمان أسس لمنحى مغاير لهذه الضمانة و ذلك من خلال إتاحته للمسؤولين القضائيين صلاحية الانتداب عن طريق نقل القضاة من المحكمة التي يشتغلون بها إلى محاكم أخرى، وهو ما يشكل مسا بالاستقرار الاجتماعي للقاضي، و يتحول في كثير من الأحيان إلى وسيلة لفرض التعليمات و التدخل في مسار القضايا تحت وطأة التهديد بالانتداب، و نفس الأمر ينطبق على مؤسسة النقل التلقائي للقضاة إثر ترقيتهم، لذلك ما فتيء نادي قضاة المغرب يطالب بضرورة وضع ضوابط قانونية ضامنة لاستقلالية القاضي عند ممارسته لمهامه القضائية وذلك بتجنب تضمين مشاريع القوانين لوسائل تتيح المس باستقلال القضاة في عملهم، بعيدا عن التأويل المغلوط الذي يروجه البعض عن مفهوم استقلال القضاة و كأنه دعوة إلى التسيب، إذ بما ذكر من مضامين أعلاه لن يكون هناك سوى تسيب في مواجهة حقوق و حريات المواطنين. 3- المس بالحقوق المكفولة دستوريا للقضاة . ما فتئ نادي قضاة المغرب يؤكد في جميع مذكراته الترافعية على ضرورة احترام الحقوق و الحريات المكفولة للقضاة دستوريا و كونيا، بما في ذلك حقهم في التعبير و في تأسيس الجمعيات و الانتماء إليها وفق ما هو منصوص عليه في المادة 111 من الدستور،وأن ما جاء به مشروع القانون المعروض على أنظار البرلمان بمنع القضاة من تأسيس الجمعيات المدنية أو تقييد الانضمام إليها، و كذا وضع نصوص مقيدة لوظيفة الجمعيات المهنية للقضاة و المتمثلة في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية، ليشكل تنافيا مع أحكام الدستور و كذا المواثيق الدولية المصادق عليها من قبل المغرب هذا فضلا عن حنق عمل الجمعيات المهنية للقضاة بعدة مقتضات تهم مجال عملها مما سيحولها في المستقبل القريب الى جمعيات صامتة أو جمعيات لتأثتت المشهد القضائي وتجميله. 4- تركيز العديد من السلطات في يد الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية ، والحال أن الدستور جعل البت في وضعية القاضي كيف ما كانت هي اختصاص حصري للمجلس بكافة اعضائه ضمانا لعدم المس باستقلاله. 5- التحجير على القضاة يتجلى هذا التحجير من خلال عدة مقتضيات منصوص عليها في النظام الأساسي ومنها على سبيل المثال هذا المقتضى " لا يمكن للقضاة مباشرة التدريس والبحث العلمي إلا بترخيص من الرئيس المنتدب للسلطة القضائية" . 6- إلحاق حيف كبير بالقضاة المرتبين حاليا في الدرجة الثالثة الذين جعلهم مشروع النظام الاساسي للقضاة خاضعين لنسق الترقي المنصوص عليه في ظهير 1974 قصد حرمانهم من حقهم في الاستفادة من المقتضيات الجديدة التي تقلص المدة نسبيا. 7- جعل تقييم القاضي في يد المسؤولين القضائيين بالمحاكم وهو ما جعله وسوف يجعله وسيلة للتحكم ، والحال أنه يجب الاحتكام إلى نظام موضوعي ما يعهد به الى لجنة وفق آليات محددة من شأن اعمالها محاربة التحكم وتهديد استقلال القاضي. 8- جعل المفتشية العامة والمفتش العام تابعا تابعة للرئيس المنتدب كذلك ، وهو ما يمكن ان يعجل منها وسيلة للتحكم والتأثير على استقلال القضاة. 9- عدم الإشارة إلى مبدأ دمقرطة كافة المحاكم بمختلف درجاتها بما فيها محكمة النقض ، عن طريق جعل الجمعية العامة هي الطريق الوحيد لاتخاذ القرارات التي تهم تقسيم العمل القضائي . 10- الإبقاء على الادارة القضائية على وضعيتها الحالية التي يقر الجميع بفشلها مع بعض التعديلات الطفيفة التي لن يكون لها تأثير على مستوى الواقع. 11- بقاء وزارة العدل حاضرة في المشهد القضائي مما قد ينتج عنه مع توالي الأيام تأثير لها على القرار القاضي من خلال منفذ المسؤوليين القضائيين بالمحاكم، كما أن جعل تقييم المسؤولين من طرف وزارة العدل يعزز منافد التأثير والتحكم على القضاة ويمس باستقلال القضاء والقضاة من خلال بوابة التعليمات والمتابعات التأديبية الموجهة ،لاسيما أمام عدم إحداث مجلس الدولة كأعلى هيئة قضائية إدارية وفقا للفصل 114 من الدستور للرقابة على شرعية وملائمة قرارات المجلس الاعلى للسلطة القضائية لضمان رقابة قضائية فعالة مستقلة ومحايدة .. وإيمانا من نادي قضاة المغرب بالقيام بدوره التاريخي في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية فإنه اطلق مبادرة حملة جمع توقيعات القاضيات والقضاة الرافضين لهذه المشاريع بمختلف محاكم المملكة وحمل الشارات الحمراء احتجاجا عليها مع تنفيذ قرار المجلس الوطني بشأن إعتصام بمقر النادي يوم السبت 07 نونبر 2015 في أفق تنظيم ندوة صحفية لاعلام الرأي العام الوطني والدولي بخطورة هدم مقومات السلطة القضائية وضرب أحكام الدستور لاخلاء وإبراء الذمة اتجاه الوطن والمواطن،لأننا نخوض معركة القيم ضد معركة التسلط والتحجير. إن نادي قضاة المغرب كجمعية مهنية قضائية مواطنة لن يمل من ترديد مطالبه المتعلقة بتأسيس سلطة قضائية حقيقة قادرة على ضمان استقلال القاضي حتى يقوم بدوره في حماية الحقوق والحريات مهما كان الأمر ولو ظل لوحده في الساحة ولسنوات أخرى إذا اضطر لذلك. *رئيس نادي قضاة المغرب