سنحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء على جانب مهم من الجوانب التاريخية للحركة الريسونية شمال المغرب، يتعلق بمسألة علاقاتها الديبوماسية مع القوى الأجنبية التي استهدفت الضغط على المخزن، واستخدامها كورقة رابحة زادت من تأزيم و ضعية البلاد بداية القرن العشرين. الريسوني والعلاقة الألمانية. بصفة عامة لا نتوفر على وثائق تاريخية كافية لفهم علاقة الريسوني بالألمان، و كل ما توصلنا إليه يعود إلى بعض الكتابات التي تحدثت عنها خاصة في فترة الحرب العالمية الأولى ما بين 1914-1918 ، ومنها ما أشارإليه والتر هاريس حول تعهد الريسوني، للمجموعة الألمانية مانيسمان بالاستفادة من أعمال التنقيب في المناطق الجبلية والتي كانت مغلقة في وجه الجنسيات الأخرى والمنقبين(1). هذه العلاقة التجارية ستفتح الباب أمام الريسوني للدخول في علاقات ديبلوماسية مع القنصل الألماني بتطوان والعرائش، أكدتها جريدة التايمز الصادرة في 3 شتنبر 1918 والتي أوردت في صفحاتها رسالة ألمانية موجهة إلى الريسوني "تتضمن وعودا بتقديم المال والذخيرة والحفاظ على مصالحه في المنطقة، مقابل حصول المجموعة التجارية على امتيازات مختلفة .(2) و لأجل التأكد من صحة هذه المعطيات يضيف هاريس أنه راسل الريسوني لاستفساره فأجاب الأخير بما يلي "إذا كان للإنجليز أو فرنسا أو غيرها من الدول المال لتقديمه، فأنا سأوافق من يدفع أكثر".(3) si l'Angleterre ou la France ou tout autre nation on de l'argent a accepterai volontaires, le plus sera le mieux'distribuer, j". ومن خلال ما أشار إليه دوسيكونزاك، فالمجموعة الألمانية كانت تهدف أيضا إلى حماية المصالح الألمانية في المنطقة، فعند احتلال اسبانيا للعرائش والقصر الكبير تدخلت المجموعة واقترحت على الريسوني تسهيل العملية لضمان مصالحها في ظل وجود دولة أوربية، لكن سرعان ما تغيرت الأمور بين اسبانيا والريسوني، الشيء الذي دفعه إلى طلب الحماية من السفارة الألمانية بطنجة ، التي تدخلت باقتراح التهدئة في المنطقة عبر مجموعة من المقترحات: * الاعتراف بنوع من الاستقلالية الذاتية للمناطق الشمالية. * تشكيل قوات محلية تحت إمرة الريسوني. * إعطاء مجموعة مانيسمان كامل الصلاحية في التعامل مع المغاربة.(4) هذه المقترحات أثارت سخط الصحافة الإسبانية وحكومتها، في حين جعلت الريسوني أكثر ثقة في الألمان، لكن سرعان ما تبخرت آماله عندما وصلت الأخبار بهزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وتراجع اهتمامهم بالمغرب، وهو ما سيشكل فرصة سانحة للإسبان للاستفراد بالمنطقة. الريسوني والإسبان يمكن تناولها انطلاقا من بداية القرن العشرين، فخلال هذه المرحلة أقدمت اسبانيا على احتلال العرائش والقصرالكبير في 8-10 يونيو 1911، وهنا تشير المصادر التاريخية أن الريسوني ساهم مساهمة فعالة في تسهيل عملية الاحتلال ، وهذا ما يؤكده إدواردو كينطانا في كتابه الأسطول الحربي الإسباني بالمغرب واحتلال القصرالكبير والعرائش بقوله "كانت فرنسا تريد الاستيلاء على مدينتي أصيلا والقصر الكبير بصفة غير مباشرة بواسطة المحلات المغربية التي كانت تحت قيادة ضباط فرنسيين، وكان الريسوني يحس بالخطر الذي كانت تشكله فرنسا على منطقة نفوذه لهذا سهل عملية الاحتلال.