تعتبر حرب الريف أهم بل الحرب الوحيدة التي خاضتها إسبانيا خارج حدودها خلال القرن العشرين ذلك أن هذه الأخيرة نظرا لضعفها العسكري وتخلفها الاقتصادي ومشاكلها الداخلية مقارنة مع باقي البلدان الأروبية لم تشارك في أي من الحربين العالميتين الأولى والثانية وهما الحربان اللتان لم تؤترا على الدول الأروبية فحسب، بل غيرتا المعالم التاريخية والسياسية لأروبا والعالم الذي كان تحت سيطرة القوى الأروبية المتصارعة. وبقدر ما كانت هذه الحرب، أي الحرب في شمال المغرب بالنسبة لإسبانيا متنفسها الوحيد للشعور بانها تنمي الى القارة الأروبية التي اصابتها حمى الاستعمار في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين. فإن هذه الحرب خلفت مشاكل داخلية سياسية لاحصر لها و كانت عاملا حاسما في توجيه السياسة الداخلية والمخارجية لاسبانيا نظرا للثقل الاقتصادي والاجتماعي واللوجتسيكي الذي كانت تفرضه هذه الحرب التي لم يكن المجمع الاسباني مهما بها ولامستعدا لها ولا قادرا عليها نظرا للمشاكل الداخلية التي كان يعيشها الاسبان. ولعل مقارنة بين ما تركه الفرنسيون من منطقة حمايتهم وبين ما تركه الاسبان من بنيات تحتية أكبر دليل على هذا البعد فالاسبان الأقرب الى المغرب لم يكونوا يعرفون عنه أي شيء، والمغاربة كانوا يعرفون جيدا الاسباني من بين كل المعمرين المتواجدين في المغرب خاصة الفرنسيين، وكان الاسباني في مخيلة المغاربة هو الانسان البئيس (بورقعة) وماشابة ذلك من أسماء ونعوت الفقر.. التواجد الاسباني في المغرب لم يكن بدون تبعات وبدون مشاكل فعدم كفاءة الجيش الاسباني كما اظهرت ذلك معركة أنوال وحروب أخرى دفعته الى استعمال أساليب همجية لعل ابرزها استعمال الغازات السامة على المجاهدين في شمال المغرب وعلى قراهم. في هذا الكتاب الذي ترجمته الدكتورة كنزة الغالي لمؤلفته الاسبانية ماريا روساديا مادارياغا جوانب مهمة من هذه الحرب التي استقتها من وثائق وشهادات. وهذا الكتاب المنشور لأول مرة باللغة العربية ونقدم أجزاء منه للقراء المغاربة للاطلاع على بعض من حقائق هذه الحرب التي مازالت جراحها لم تندمل عند المغاربة الذين كانوا ضحية تلك المواد السامة أو عند الاسبان الذين مازالت ذاكرتهم تختزن مرارة تلك الهزيمة التي فضحت ضعفهم أمام القوى الإمباريالية حيث أنه لو لم تستنجد اسبانيابفرنسا لكان المغاربة قد طردوها مبكر ا من شمال المغرب كان هناك تداخل بين صلاحيات هؤلاءوأولئك وكذلك في مراكز القرار العليا. كان يتوجب على المفوض السامي إخبار وزير الدولة المسؤول الأول عن كل الشؤون الأساسية والإدارية للحماية والحرب. كان هذا الخضوع المزدوج ينتج عنه أحياناً وضع مرتبك وغير سليم، خصوصاً في حالة الخلاف بين وزراء الحرب والدولة حول السياسة التي يجب نهجها في المغرب. والتموين. كان القواد يخضعون مباشرة لتعليمات وزير الحرب، وفي مرسوم 25 غشت من سنة 1919 أعطى سيلفيستري (Silvestre) صلاحيات أوسع للمفوض السامي، الذي لم يتمكن من أن يعين رئيساً للجيش بالمغرب، ويصادق عل البرامج لتطبيقها، أصبح القواد العامون ورؤساء الجيش هم المسؤولون عن إنجازها. كانت المسؤولية التي تقلدها سيلفيستري ( Silvestre) في سبتة أكبر من أن يستطيع ملاءمتها مع التزامات أخرى. كان هدف الرجلين برنغير (Berenguer) وسيلفيستري ( Silvestre) النجاح في مهمتهما، إلا أن السؤال لمطروح: ما هو الدور الحقيقي لبرنغير (سيلفيستري (Berenguer)؟ كان من الواضح أنه ليس هناك متسع للرجلين معاً. كان يجب اقتسام المكان، حتى يتمكن كل منهما التصرف بحريته في جهة نفوذه. كان برنغير على وعي تام بأن سيلفيستري ( Silvestre) إنما عين بدعم تام من سلطة الملك ليقود حملته النارية ضد الريسوني والقضاء عليه. أصبح برنغير (Berenguer) مسؤولا على الناحية الغربية، بينما سيلفيستري ( Silvestre) على الشرقية، وقد كان هذا الأخير يتمتع باستقلال أكبر. ذهب سيلفيستري ( Silvestre) بعد شهور قليلة إلى مليلية ليعوض الجنرال أثبورو Aizpuru) الذي ترقى بصفة وصولية إلى ملازم. ولد برنغير (Berenguer) بكوبا سنة 1873 بعد ميلاد سيلفيستري ( Silvestre) وكان ينتمي إلى فرقة الخيالة، وقضى فترة هامة من مساره المهني في المغرب، وكان قائداً سنة 1911 ومن بين المنظيمن الأوائل لفرق «الريغولاريس» في جهة مليلية. استدعي سيلفيستري ( Silvestre) في يونيو من سنة 1913، لقيادة هذه الفرقة التي نظمها لمواجهة حركة أمزيان المناهضة للإسبان. لكن للأسف تكبدت قواته خسائر كبيرة في لوشيان، وسرعان ما ترقى من كولونيل إلى جنرال سنة 1913، وبقي في الجهة الغربية بالمغرب إلى حين عودته لإسبانيا ليتحمل منصب نائب كاتب الأركان في حكومة المحافظ ماورا (Maura) (من 22 مارس إلى 9 نوفمبر 1918) ووزيراً للحرب بعد ذلك في ديوان الليبرالي غارسيا برييتو (Garcia Prieto) كان لسان حال العامة يقول بأنه تقلد هذه المناصب بدعم من سيلفيستري ( Silvestre) المقرب من الملك، كان الكونت رومانونيس (Romanones) وزيراً في الديوان الليبرالي الذي يرأسه غارسيا برييتو (Garcia Prieto)، لكنه لم يفلح رغم الجهود المبذولة لكي يقبل هذا الأخير التقرير الذي ألقاه أمام «الكورنيش» في 15 نوفمبر من سنة 1921، وأضاف رومانونيس «لو قبل غنثاليث أنطريا (Gonzalez Hontoria )، كان برنغير ( (Berenguer ) سيعين قائداً للجيش» ويبقى الجنزال البئيس سيلفيستري ( Silvestre) مساعداً للملك. لقد تلقفت آذان «الفرقة» إشاعة علاقة الملك هزيمة أنوال وتناقلها الأعضاء بصوت خافت بيتهم. لم يعين برنغير( (Berenguer) إلا بعد شهرين من وفاة رومانونيس (Romanones*، ويبقى التساؤل المطروح هو: ألم تكن هناك يد قوية خفية لها دورفي الموضوع؟ وبغض النظر عن ذلك رفض غونثاليث أونتوريا (Gonzalez Hontoria )، لم يكن الملك ولا العساكر يرغبون في مفوض سام مدني، وحين وصوله إلى تطوان لم يجد برنغير Berenguer) نفسه في أحسن حال في سابقيه. لقد تتبع تعليمات حكومة غوميث خوردانا (GOMEZ JORDANA) باستئناف المفاوضات التي بدأها ماورا مع الريسوني مرة أخرى بوساطة من سوغاستي (zugasti) والمترجم ثرديرا (Cerdeira)، وقد أنضاف إليهم الكولونيل باريرا (Barrera) أدت مفاوضات إلى ميثاق سبتمبر من سنة 1915، حيث تم بموجبه تعيين الريسوني على القبائل التي ستدخل لاحقاً تحت إمارة المخزن، دون أن يفرض عليه الانحناء أمام الخليفة، وقد توصل الشريف بتعويضات مالية هائلة بلغت 200 ألف بسيطة شهرياً لاستتباب الأمن، بالإضافة إلى السلاح والعتاد. استطاعت القوات الاسبانية بفضل مساعدته أن تقوم ببعض العمليات دون مشقة بعد الاستيلاء على زنات وشللا. اقترح المفوض السامي الدخول إلى فندق عين جديدة بمساعدة الريسوني، إلا أن هذا الأخير كان قد استقر بالمكان دون أن يخبره. استساغ غوميث خوردانا (Gomez Jordana) الحدث، لأن الأمن عم المنطقة بفضل مساعدة الريسوني الذي كان ينتقل بين تطوان وطنجة كحاكم حقيقي، أصبح الآمر والناهي الذي يتصل مباشرة بالمفوض السامي متجاوزاً الخليفة. كان غومس (GOMEZ) يقبل هذا الوضع على مضض وقال في إحدى مراسلاته «يجب أن أتذلل من أجل مصلحة الوطن ». وفي 16 من شهر مايو سنة 1916، حصل اللقاء المشهور بالفندق بين غوميس (Gomez) والريسوني، بعث ببرقية إلى رومانونيس (Romanones)، رئيس المجلس، يقول فيها: «الشريف رجل صعب المراس، طبعه حاد وشديد الشك والحذر لابد من التحلي بالصبر والتأني لمحاورته حتى لاتنتهي المقابلة بعد خمس دقائق من بدايتها . اعتبرت أحداث بيوت في 29 يونيو من سنة 1916، العملية الوحيدة في المنطقة الغربية خلال فترة مسؤولية غوميس خوردانا Gomez Jordana) التي واجهت فيها الجنود الإسبانية بعض أفخاذ القبائل التي كانت تعارض الإسبان بدعم من رجال محلة الريسوني «لقد لقيت هذه العملية انتقادات شديدة في إسبانيا، نظراً لخسائرها الكبيرة، من القواد والجنود دون أن يتم القضاء على مقاتلي أنجرة. كان الريسوني خلال الحرب العالمية الأولى مضطراً لعقد علاقات طيبة مع إسبانيا، بينما كان يعمل لجعل ألمانيا تتدخل لتحرير المغرب من الحماية الفرنسية والإسبانية، في الوقت الذي كانت السياسة التي تنهجهنا الحماية في المغرب تتسم باحترام الريسوني حتى تتضح معا لم السياسة العالمية، كما أن المشاكل السياسية الداخلية (تكتلات عسكرية وإضراب عام وتمرد سنة 1917) دفعت إلى انتهاج مبدأ اللامبالاة (دع الأشياء تمر كما هي) في المغرب. كان من المتداول كذلك أن جل جنود القوات الإسبانية يتعاطفون مع ألمانيا ويغضون الطرف عن بعض الدسائس التي يمكن أن يخطط لها نشطاء ألمانيون في المنطقة، أو مغاربة متعاطفون معهم، مثل عبد المالك، إذ كانت عملياتهم في الغالب موجهة ضد الفرنسيين. كان لهزيمة ألمانيا واتفاقها مع فرنسا في 11 نوفمبر من سنة 1918 أثراً على إسبانيا، سقطت حكومة ماورا وخلفه الليبراليون الذين كانوا يميلون إلى الفرنسيين ويشاركون في عمليات الدولتين في المغرب. تغيرت سياسة التعامل مع الريسوني بوصول برنغير(Berenguer) إلى تطوان من بني قريش التي استقر بها كتب هذا الأخير في 22 من شهر فبراير سنة 1919 رسالة