في عز الحملة الانتخابية التي سبقت الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011، قام عبد الإله بنكيران بتوجيه عدة اتهامات إلى محيط الملك ومستشاريه، مؤكدا أنه في حال فوز حزبه في الانتخابات ورئاسته للحكومة فإنه سيتحاور مع الملك مباشرة ولن يقبل بوسطاء، في إشارة مبطنة إلى صديق الملك فؤاد عالي الهمة، الذي دخل حزبه كمنافس قوي ضده. ويبدو أن هذه الرسائل المبطنة قد التقطت من طرف القصر، إذ تم بعيد الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية، بفوز كبير لحزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات بفارق 47 مقعدا عن حزب الاستقلال الذي أتى في المرتبة الثانية، بعدما حاز على المرتبة الأولى في الانتخابات السابقة، جعل الوساطة بينه وبين رئيس الحكومة الجديدة تسند إلى امرأة من البلاط، وهي مستشارة الملك السابقة المرحومة زليخة نصري؛ التي كانت تتصل برئيس الحكومة الجديد، ودبرت لقاءاته المعدودة مع الملك. وقد شكل حصول حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى ب 107 مقاعد، بفارق كبير عن حزب الاستقلال الذي أتى في المرتبة الثانية ب 60 مقعدا، أول انتصار انتخابي لأحد مكونات الحركة الإسلامية في نظام سياسي يقوم على احتكار الملك للحقل الديني - السياسي. لكن رغم هذا الفوز الانتخابي العريض للحزب، وجد الأمين العام نفسه مضطرا للدخول في مفاوضات مع مختلف مكونات المشهد السياسي، كما وجد نفسه أمام هيمنة التصور الملكي لتشكيلته الحكومية. 1-الهندسة الملكية لحكومة بنكيران رغم أن فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات كان ثمرة ظرفية سياسية إقليمية اتسمت بصعود مجموعة من القوى الإسلامية إلى الحكم، سواء في تونس أو ليبيا ومصر، بعد تهاوي الأنظمة الحاكمة فيها، وظرفية سياسية داخلية تجسدت في الحركية السياسية التي أشعلتها حركة 20 فبراير، فهذا لم يمنع من تحكم الملك في تركيبة حكومة بنكيران، ما ظهرت إشاراته السياسية والرمزية من خلال استقبال الأخير من طرف محمد السادس في إحدى زياراته إلى ميدلت، حيث كلفه بتشكيل الحكومة التي ستتميز بهيمنة وزراء السيادة في نسختها الأولى وبغلبة الطابع التكنوقراطي في نسختها الثانية. - هيمنة وزراء السيادة رغم أن دستور فاتح يوليوز 2011 نص ضمن صلاحيات رئيس الحكومة على اقتراحه كل الوزارات على الملك، فقد فضل السيد عبد الإله بنكيران، خلال تشكيل حكومته الأولى، استبعاد وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من مجال الاقتراح الحكومي، وترك تعيين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بيد الملك، بوصفة أميرا للمؤمنين كما ينص على ذلك الدستور. وهكذا صرح رئيس الحكومة المعين بأن الائتلاف الحكومي، المكون من حزبه وأحزاب الاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، سيقترح جميع الوزارات على الملك باستثناء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لكونها تبقى من اختصاص الملك، بصفته أمير المؤمنين، فضلا عن إدارة الدفاع الوطني، بحكم أن الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة بالبلاد. كما ضمت حكومة بنكيران أيضا، إلى جانب إدريس الضحاك، الأمين العام للحكومة السابق، والوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، شخصيات أخرى كيوسف العمراني، الكاتب العام السابق لوزارة الشؤون الخارجية، الذي عين وزير منتدبا لهذه الوزارة، والشرقي الضريس، المدير العام السابق للأمن الوطني، الذي