(5) بدوره جرمان عياش أشار إلى "أن الريسوني فضل اسبانيا لأنها لم تكن في نظره قوة عظمى كغيرها من الدول، وحيث أنها لم تكن تتوفر على قوة فإنه لم يكن يراها مهيأة لسحقه(6). وبإعلان الحماية الفرنسية سنة 1912 سيصبح الريسوني الرجل الذي تخاطبه اسبانيا في شخص الجنرال سلفستري الذي سيحاول القضاء على سلطته من خلال احتلال مجموعة من المناطق (اثنين سيدي اليمني- ثلاثاء الريصاني) بل حتى التوجه إلى مقر الريسوني بأصيلة، وهو ما سيدفع هذا الأخير إلى الفرار نحو تازروت. خلال هذه المرحلة سيجد الأسبان صعوبة في فرض سيطرتهم على القبائل الجبلية وهذا ما سيدفعهم إلى التفاوض مع الريسوني من جديد مقابل ضمانات (استمراره في السلطة، وتزويده بالوسائل اللازمة لتدعيمها). لكن هذه المرة بقيادة الجنرال "خوردانا" الذي عقد معه هدنة سنة 1915 تتلخص شروطها فيما يلي: * وضع المال والسلاح تحت إشارة الريسوني. * الاعتراف به قائدا على القبائل الخاضعة له. * توليه مسؤولية التواصل والحفاظ على الأمن مع القبائل(7). هذا الاتفاق سيجعل ساكنة المنطقة تنظر إليه كعميل للإسبان يتآمر معهم للسيطرة على البلاد، ومع مرور الوقت ستكبر طموحات الرجل وسيحاول فرض إرادته على الإسبان أنفسهم، وهذا ما سيدفع خوردانا إلى التعبير عن استيائه بقوله "يتمثلني الرأي العام كصانع للسياسة الريسونية والمدافع المتحمس عن الشريف، بالعكس لم أكن أستطيع متابعة السياسة التي فرضتها الظروف على جميع الجنرالات إلا بالتصالح معه، ولم أصل إلى ذلك إلا عبر مجهود جبار "(8). هذا التقرير يمكن اعتباره وصية سياسية من الجنرال "خوردانا" للجنرال "برنكر" الذي سينهج سياسة مغايرة تجلت معالمها في محاولة القضاء على قوة الريسوني في المنطقة بمطالبته بتقديم البيعة إلى مولاي المهدي بن إسماعيل، وهو ما أكد للريسوني أن الوعود التي تلقاها من الإسبان بتعينه خليفة سلطاني في المنطقة تبخرت، وبالتالي لم يبقى له خيار سوى إعلان الحرب، والمقولة التالية ستوضح كيف كان ينظرالريسوني إلى علاقاته مع القوى الأجنبية " الإسبان عبيدي، والفرنسيين أعدائي، والألمان حلفائي".(9) " les espagnoles sont me exlaves, les Français sont mes ennemis, les Allemands sont mes alliés" هوامش: 1-Harris(w), Le maroc….op.cit p: 192 2- 2- Ibid, p: 193 3-Hariss (W), op. cit, p: 196 4- Khalouk TEMSAMANI,"raisouni et les affrontements diplomatique "", Dar niaba , 1983.N° 13/ P: 7 5- محمد ابن عزوز حكيم: "الشريف الريسوني والمقاومة المسلحة في شمال المغرب"ج الأول. مطبعة الساحل.الرباط.1981، ص22. 6- جرمان عياش: أصول حرب الريف، ترجمة خلوق التمسماني، الرباط. 1992 ص 267. 7- Khalouk Temsamani,"" raisouni et les affrontements…" op.cit.P:10 8 -Ibid, P: 16 9- Idem.