لغرابة الصدف، تتزامن الذكرى الحالية للمسيرة الخضراء التي تجسد أسمى مظاهر حب الوطن، مع مسيرات من نوع آخرهدفها الدفاع عن كرامة المواطنين اللذين اختاروا مسلك الاحتجاج لأجل تحسين شروط الولوج إلى العمل، والاستفادة من الخدمات الأساسية. انطلقت أولى المسيرات مع إصرار الوزير الوردي على اعتماد وتفعيل مسودة قانون الخدمة الإجبارية في المناطق النائية دون ضمان حق ترسيم الأطر الصحية في سابقة من نوعها، دفعت أصحاب البذلات البيضاء إلى رفع شعارات رافضة " لا للإجبار... لا للاستعباد... نعم لكرامة الطبيب" في مظاهرات حاشدة جابت أنحاء العاصمة لمدة تجاوزت الشهرين، قبل أن يقررالطلبة العودة إلى مقاعد الدراسة بعد توقيع محضر "النصر" الذي يلغي مسودة وزارة الصحة. مسيرة أخرى لا تقل وهجا عن سابقتها، قادتها ساكنة مدينة طنجة احتجاجا على الغلاء المستمر لفواتير أمانديس تخللتها أشكال تعبيرية قوية )مسيرات الشموع..إطفاء الأنوار لساعات محددة..( وجهت رسالة مفادها "الرحيل أمانديس" وأمام تصاعد حدتها تدخلت المؤسسة الملكية عبرتوجيه أوامرها لوزير الداخلية ورئيس الحكومة بالتنقل لمدينة طنجة قصد إيجاد الحلول الكفيلة بتطويق الأزمة بما يضمن حقوق الساكنة في فوترة مناسبة لحجم الاستهلاك بعيدا عن التلاعبات التي دأبت الشركة الفرنسية القيام بها في أكثرمن دولة كألمانيا وبوليفيا. لكن ما يثير الانتباه في هذا الملف التصريحات الغير مسؤولة للسيد بن كيران في حق ساكنة طنجة واصفة خروجهم إلى الشارع ب"الفتنة" و هي تصريحات، قد تؤجج مزيدا من الاحتقان بدل احتواء الوضع باتخاذ الإجراءات اللازمة. دون أن ننسى كرة الثلج أو الطوفان الأبيض الذي تنتظره وزارة التربية الوطنية على إثر الاحتجاجات المتواصلة للأساتذة المتدربين بالمراكز التربوية الجهوية رفضا للمرسوم الوزاري 588-15-8، القاضي بفصل التكوين عن التوظيف، زيادة على المرسوم رقم 589-15-2 ، والذي تم بموجبه تقليص منحة الطلبة الأساتذة من 2450 درهما إلى 1200. لقد كشفت المسيرات التي عرفها المغرب في الآونة الأخيرة، عن كل ما يحيط بالمغاربة من إصرارحكومي على تعميق الأزمات، وضرب حق الولوج للوظيفة العمومية عبر التقليص من الاعتمادات المالية، في استجابة مثلى لإملاءات صندوق النقد الدولي، وهو سيناريو يشبه إلى حد بعيد الإجراءات التي اتخذتها حكومة التناوب مباشرة بعد توليها مهمة إنقاذ البلاد من "السكتة القلبية" فاسحة المجال أمام الخواص لاستعراض عضلاتهم أمام بسطاء هذا الوطن. [email protected]