عين وزيرا منتدبا بالداخلية، بالإضافة إلى عزيز أخنوش، الذي عين وزيرا للفلاحة. ورغم أنه تم في حكومة بنكيران، في نسختها الثانية، استبعاد يوسف العمراني، نظرا لاحتسابه على وزراء الاستقلال المنسحبين، فإن هذا لم يمنع رئيس الحكومة من الاحتفاظ بجل هؤلاء الوزراء، بل تمت الزيادة في عددهم من خلال تعيين محمد حصاد، الوالي السابق لولايتي مراكشوطنجة، والمدير العام السابق لشركة الخطوط الملكية المغربية، في وزارة الداخلية، التي كان يشغلها الأمين العام للحركة الشعبية، محمد العنصر، ما يدل على أن المخزن نجح في استرجاع هذه الوزارة التي كانت سببا في تعثر المفاوضات بين الملك الراحل الحسن الثاني والكتلة، بسبب رفض إبعاد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري عن تشكيل الحكومة التي كان سيترأسها الاستقلالي محمد بوستة؛ في حين قبل اليوسفي التعايش مع هذا الوزير والاحتفاظ بهذه الوزارة ضمن وزارات السيادة إلى حدود تشكيل حكومة بنكيران في نسختها الأولى. كما يمكن أن نعتبر أن استبعاد سعد الدين العثماني من وزارة الخارجية وتعويضه برئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، صلاح الدين مزوار، على رأس وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، وتعيين إحدى عضوات هذا الحزب وزيرة منتدبة بنفس الوزارة، نوع من استبعاد حزب العدالة والتنمية عن وزارة كانت تعد من بين وزارات السيادة إلى حدود تشكيل حكومة بنكيران الأولى. ولعل قبول رئيس الحكومة بإبعاد أحد قيادييه عن هذه الوزارة يعكس إلى حد ما الضغوط التي مورست عليه خلال مفاوضاته مع مزوار، إذ كان مخيرا إما بقبول الأخير كوزير للاقتصاد والمالية، مع إبعاد الوزير المنتدب المنتمي إلى حزبه السيد إدريس الأزمي، أو القبول بمزوار كوزير للشؤون الخارجية. ولعل ضغوط صقور حزب العدالة والتنمية برفض استلام مزوار حقيبة وزارة الاقتصاد والمالية بعد الاتهامات التي وجهت له من طرفهم، وكذا الضغط من أجل الإبقاء على الأزمي في منصبه، دفع بنكيران إلى القبول بالتسليم في العثماني الذي كان منافسا شخصيا له على قيادة الحزب للخروج من الحكومة، واحتكار رئيس التجمع لوزارة الخارجية من خلال تعيين وزيرة منتدبة من حزبه، ما سيروق بالطبع المستشار الملكي الطيب الفاسي، الذي يتولى الإشراف على هذا الملف وتمرس على تدبيره لمدة طويلة. - تغليب الجانب التكنوقراطي لا يجب أن نغفل في البداية أن حكومة بنكيران في نسختها الأولى ضمت إلى جانب وزراء السيادة، كوزير الأوقاف، والأمين العام للحكومة، والوزير المنتدب المكلف بالدفاع، وزراء تكنوقراط، كان على رأسهم وزير الفلاحة أخنوش، والوزير المنتدب في الداخلية الضريس، والوزير المنتدب في الخارجية يوسف العمراني. غير أنه في حكومة بنكيران في نسختها الثانية تم تغليب الجانب التكنقراطي بشكل كبير، إذ وصل عدد هؤلاء إلى حوالي ثماني شخصيات. وبالإضافة إلى الاحتفاظ بوزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، والوزير المنتدب في الداخلية الشرقي الضريس، تم تعيين عدة شخصيات تكنوقراطية في قطاعات تهم التعليم، الذي أسند إلى رشيد بلمختار، الذي كان وزيرا سابقا للتعليم في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وكان رئيسا لجامعة الأخوين بإفران..