مثل كرة الجليد المدحرجة بدأ خلاف رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ووزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، من "نقاش ساخن" حول اختصاصات الآمر بالصرف في صندوق تنمية العالم القروي، إلى تدخل وزير الاقتصاد والمالية محمد بوسعيد للانتصار لأخنوش، وصولا إلى هجوم برلمانيي حزب المصباح على بوسعيد وتوعدهم بإسقاط المادة 30، التي أثارت كل هذا الجدل، من مشروع قانون المالية. المثير أن هذه الحروب الكلامية تقع داخل البيت الحكومي وبين مكوناته. هذا الصراع بين مكونات الحكومة يأتي على بعد أسابيع من الخلافات القوية بين العدالة والتنمية، من جهة، والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، من جهة أخرى، حول التحالفات الانتخابية، وهو ما يثير التساؤل حول ما تبقى من "الائتلاف الحكومي" وكيفية استمراره للوصول إلى محطة الانتخابات البرلمانية خلال العام المقبل وأظهرت استحقاقات الرابع من شتنبر الماضي، وما تلاها من تحالفات، وجود خلافات حقيقية بين الأحزاب المكونة للحكومة، خصوصا بعد التحالفات التي عقدها منتخبو حزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية مع أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب الأصالة والمعاصرة، حيث وجه عدد من المنتمين لحزب "المصباح" أصابع الاتهام لحزب "الحمامة" بكونه مكّن حزب "الجرار" من الظفر برئاسة بعض الجهات التي كانت ستصبح من نصيب إخوان بنكيران لو تم احترام منطق الأغلبية في التحالفات. الحكومة خرجت من المعركة الانتخابية وهي تحمل العديد من الشروخ والخلافات السياسية، بل إن الانتخابات أفرزت مشهدا جديدا يتجلى في أن حزب الاستقلال عاد لما أسماه المساندة النقدية لحكومة بنكيران بعد سنوات من الحروب الكلامية، بينما زكت التقارب بين حزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار. وفي الوقت الذي يحاول فيه قادة الائتلاف الحكومي التغطية على خلافاتهم السياسية لاستكمال ما تبقى من أشهر في عمر الحكومة، طفت على السطح قضية اختصاصات الآمر بالصرف لصندوق التنمية القروية والخلاف بين بنكيران وأخنوش ودخول بوسعيد على الخط، وهو الأمر الذي يطرح السؤال حول ماذا بقي من الائتلاف الحكومي. الباحث في العلوم السياسية، الشرقي الخاطري، يعلق على الوضع الذي تعيشه الحكومة بكون بنكيران بات على خلاف مع الحزبين المكونين لنصف حكومته، بالإضافة إلى خلافه مع بعض الوزراء التكنوقراط، متسائلا عن مدى وجود ائتلاف حكومي بالفعل "لأن الجميع يعلم الظروف التي جاء فيها دخول التجمع الوطني للأحرار إلى الحكومة"، وبالتالي فدخول حزب "الحمامة" للحكومة أملاه سياق سياسي ومصالح سياسية متبادلة أكثر من الاتفاق على برنامج حكومي. ولفت الأكاديمي المغربي إلى أن أكبر تجسيد على عدم نجاح الائتلاف الحكومي هو التحالفات الانتخابية التي لم تحترم منطق الأغلبية والمعارضة "بل وجدنا أن المعارضة تتحالف مع المعارضة والعكس، في مشهد غير مفهوم على مستوى الممارسة السياسية"، مواصلا أن هناك عاملا آخر جعل التعامل بين مكونات الحكومة لا يمر بسلاسة، وهو "الوزراء التكنوقراط الذين لا نعرف مدى سلطة رئيس الحكومة عليهم". الشرقي اعتبر أن هناك سوء تفاهم على مستوى نقل اختصاصات الآمر بالصرف من يد بنكيران إلى وزيره في الفلاحة، "لأن رئيس الحكومة هو المسؤول الأول عن الرسالة التوجيهية لقانون المالية وعليه أن يتحمل مسؤوليته لأنه من غير المقبول أن تمر مقتضيات مهمة في قانون المالية بدون علمه"، مؤكدا أن واقعة صندوق التنمية القروية ستكرس حالة انعدام الثقة داخل الحكومة. ويرى الشرقي أن الحل أمام بنكيران، إن هو أراد أن تمر الأشهر المتبقية من حكومته بدون "حوادث سير"، "أن يوضح مجموعة من الأمور مع حلفائه في الحكومة؛ ومن بينها توضيح الاختصاصات بين رئيس الحكومة والوزراء وحدود التضامن الحكومي"، متوقعا أن قادة الائتلاف الحكومي سيحاولون تجنب الاحتكاك خلال ما تبقى من عمر الحكومة، وفي الوقت نفسه التحضير لانتخابات البرلمان للعام المقبل. أما بالنسبة للباحث في العلوم السياسي، عبد الحكيم قرمان، فيجب التمييز في مثل هذه الخلافات السياسية التي يقع حولها جدل، ذلك أن "الاحتكام بين المؤسسات يجب أن يكون للدستور لمعرفة صلاحيات الوزراء ورئيس الحكومة"، مضيفا أن الخطاب السياسي، حتى داخل الائتلاف الحكومي، وصل مرحلة "الهلامية"، مستدلا على ذلك بما يقع بين أخنوش ورئيس الحكومة، إذ إن هذا الأخير يستخدم مقربين منه لتمرير مواقفه ووزير الفلاحة لم يقم بأي تصريح، وفي المقابل، فإن وزير المالية انبرى للدفاع عنه. وقلل قرمان من تأثير الخلاف الأخير على الحكومة ومستقبلها "لأنه أصلا لم يتبقى من الوقت إلا أشهر قليلة أمام الحكومة"، بيد أنه أكد أن "مثل هذه الحادثة تؤثر على الثقة بين أعضاء الحكومة، لأن الوزراء، ومهما بلغوا من خبرة سياسية، فإنهم يتأثرون بما يروج في الإعلام وما يقال في وسائل التواصل الاجتماعي".