12 أكتوبر, 2016 - 06:21:00 قبل خمس سنوات من الآن، وقف عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، في مقر حزبه بالرباط، وقال للصحافيين: ''إن وزارات السيادة مفهومة وغير معروفة، لأن الوزراء -كما قال- يقترحهم رئيس الحكومة والملك هو الذي يعينهم"، ليتساءل "فأين هم إذن وزراء السيادة؟ في الحقيقة لا أعرف كيف سيتم تدبير الأمر، لكن لا أخفي عليكم أننا سنبقى نسير في اتجاه المبادئ التي اختارنا الناس من أجلها وهي أننا خطونا خطوة حقيقية في الاتجاه الديمقراطي". انتهى كلام بنكيران. حديث بنكيران عن وزارات ''السيادة'' كان عقب فوز حزبه بالمرتبة الأولى في انتخابات 25 نونبر 2011، وهو نفس ''الفوز'' الذي تحقق خلال انتخابات 07 أكتوبر 2016، ففي الوقت الذي سيبدأ فيه بنكيران مشاوراته السياسية لتشكل فريقه الحكومي، طفت على الساحة السياسية تساؤلات عديدة بشأن ملامح الأطراف التي ستمسك بمقاليد "وزارات السيادة" في الحكومة المقبلة إن كانت أطرافا سياسية متحزبة أو مستقلة وبعيدة كل البعد عن هذه التجاذبات. ويرى مراقبون أن النظام السياسي المغربي تحكمه ''الميزاجية'' فهو يمنح بيد ويأخذ بالأخرى، ولا يستبعد الكثيرون إمكانية تنازل بنكيران، عن بعض "وزارات السيادة" في الحكومة المقبلة، والسماح لشخصيات محسوبة على القصر ب''اقتناص'' أهم الحقائب، وذلك في إطار خلق التوازن المطلوب. سياسي تابع للقصر المعطي منجب، المؤرخ والاستاذ الجامعي، صرح لموقع ''لكم''، أن "فوز ''البيجيدي'' يجب أن يستغله إخوان بنكيران في تنزيل الدستور وتأويله ديمقراطيا، من خلال تدبير حزبي لوزارات السيادة، التي تأتي في مقدمتها وزارة الداخلية والخارجية، أي أن يقودهما سياسي منتخب وليس تقنوقراطي معين، فوزارة الداخلية لم يتكلف بها يوما تقنوقراطيا مستقلا، دائما ما كانت تمنح لسياسي تابع للقصر''. وأوضح منجب، أن تعيين امحند العنصر، أمين عام حزب ''الحركة الشعبية'' الحليف في ائتلاف عبد الإله بنكيران، على رأس وزارة الداخلية، خلال النسخة الحكومية الأولى، كانت خطوة إيجابية على اعتبار أن القطاع كان يرفض الحزبيين ويدبر بشكل مباشر من طرف القصر الملكي، وهذا ما تم إذ عادت الأمور إلى نصابها، وتم تعيين محمد حصاد، على رأس وزارة الداخلية، فرغم ترؤس ''العدالة والتنمية'' للحكومة، إلا أن علاقة الحزب مع وزارة الداخلية أظهرت كما لو أن هذه الوزارة خارج دائرة سلطة رئيس الحكومة. ويضيف منجب: "هناك وزارات تظل تحت أعين القصر، فرغم كل ما فعلته الداخلية من قرارات سياسية لإضعافه وإنهاكه، كتخفيض العتبة و''تجييش'' العمال والولاة لصالح "البام"، فعوض أن يتراجع كما كان منتظراً، فاز ب 125 مقعدا، وتَفوق على ''البام'' وعلى النظام الانتخابي أيضا، الذي خُصص لإِضعاف الحزب الأكبر، لأن النظام في المغرب لا يتحمل وجود حزب قوي في النسق السياسي''. خرق للقانون والدستور من جهته، اعتبر المحلل السياسي، عبد الرحيم العلام، أن من المؤكد أن يحافظ القصر على وزاراته الأساسية بما فيها وزارة الأوقاف والداخلية في النسخة الحكومية المقبلة، لكن ما ينبغي أن يكون هو عدد قليل من الوزراء بمسؤوليات محددة، متسائلا في السياق ذاته: ''هل سيعود أخنوش وبلمختار للحكومة المقبلة؟''. واعتبر ذات المحلل، أن حضور الوزراء المنتدبين في الحكومة خرق للقانون وللدستور، لأنه لا يوجد في الدستور عبارة ''وزير منتدب'' هناك كاتب الدولة، مشيرا إلى أن ''المشكل في المغرب يكمن في الهيكلة الحكومية، التي تقوم على أساس ''ترضية'' الفرقاء السياسيين وتوزيع ''الكعكة'' الحكومية. ولفت العلام في حديثه أن ''الدستور يمنح الحرية الكاملة لبنكيران في تشكيل أغلبيته الحكومية، وسيكون في حاجة فقط إلى فريق قوي ومنسجم، أي تحالف ينبني ويأخذ بعين الاعتبار ''مبدأ الانسجام والتكامل''. التسلط السلطوي.. على صعيد آخر، صرح المحلل الإقتصادي، فؤاد عبد المومني، أنه لحد الآن، ليس هناك مؤشرات واضحة، وإذا تحدثنا سنكون إزاء تخمينات لا أكثر لأننا أمام نظام سياسي يحكمه مزاج متقلب وغير قار، قبل أن يلفت قائلا: ''بنكيران وحزبه في وضعية جد ''مريحة'' تقتضي منه تحقيق نتائج أكبر ورفع سقف الرهان السياسي إلى أقصى درجة، لأن الواضح الآن، أن وزارات السيادة تخلق عراقيل ''حقيقية'' للعمل الحكومي، من حيث حجم الوزارات التي يتحكم فيها القصر. وكشف المتحدث ذاته، عن أن ''بعض الأسماء عبرت بشكل واضح عن عدائها الشديد للحكومة الحالية، وللبيجيدي بالدرجة الأولى، مثل محمد حصاد، وزير الداخلية، وعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، ومن الصعب أن يتواجد هؤلاء في النسخة الحكومية المقبلة. وتحدث المومني عما اعتبره ''مؤشرا مهما للمرحلة المقبلة، ذلك أن على بنكيران أن يتشبث بوزارات السيادة كما كان الحال خلال سنة 2012، لأننا نعيش نفس الظروف السياسية ونفس الوعي ''السياسي''، فالتقنوقراط يجب أن يكون ثابتا أي أن يكون تابعا لرئيس الحكومة، وليس تابعا للقصر الّلهم إلا إذا كنا أمام حكومة ملكية''. وتساءل المومني في ذات السياق، عن مدى مشروعية الحكومة إذا كانت تقبل زواج الديمقراطية والحكم المطلق، وبنكيران لا يمكنه أن يقبل "السلطوية"، مذكرا ''كنا نعرف العثماني في الخارجية لم يكن يتمتع باستقلالية القرار، صحيح، كان هناك انطباع بأننا أمام حكومة لها غطاء سياسي وتتمتع بشرعية، إلا أن الأمور كانت تدبر من طرف القصر على الأقل كنا إزاء ممارسات رمزية يكون لها بعض المفعول في مرحلة معينة''. وختم المومني تصريحه مسجلا ''النظام في المغرب لم يعد يرضى برمزية السياسي، وهذا ما يجعل بنكيران أمام امتحان كبير للتمرد على وصاية النظام"، مضيفا ان "فعالية الحكومة تتمثل في استقلالية قراراتها تجاه ما اعتبره التسلط "السلطوي''.