ولعل إسناد حقيبة التعليم لهذه الشخصية التكنوقراطية يندرج في إطار مخطط نزع ملف التعليم من الوزارات المسيسة، ووضعه تحت إشراف الملك مباشرة. فبعد الخطاب الملكي الأخير الذي انتقد السياسات الحكومية السابقة، بما فيها سياسة حكومة بنكيران، ودعا إلى اعتبار قطاع التعليم أولوية وطنية ينبغي أن تتجاوز كل الحسابات الحزبية والسياسية الضيقة، تم تعيين عمر عزيمان، مستشار الملك، على رأس المجلس الأعلى للتعليم، ليتم بعد ذلك عقد ندوة حول قطاع التعليم من طرف جمعية زاكورة بحضور مستشاري الملك فؤاد عالي الهمة وعمر عزيمان، ومشاركة وزراء سابقين في هذا القطاع، بمن فيهم رشيد بلمختار، الذي عين وزيرا للتربية والتعليم، ما جعل بعض المتتبعين يرون أن يد أحد المستشارين كانت وراء هذا التعيين. أما تعيين مولاي حفيظ العلمي كوزير للصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي فزاد من تكريس الطابع التكنوقراطي لهذه الحكومة، بعدما نقل عبد القادر اعمارة من الحزب الذي يقود الحكومة من هذا القطاع إلى وزارة الطاقة والمعادن، خلفا للوزير الاستقلالي المنسحب، بعدما تمت التوسعة من حجم هذه الوزارة التي ضمت الاستثمار والاقتصاد الرقمي إلى جانب الصناعة والتجارة، مع خلق وزارتين منتدبتين، تتعلق الأولى بقطاع التجارة الخارجية، في حين تتعلق الثانية بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم، الذي أسند إلى أصغر وزير تكنوقراط في حكومة بنكيران. ولعل تعيين هذه الشخصية المرتبطة ببعض المشاريع الاقتصادية للقصر، وانتمائه إلى الكنفدرالية العامة للمقاولين المغاربة، التي سبق أن شغل منصب الرئيس فيها قبل أن تتقلده الرئيسة الحالية مريم بنصالح، التي كانت لها خلافات حادة مع حكومة بنكيران، ذهبت إلى حد رفض المشاركة في اجتماعات نظمت لبعض رجال الأعمال الأتراك، قد يفسر رغبة رئيس الحكومة في فتح صفحة جديدة مع الباطرونا ومحاولة التقرب من الكنفدرالية لضمان مساندتها في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي كانت تعتزم الحكومة مباشرتها وسط ضغوط الرأي العام الداخلي المستاء من الزيادة في أسعار المحروقات وارتفاع نسبة البطالة، وضغوط بعض المؤسسات المالية الدولية، كصندوق النقد الدولي الذي طالب الحكومة بالإسراع في تنفيذ بعض الإصلاحات المستعجلة، وعلى رأسها إصلاح صندوق المقاصة، وصندوق التقاعد، والنظام الجبائي، والحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى. أما ضم محمد حصاد إلى حكومة بنكيران وتسليمه وزارة الداخلية فيبدو أنه يدخل ضمن إملاءات مهندسي القصر على حكومة بنكيران، بضرورة إرجاع هذه الوزارة إلى حظيرة الوزارات السيادية كما كانت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ووزير داخليته السابق إدريس البصري، ومنحها لشخصية تكنوقراطية متمرسة في تدبير بعض القطاعات الاقتصادية، كالمكتب الوطني للموانئ، وشركة الخطوط الملكية المغربية، وتسيير الشؤون المحلية لولايات كبرى بالمملكة كولاية مراكش أو ولاية طنجة، في ظل السياسة التي انتهجها الملك محمد السادس منذ توليه السلطة، والتي قامت على تعيين شخصيات تكنوقراطية من خريجي مدارس هندسة الطرق. 2 - الإشراف الملكي على تشكيل حكومة بنكيران واجه رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران، مع انطلاق جولة مشاوراته لتشكيل الحكومة، صعوبات كبرى بسبب طموحات الاستوزار التي طفت على السطح، بمجرد إعلان الأحزاب المشكلة للأغلبية موافقتها الرسمية لدخول حكومة بنكيران. - التنافس الحزبي على الحقائب الوزارية دخل بنكيران في مشاورات مكثفة مع حلفائه حول توزيع الحقائب الوزارية، وحاول كل حزب أن يقتطع أكبر عدد من هذه الحقائب لترضية قيادييه. فخلال اجتماع بنكيران بزعماء الأحزاب