ابتداء من 15 أكتوبر دخل القانون الاسباني الجديد المتعلق بالجنسية حيز التنفيذ. التعديل الجديد ارتكز بالخصوص على الجانب المادي حيث بدأ العمل بدفع الرسومات عند تقديم الطلب. حوالي 300 إلى 500 يورو( حسب الجنسية التي يحملها المهاجر) بغض النظر طبعا عن إمكانية الحصول على الجنسية أو عدم الحصول عليها. هذا بالإضافة إلى اجتياز امتحانين الأول يتعلق باللغة و القدرة على استعمالها، و الثاني يتعلق بالمعرفة العامة الخاصة بالثقافة الاسبانية عامة ( التاريخ، الأدب، الفن، السياسة، الجغرافية و الرياضة). و مقارنة بالقانون السابق فطالب الحصول على الجنسية كان معفيا من دفع الرسومات، لكنه مع ذلك كان يخضع لأسئلة عامة من طرف القاضي قبل تأدية اليمين. الذي لم يتغير في قانون الجنسية هي المدة القانونية التي يجب أن يقيمها المهاجر باسبانيا قبل تقديم طلبه و هذا يختلف حسب جنسية كل مهاجر. فالجنسية يمكن طلبها بعد عشر سنوات من الإقامة القانونية بالتراب الاسباني دون انقطاع و في هذه الفئة يدخل المهاجرون من أصل مغربي. بينما يستثنى منها الأجانب اللاجئين و هم يحتاجون إلى إقامة خمس سنوات بوضعيتهم تلك دون انقطاع. و بالنسبة لمواطني إيبيرو أمريكا، أندورا، الفلبين، غينيا الاستوائية، البرتغال و من هم من أصل السفا رديم يحتاجون إلى إقامة سنتين متواصلتين. أما الذين يولدون باسبانيا فيحتاجون إلى سنة واحدة فقط من أجل الحصول على الجنسية الاسبانية. هذا فيما يتعلق فقط بشرط مدة الإقامة القانونية. أما عندما يقدم الطلب فقد تصل مدة الانتظار حتى الحسم إلى خمس سنوات، لكن هذا التأخير يطال بالدرجة الأولى المغاربة. لكن من بين الأهداف المتوخاة من فرض الرسوم حسب تعبير الحكومة الاسبانية الحالية هو تحسين الظروف و الخدمات لدراسة ملفات طلب الجنسية و الإسراع في الحصول عليها. بينما تعتبرها المعارضة نتيجة خوصصة السجلات المدنية التي أقدم عليها الحزب الشعبي ضمن سياسة الخوصصة التي اتبعها في عدد من القطاعات الحيوية العامة مثل الصحة و التعليم. لكن بالنسبة لإثقال عبئ المهاجر في دفع الرسومات لم يحصل فقط مع طلب الجنسية، بل حتى مع تجديد الإقامة حيث تمت مضاعفة الرسوم و ليس لذلك أي تفسير قانوني في بعض الرسوم سوى اعتبارها مصاريف تساهم في تحسين الخدمات و تسريعها حسب تصريح وزارة الداخلية الاسبانية، الشيء الذي لا يمكن لمسه على أرض الواقع. من جهة فإن الدولة بهذه الرسومات الجديدة المفروضة على طالب الجنسية سوف تجني حوالي 52 مليون يورو خلال خمس سنوات. لكن من جهة أخرى فقد صعبت الأمر على شريحة كبيرة من المهاجرين خصوصا الفئة ذات التحصيل العلمي البسيط أو التي لا تعرف القراءة و لا الكتابة و هذا الأمر يتفاوت بين المهاجرين حسب الناطقين بالاسبانية و هم الإبيرو أمريكيون و عدم الناطقين بها و هم باقي الجاليات. فالفئة الأولى لا تخضع لامتحان اللغة و هي معفاة منه بل و من الرسوم الخاصة بهذا الامتحان و التي قد تصل حتى 200 يورو أما الفئة الثانية