إلى الكولونيل غوميس سوزا ( ابن الجنرال غوميث خوردنا (Gomez Jordana) ورئيس الأركان العليا للجيش في إفريقية، عبر فيها عن تذمره من تعامل القوات الإسبانية تجاه شخصه. توجه الريسوني مباشرة بعد ذلك نحو برنغير Berenguer) ليرحب به، ويعبر له عن استعداده لمساعدته، حيث وضع نفسه رهن إشارته بعبارات فضفاضة ومبهمة. كان يود أن يوكل له أمر محلته للسهر على الأمن في المنطقة دون تدخل إسبانيا. أجابه برنغير Berenguer) شاكراً له مبادرته داعياً إياه إلى لقاء ثنائي بينهما لوضع خطة من أجل نصرة عزة الإسلام، ولم يكن ليتعاون مع الشريف لو علم أن السلطان يرفض بأن يكون خليفة له. اعتزل الريسوني في مقره بتازروت، ولم يكن في نيته الامتثال لطلبات المفوض السامي الجديد، مما يعني في الواقع القطيعة والاستعداد للحرب. لم يتأخر اندلاع المواجهات إلى حدود أبواب تطوان، قرر برنغير القضاء على الريسوني، فعمل على استقطاب روساء القبائل المعادية له واستمالتهم خصوصاً قبيلة أنجرة التي كانت أشدها كراهية له. كان برنغير (Berenguer) معجبا بالمارشال ليوطي (Lyautey) وسياسته في منطقة الحكم الفرنسي، فأراد تطبيق سياسته وتوجهاته في منطقته، ولأن هذا الأخير كان يعتبرهما متلازمين، لم تكن سياسة المفوض تعتمد على استعراض العضلات أمام العدو، بقدر ما كانت تريد أن تنتزع منه أسباب القتال. كان شعاره «عدو اليوم صديق الغد». اكتشف الإسبان أن هذه السياسة لم يكن لها مكان في تعاملهم مع الريسوني، لكن يمكن تطبيقها مع الآخرين، وقد عمل على تطبيق هذه السياسة العقيد الذي يعتبره المحللون التاريخيون بمهندس التغلغل السلمي، دعا برنغير (Berenguer) إلى «الاستقطاب السياسي» والهدايا والمناصب في جهاز المخزن والنقود والامتيازات من أحسن الوسائل للسيطرة على المسلمين، لأن نقطة ضعفهم كما هو معروف الطمع». استولى برينغيل (Berenguer) بفضل هذه السياسة على بعض القبائل مثل أنجرة، الأمر الذي سهل السير نحو فندق عين جديدة، وقد تم الاستيلاء عليها في 6 من شهر أكتوبر سنة 1919، كما تم التوغل في قبائل جهة العرائش نهاية سنة 1919 وبداية سنة 1920، كما تم الاستيلاء أيضا على مرتفعات الغوروغو؛ الأمر الذي مكنه من التقدم نحو الجنوب، وتضييق الخناق على الريسوني، وفي 25 من شهر يونيو استولى على بني قريش، حينما رسخ هذا الأخير حركته وللتقدم نحو غمارة التي كان يجب على برينغير دخولها؛ وزع هذا الأخير الهدايا والعطايا والنقود على المتعاونين، ومن كان مع أصدقاء إسبانيا، ومن بينهم، نذكر الشريف البقالي، الذي كان له صيت ذائع في المنطقة ثم التوغل في بعض المواقع، بفضل مساعدة الشريف البقالي وبعض معاونيه، كان الهدف هو الاستيلاء على الشاون لإضعاف المقاومة. تقبل عدد من رؤساء القبائل النقود والبنادق والذخيرة من الإسبان، بينما واصل الآخرون عداءهم لإسبانيا، وفضلوا مواجهتها، لم يكن التدخل في غمارة في تلك الظروف أمرا هينا، كما كان يراد إيهام الرأي العام، اندفعت القوات الإسبانية في 20 من شهر سبتمبر