يبحث لإنسان عن أطيب النكهات منذ أن وجد على ظهر البسيطة، يتفنن في ابداع أجود الطعام أرقى المشروبات بل وحتى أشهى شتى أصناف الفِكَر. أشار الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى نكهة أخرى ذات امتداد عميق في الزمن ألا وهي النكهة الروحية بقوله في الحديث الشريف الذي أخرجه البخاري باب حلاوة الايمان " ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" وهو قد تقاطع في ذلك مع فيلسوف كل الأزمان والذي يعدمن أشد المعادين لمفهوم الدين فريديشنيتشه الذي جادت قريحته بحكمة عظيمة هي كالآتي: "الحكمة الجيدة قد تكون قاسية جداً على أسنان الزمن، ولا تستطيع السنين هضمها، ومع ذلك فإنها تكون طعاماً جيدا لكل عهد." كما يذهب إلى نفس المعنى حكيم صيني معروف هوتشونغ تشي بقوله " جذور الحكمة نكهة الحياة ". فإذا كان نيتشه قد اعتبر أن الحكمة قاسية على أسنان الزمن فإنه فعلا قد صدق القول، يظهر ذلك لكل متدبر لقوانين الطبيعة كما قوانين الاسلام حيث أن القاسم المشترك هو صرامتها لكن كلاهما ينتجان ثمارا حلوة على المدى البعيد تبقى لها امتدادات أبدية. لتوضيح الفكرة نسترسل متأملين في بعض قوانين الطبيعة حيث أنه كلما راكم الانسان تكون الجراثيم داخل أسنانه نتيجة إهمال تنظيفها بانتظام كلما لن ترحمه قوانين الطبيعة بهجوم أنواع الألم عليه كنتيجة حتمية لتسوس الأسنان. لا غرو أن المجتمعات إذا لم يسد التراحم بين طبقاتها الا ونخرت أنواع الجريمة جسدها. كذلك الأمر ينجلي للمتأمل في قوانين الاسلام التي قد تبدو صارمة نفس صرامة قوانين الطبيعة لكنها في صرامتها ذات مقاصد بعيدة في الزمن حيث كلما فهمت الأمم مقاصدها وطبقتها في تدرج ولين دون ميز ديني أو دموي أو غيره الا وأثمر ذلك عدلا وأمانا ونصرا و عزا.