فامتحان اللغة بالنسبة لها هو إجباري. و هنا يصبح تعلم اللغة الاسبانية إجباريا. لكن المشكل الذي يطرح هنا هو أن الدولة سواء تعلق الأمر بالحكومة المركزية أو بالحكومات المستقلة لم تعد توفر مراكز لتعلم الاسبانية مجانا بسبب سياسات التقشف التي اتبعتها منذ بداية الأزمة و لم تبقى سوى مساهمات محدودة لبعض الجمعيات التي تعنى بشأن المهاجرين. هذا طبعا سوف يفتح شهية عدد من السماسرة في خلق مراكز خاصة لتعلم اللغة الاسبانية و تهيئ المهاجر لاجتياز امتحانات الجنسية. المغاربة هم أكبر جالية التي سوف يقع عليها حيف هذا الإجراء لأنهم يتأخرون كثيرا في التأقلم مع اللغة الاسبانية و هذا راجع طبعا لمستواهم الثقافي و تحصيلهم العلمي فنسب الأمية المرتفعة في المغرب تنعكس بالضرورة على المهاجرين المغاربة في الخارج و هذا ينعكس بدوره على مدى اندماج الجالية في المجتمع الأوروبي. السؤال المطروح هو هل الحكومة الاسبانية توخت من خلال تعديل قانون الجنسية اختيار الفئة الأكثر نفعا لمنحها الجنسية أم هناك اعتبارات أخرى. و هل الدافع المادي هو أساس هذا التعديل في زمن الأزمة. قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن ألقي نظرة سريعة على التطور الأخير الحاصل في أوروبا و المتعلق بنقل الإرهاب إلى قلب أوروبا و تنامي التعصب و العنصرية في المجتمع الغربي خصوصا بعد تورط عدد من أبناء الجالية العربية المسلمة في أعمال الإرهاب و هم على العموم من الجيل الجديد و الحامل للجنسية الأوروبية، الشيء الذي دفع بعض دول أوروبا مثل فرنسا إلى تجريد المتورطين من جنسيتها. هذا بالإضافة إلى أن الأزمة الخانقة التي زعزعت استقرار أوروبا الاقتصادي و السياسي جعلت من المهاجرين عبئا ثقيلا عليها مما استدعى نهج عدد من السياسات المخالفة لمبدأ حقوق الإنسان من أجل التخلص من المهاجرين الذين وقعوا ضحية الأزمة الاقتصادية و فقدوا عملهم و بيوتهم بسبب تخلي أوروبا عنهم و صمت حكومات بلدهم الأصلي. خير مثال على ذلك هو قانون العودة الطوعية الذي سنته حكومة الحزب الاشتراكي الاسباني سنة 2008 و صمتت الدولة المغربية عنه و لم تحرك ساكنا لحماية حقوق المواطن المغربي. يمكن القول أن أسباب التعديل الجديد لقانون الجنسية الاسباني ليس فقط لضمان اندماج كامل للمهاجرين بل لاعتبارات أخرى سياسية و ايديلوجية. أما عن الدافع المادي فهذا أكيد و إلا لاكتفت الحكومة باجتياز الامتحانات دون فرض الرسوم. و تجدر الإشارة أيضا إلى أن البرلمان الاسباني صوت أيضا على قانون الجنسية الذي قدمه وزير العدل السابق ألبيرطو رويز جياردون بخصوص منح الجنسية لليهود المنحدرين من اليهود الذين طردوا من إسبانيا في القرن الخامس عشر مع تمكينهم من حق الاحتفاظ بالجنسية التي يحملونها. و بهذا الخصوص فهناك مهاجرين تمنحهم إسبانيا الحق في الاحتفاظ بجنسيتهم الأصلية رغم الحصول على الجنسية الاسبانية. و هذا لا ينطبق على المغاربة الذين يفرض عليهم التخلي على جنسيتهم المغربية أثناء أداء اليمين.