المشاركة في حكومته لتوزيع الحقائب والتداول في أسماء الوزراء، عبر حزب العدالة والتنمية عن تشبثه ببعض الوزارات الوازنة، من بينها وزارة المالية والعدل، في حين عبر حزب الاستقلال عن رغبته في الحصول على وزارات تقنية، كوزارة التجهيز والنقل، بينما عبرت الحركة الشعبية عن طموحها في الحصول على عدد من الحقائب الوزارية، يتناسب وعدد المقاعد النيابية التي فازت بها، والتي من بينها وزارة الداخلية، بينما أبدى حزب التقدم والاشتراكية رغبته في تولي بعض الوزارات، وعلى رأسها وزارة الخارجية مقابل مشاركته في الحكومة. ولترضية طموحات حزب الاستقلال تم الاتفاق في بداية هذه المشاورات على التنازل للاستقلاليين على رئاسة الغرفة الأولى للبرلمان. وصرح بنكيران بهذا الصدد بأنه "تم الحسم في رئاسة الغرفة الأولى التي ستؤول إلى حزب الاستقلال"، مشيرا من جهة أخرى إلى أن حزب العدالة والتنمية يتشبث في المقابل بتولي حقيبة وزارة المالية مجددا، مع تأكيده على أن المشاورات حول تشكيل الحكومة المقبلة تجري في ظل مناخ جد إيجابي، وفي جو يطبعه التفاهم بين كافة الأطراف؛ وذلك وفق مقاربة تشاركية تتيح التوصل إلى تشكيل حكومة قوية ومنسجمة. لكن يبدو أنه رغم أجواء التفاهم التي سادت هذه المشاورات، فقد احتدم التنافس بين مكونات الائتلاف الحكومي، خاصة خلال المراحل النهائية من تشكيل الحكومة، حول بعض الوزارات، كالداخلية، والخارجية والتجهيز والنقل. فخلال اجتماع حزب الاستقلال برئيس الحكومة يوم الأحد 25 دجنبر 2011، أظهر ممثلو هذا الحزب تمسكهم بحقيبة التجهيز والنقل، رافضين كل العروض التي قدمها رئيس الحكومة لتعويض حقيبة التجهيز والنقل. وبرر محمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، سبب هذا الموقف بأن حزبه يجب أن يأخذ حقائب توازي حجمه وعدد نوابه وموقعه في الحقل السياسي المغربي وتجربته الحكومية وتاريخه النضالي، مشددا في تصريح خص به هسبريس على أن من حق حزب الاستقلال أن تكون له حصته في كل القطاعات والوزارات، حتى التي كانت تسمى وزارات سيادية، باستثناء الدفاع الوطني، ومن حقه أن تكون له وزارات كبرى مثل الأشغال العمومية والفلاحة والتعليم والإسكان والتعمير، ووزارات متوسطة كالسياحة والصناعة التقليدية، وكتابات الدولة الأخرى كذلك. ويبدو أن قيادة حزب الاستقلال استغلت ضمان رئاسة مجلس النواب من خلال انتخاب عبد الكريم غلاب للرفع من سقف طموحاته السياسية والمطالبة بأكبر وأهم القطاعات الوزارية، ولجأ في ذلك إلى المساومة والابتزاز، ملمحا خلال هذه المشاورات بإمكانية استخدام ورقة الانسحاب من تشكيلة بنكيران؛ وهذا ما ألمح إليه محمد الخليفة بشكل ضمني من خلال إشارته إلى أن "اللجنة التنفيذية للحزب في لقائها الاستثنائي المنعقد اليوم الأحد 26 دجنبر 2011 ناقشت موضوع الحقائب في التشكيلة الحكومية التي يعمل عليها بنكيران، فاتجه النقاش فيها إلى أخذ كل الاعتبارات السابقة في الحسبان"، مبرزا في الوقت نفسه أن "الاستقلال لن يهدد بالانسحاب من التحالف مع بنكيران لأن ذلك ليس من طبعه ولا من أخلاقه وليس من شيم الوطنيين أو السياسيين"، مجددا التأكيد على أن المهم عند الحزب هو أن "يظهر أمام الرأي العام أنه حزب وازن وأن رجالاته الأكفاء يسيرون القطاعات المهمة في البلاد". كما واجه بنكيران أيضا مطالب الحركة الشعبية بالحصول على وزارة الداخلية، التي ظلت ضمن وزارات السيادة، إلى جانب الفلاحة، مبررا ذلك بتجربته التاريخية ومعرفته بالإدارة الترابية والعالم القروي. أما نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، فأصر على الحصول على حقيبتي السياحة والصناعة التقليدية، تعويضا عن مشاركته في هذا الائتلاف الحكومي. - فيتو القصر بالإضافة إلى الضغوط التي مورست على بنكيران من طرف قياديي مكونات ائتلافه الحكومي، نتيجة تطاحناتها الداخلية، رفض القصر استوزار استقلاليين وحركيين وقيادية من التقدم والاشتراكية. وتعلق الأمر بكل من عبد القادر الكيحل، الذي كان مرشحا للشبيبة والرياضة، وعبد الصمد قيوح وكنزة الغالي، بالإضافة إلى كجمولة بنت ابي، التي كانت مرشحة كوزيرة منتدبة لدى وزير الخارجية مكلفة بالهجرة. وقد أبلغ رئيس الحكومة، في لقاء جمعه بمستشاري الملك بهذه التحفظات. كما أبدى القصر تحفظاته بشأن أسماء أخرى اقترحت للاستوزار، خاصة اقتراح مصطفى الرميد كوزير للعدل، وعزيز أخنوش كوزير للفلاحة : وخلق هذا التحفظ نقاشاً حاداً داخل هياكل حزب العدالة والتنمية، بين فصيل يدعو إلى التشبث بهذا الاستوزار، وبين فصيل ثان يقترح أن يتولى الرميد قطاعاً آخر كي لا تتوتر العلاقة بين الحزب والقصر. وكانت هناك نقاشات داخل الأمانة العامة للعدالة والتنمية بشأن تحفظ أحد مستشاري الملك على مصطفى الرميد، لم تكن كلها تصب في اتجاه مساندة الرميد، إذ دعا محمد يتيم إلى منحه حقيبة وزارية أخرى تجنبا لأي توتر مع القصر... - أما بخصوص اقتراح عزيز أخنوش وزيرا للفلاحة والصيد البحري، فذكرت بعض المصادر الصحافية والحزبية أن عبد العزيز الرباح، وزير التجهيز والنقل، هو من ربط الاتصالات السرية الأولى مع أخنوش، عارضا عليه المشاركة في الحكومة والبقاء في منصب وزير الفلاحة والصيد البحري، لكن الأخير أراد أن يتأكد من أن العرض الذي تلقاه يعتبر رسميا، فبدا مستعدا للمشاركة بعدما استشار جهات عليا. لكن دخول أحد مستشاري الملك على الخط أفشل مساعي ضم أخنوش، لأسباب ربما تتعلق بخوفه من إضعاف حليف حزبه السابق التجمع الوطني للأحرار. لذا تم اقتراح حقيبة الفلاحة والصيد البحري على حزب الاستقلال، إلا أن الاسم الذي تم اقتراحه لم يكن يناسب المنصب، ما أدى إلى إعادة النقاش حول هذا المنصب، فأعاد بنكيران طرح اسم أخنوش من جديد، والذي وافق على استوزاره الملك شخصيا، ما دفع بمستشاره عالي الهمة إلى رفع تحفظه بهذا الشأن. هذا بالطبع ما جعل ولادة حكومة بنكيران عسيرة على غرار المخاض السياسي الصعب الذي عرفته ولادة حكومة عبدالرحمان اليوسفي، التي تزعمها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؛ وهو ما يؤكد أن مسألة تشكيل الحكومات في المغرب لا ترتهن إلى طبيعة الظرفية السياسية أو طبيعة النتائج الانتخابية، أو نوعية القيادات الحزبية المعينة أو كثرة أو تقلص عدد مكونات الائتلاف الحكومي، بل هي بالأساس تنبع من رحم مخزني يخضع لتقاليد في الحمل والولادة عريقة في القدم، ومتشبعة بثقافة سلطوية مترسخة، بدليل أن مقر رئاسة الحكومة مازال ضمن أسوار تواركة، مدينة المخزن المحرمة. والسؤال المطروح بالتالي هو إلى أي حد ستتجاوز حكومة بن كيران المقبلة المنطق السياسي الذي تحكم في تشكيل حكومته الأولى بنسختيها؟ وإلى أي حد سينعكس تجديد الثقة الشعبية في حزبه وفوزه بما يفوق 125 مقعدا على مكونات هذه الحكومة، خاصة بعدما تم تحديد معالم طريقها من خلال مصادقة المجلس الوزاري برئاسة الملك على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2017، والموافقة عليها من خلال آخر مجلس حكومي انعقد قبيل الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر 2017 ؟؟ !!.