لأنني وحيد و غريب .. "" و لأن ببلدي .. حروبا أهلية و دماء مسكوبة .. و لأن القطة ماتت .. لذلك أنا هنا .. كان الصوت شجيا ذا شجن . جميلا و عذبا و ممتلئا بحزن لذيذ . ثمة أصوات بعيدة تأتي لا أكاد أميزها . من نافذتي رأيت شبحه ، كان يجلس متكئا على حائط منزل السيد نور الدين . لم أستطع أن أميز ملامحه لكن صوته أغناني عن ذلك . كان يغني باللغة الإنجليزية . هامئا كان ، فريدا، حزينا ، لكنه قوي .. أو هكذا بدا لي. لم أستطع صبرا فنزلت . إقتربت منه و على ضوء عمود الإنارة الوحيد الذي نسي المسؤولون أن يهشموه رأيته . كان أسود البشرة، على الأرجح من دول جنوب الصحراء . عندما رآني توقف عن الغناء . بهدوء جلست بقربه رافعا أي كلفة باعتبار أنه " كلما استحكمت المودة رفعت الكلفة و الحرج " ، و أنا أحببت هذا الشخص و لا تسألني كيف. سألته : - من أي البلاد أنت ؟ - ... - تعيش وحيدا بطنجة ؟ - ... - لا بأس ، أقدر رغبتك في عدم الكلام ، لكنني أريد أن تواصل الغناء أرجوك . لغتي الإنجليزية كانت ركيكة، لكنها بالتأكيد كافية لكي يفهمني . كنت أمتلك ما يسمى بالحد الأدنى للأمان اللغوي .. ما يكفيني كي لا أموت جوعا إن أنا سافرت إلى أي دولة يتحدث أهلها الإنجليزية . كان من الواضح أنه استجاب لرغبتي فقد بدأ يدندن بصوت منخفض بدأ يعلو شيئا فشيئا . لأنني وحيد و غريب .. و لأن ببلدي .. في عينيه كانت هناك أطنان من الحزن، الحرمان، التحدي أيضا. كان من الواضح أنه الآن قد اندمج حتى النخاع في غنائه . قشعريرة باردة تسللت من رقبتي حتى أصابع قدمي . اتكأت بقربه أنا أيضا و رفعت عيني إلى السماء متأملا النجوم و القمر الذي كان هلالا. صوته الرخيم لا زال يخترق أذني : و لأن القطة ماتت .. لذلك أنا هنا .. في الساعة الرابعة صباحا كنت في فراشي متدثرا أردد : لأنه وحيد و غريب .. و لأن ببلده .. حروب أهلية و دماء مسكوبة .. و لأن القطة ماتت .. لذلك هو هنا .. و لم أكن لأجد في نفسي خجلا و أنا أبكي كالطفل. Foras.maktoobblog.com