بعد ثمان سنوات في المعارضة يعود المحافظون البولونيون المشككون في الاتحاد الأوربي الى السلطة، على إثر الفوز الذي حققه حزبهم "القانون والعدالة" خلال الانتخابات العامة، نهاية الأسبوع الماضي، ب 1ر39 في المائة من الأصوات وفق النتائج الأولية. ومن شأن هذه النتائج، والتي لديها هامش خطأ من نقطتين فقط، أن تمكن الحزب من تشكيل الحكومة بمفرده، بدون البحث عن تحالفات. فنسبة 1ر39 في المائة من الأصوات تمنحهم أغلبية مقاعد البرلمان أي 242 من أصل 460. وفي المقابل؛ يعود حزب اليمين الليبيرالي "القاعدة المدنية" الى صفوف المعارضة، بعد ثمان سنوات في سدة السلطة، مهيمنا على المشهد السياسي. وقد اعترفت زعيمته، رئيسة الوزراء إيوا كوباسز، بالهزيمة؛ وأعلنت عن تسليم السلطة للفائزين، بعد أن حصل حزبها فقط على 4ر23 في المائة من الأصوات أي 133 مقعدا فقط. وفي صفوف حزب "القانون والعدالة"، الفائز صرح جاروسلاف كاسينسكي، منتشيا بفوزه، قائلا إنها المرة الأولى، منذ سقوط الشيوعية في بولونيا العام 1989، سيحكم حزب بمفرده بدون تحالفات. وياروسلاف كازينسكي هو الأخ الشقيق للرئيس البولوني السابق ليش كازينسكي، الذي لقي حتفه في حادث تحطم طائرة في سمولينسك، بروسيا في أبريل 2010. ويعتبر كازينسكي رجل سياسة محنك، وقد لعب على عنصر التشبيب في الحياة السياسية في البلاد، بدء من تقديم حزبه خلال الانتخابات الرئاسية لمايو الماضي، لمرشح شاب هو أندري دودا (43 سنة)، والذي فاز في على حساب الرئيس الخارج برونيسلاف كوموروفسكي. كما أنه قدم لمنصب رئيسة الوزراء بياتا سزيدلو (52 سنة) والتي ستخلف رئيسة الوزراء الحالية إيوا كوباسز. وساهم ذلك؛ علاوة على خطاب الحزب التجديدي، في جلب أصوات الناخبين المترددين، والناخبين الناقمين على السياسة الليبيرالية المنتهجة منذ ثمان سنوات، على الرغم من تحقيق البلاد لنتائج اقتصادية جيدة في عهد الليبيراليين، حيث بلغ النمو في المتوسط 5ر3 في المائة، وتراجعت البطالة بشكل كبير في بلد تبلغ ساكنته 38 مليون نسمة. وقد فاز المحافظون، في هذه الانتخابات أيضا، بعد تقديمهم لوعود؛ من قبيل الرفع من التعويضات العائلية وتخفيض سن التقاعد من 67 في المائة الى 65 في المائة، وتخفيض الضرائب على الأسر المتوسطة والمقاولات الصغيرة، ثم مجانية العلاج بالنسبة للاشخاص الذين يفوق سنهم ال 75. واستغل المحافظون، لفائدتهم، أزمة اللاجئين في أوروبا حاليا، من خلال اللعب على وترها الحساس، ليعلنوا رفضهم استقبال اللاجئين، وبالخصوص حصة ال10 آلاف التي يريد الاتحاد الاوروبي من بولونيا استقبالها، وهي الحصة التي قبلت الحكومة الحالية فقط ب7000 منها في حين يرفضها المحافظون جملة وتفصيلا. وأوغل يروسلاف كازينسكي في إثارة وتر رفض الاجانب من خلال حديثه عن "مخاطر وبائية" قد يحملها معهم اللاجؤون. وصرح ويتولد واسزيكوفسكي ،العضو في الحزب، قائلا "إذا ارادت أنجيلا ميركيل اللاجئين بإمكانها إرسال بواخر الى اليونان ونقلهم لبلدها، لكن بالنسبة لنا فجميع الذين يعبرون الحدود الأوروبية، بدون تأشيرات، نعتبرهم مهاجرين سريين". وخلف هذا الخطاب يكمن رفض المحافظين لأي سعي لبروكسيل لفرض حصة لاجئين في بولونيا، وينبئ ذلك بمواجهات مقبلة بين وارسو وبرلين وبروكسيل حول موضوع اللاجئين. وعلى إثر فوز المحافظين يتوقع المراقبون أيضا بعض التوتر في العلاقات مع فرنسا وبينها وبروكسيل. فالمحافظون يعتزمون فتح ملفات ساخنة، من قبيل إعادة النظر في المفاوضات مع الشركة الأوروبية للطيران ايرباص لشراء 50 مروحية من طراز "كارافال"، والتي يعتبر المحافظون ان عقدها يكتنفه غموض كبير. والملف الثاني هو المناخ والمخطط الاوروبي لتخفيض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري قبل قمة باريس لنونبر المقبل. وقد صرح ويتولد واسزيكوفسكي أنه، بعد تشكيل الحكومة البولونية الجديدة، سيتم اعادة النظر في هذه المساهمة، مضيفا أنها تتضمن الكثير من التقنينات في وقت وجيز بالنسبة للموارد المنجمية، خصوصا وان البلد من اكبر المنتجين في اوروبا للفحم الحجري والمعادن الاخرى. كما يتوقع أن تسعى الحكومة الجديدة لاسماع صوتها في ملف آخر هو الأزمة الاوكرانية، والسعي الى رفض رفع العقوبات الاوروبية المفروضة على موسكو، وهو ما قد يزيد في فتيل التور في العلاقات بين وارسووموسكو، التي ليست على ما يرام منذ اندلاع الازمة في شرق اوكرانيا، في ابريل 2014. * و.م.ع