أعلنت المندوبية السامية للتخطيط الثلاثاء الماضي 13 أكتوبر 2015 عن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014. إحصائيات أسدلت الستار عن معطيات وحقائق صادمة، منها نسب يمكن تقبلها بصعوبة، والمتعلقة بكل من نسبة الأسر المتوفرة على سواء المنازل أو الحاسوب أو شاشة التلفاز أو الهاتف النقال أو وسيلة النقل أو التنقل... ونسب أخرى لا يمكن للبيب التصديق بها، من قبيل نسبة البطالة بالمغرب ونسبة الأمية، ونسبة المتكلمين بالدارجة المغربية، وكذا نسبة المتحدثين باللغة الأمازيغية بالمغرب. إن ما يهمنا بالدرجة الأولى في هذه المقالة هو نسبة المتكلمين باللغة الأمازيغية استنادا إلى إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، إذ بلغت نسبة ساكنة المغرب المتحدثة بالأمازيغية 27 في المائة، في حين أن أغلبية المغاربة، 89.8، تتحدث الدارجة المغربية في المقام الأول، فيما 99.4 هي نسبة المغاربة المتعلمين الذين بمقدورهم قراءة وكتابة اللغة العربية. طبيعة هذه الأرقام جعلتنا، نحن المهتمين بالشأن اللغوي بالمغرب، نطرح أسئلة كثيرة تهم بالدرجة الأولى مصداقية نسبة الناطقين بالأمازيغية بالمغرب الكبير، في ظل الدستور الجديد لسنة 2011 الذي نص في فصله الخامس على أن "اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمغرب، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، إلى جانب اللغة الأمازيغية التي تعد هي الأخرى لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء". المقصود من دسترة اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية هو العمل على تطويرها وإدماجها في المنظومة التعليمية المغربية، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، من أجل تعلمها واكتسابها من قبل الناطقين بغيرها، لاسيما تلقين حرف تيفيناغ لتلامذة السنة الأولى ابتدائي حتى يصلها حقها من الاهتمام والرعاية، وحتى تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها باعتبارها لغة رسمية. غير أن المفارقة العجيبة التي تحير أذهان البالغين هي هذا التناقض غير المفهوم والمشكوك في أمره بين نسبة إيمازيغن بالمغرب والمجهودات الجبارة التي تبذلها الدولة بغية الرفع من قيمة الأمازيغية أكاديميا وإعلاميا وهوياتيا. فإذا كانت الدولة، فعلا، تسعى نحو الرفع من نسبة الناطقين بالأمازيغية، من خلال تلقينها لتلامذة السنة الأولى ابتدائي في ثلة من المدارس الوطنية، فما كنا لنسمع بهذه النسبة الخجولة للمتكلمين بالأمازيغية.. فإلى جانب إدماج الدولة اللغة الأمازيغية في المنظومة التربوية المغربية، لأنها باتت لغة رسمية إلى جانب العربية، فهناك أيضا المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أسس سنة 2001 من أجل النهوض بالأمازيغية لغة وثقافة وحضارة وفنا وهوية، دون أن ننسى قناة ثامازيغث أو القناة الثامنة كما تسمى إعلاميا، التي أسست استجابة للأصوات الملحة على ضرورة إحياء التراث الأمازيغي، باعتباره رافدا من روافد الثقافة المغربية، وكلها مؤشرات ستدل على تزايد نسبة الناطقين بالأمازيغية ونسبة متعلميها دون شك، غير أن العكس هو ما حصل اليوم بعد الاطلاع على نتائج أحمد الحليمي، إذ كيف يعقل أن تكون نسبة الناطقين بالأمازيغية، سواء بتاشلحيت بسوس، أم بتمازيغت بالأطلس المتوسط والأطلس الكبير الشرقي والجنوب الشرقي، أم بتاريفيت بالريف، هي 27 في مائة؟ وهل يا ترى سيصدق عقل سليم صحة هذه المعطيات غير السليمة؟ وما هي طبيعة السؤال المدرج في استمارة الحليمي بخصوص الأمازيغية؟ وكيف تقبل أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هذه المعطيات التي تضرب بعرض الحائط كل المجهودات التي يبذلها المعهد منذ تأسيسه؟ أسئلة وغيرها تجعلنا نوقف عقارب الساعة للحظات عند هذه النتائج الصادمة والمقصية للإنسان الأمازيغي في الأرياف والمدن والحواضر على حد سواء، بالرغم من التضحيات الجسام التي قدمها المقاوم الأمازيغي في الجبال إبان الحماية الفرنسية للمغرب، والمجهودات التي بذلها من أجل تحرير الوطن من أيادي المستعمر الغاشم. هذه النسب التي لم يتوقعها المكون الأمازيغي بالمغرب، خلال الإعلان عن النتائج، هي التي دفعت بجمعيات أمازيغية من مختلف المدن المغربية لتنظيم وقفات احتجاجية تنديدا بالنتائج غير النزيهة وغير العادلة، حيث اعتبرت "العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان"، في تصريحها لأحد المواقع الإلكترونية، هذه النتائج عنصرية وبعيدة عن النزاهة والمصداقية ومجانبة للصواب كذلك، وبالتالي يكون الأمازيغ بالمغرب، استنادا إلى هذه الإحصائيات "الحليمية"، نسبة إلى الحليمي، أقلية قليلة. الغريب في نتائج الحليمي المبيتة لإحصائيات 2014 أنه قسم الأمازيغية إلى ثلاث لهجات، تامازيغت بنسبة 7.6 في المائة، ثم تاشلحيت بنسبة 15 في المائة، وكذا تاريفيت بنسبة 4.1 في المائة، دون أن يقسم الدارجة، التي يتكلم بها 89.8 في المائة من المغاربة، هي الأخرى إلى دارجات، على اعتبار أن العامية المغربية ليست واحدة، بل هناك دارجة خاصة بكل منطقة وبكل مدينة وبكل جهة.. كما أنه حصر الأمازيغ في المغرب في البقع الجغرافية التالية: الريف، سوس، ودرعة تافيلالت، دون الإشارة إلى مناطق الأطلس المتوسط التي تشكل لوحدها على الأقل 27 في المائة من المتكلمين بالأمازيغية.. ثم لماذا لم يدرج الحليمي في استمارته سؤال "هل تتحدث اللغة العربية الفصيحة" ما دمنا في دولة عربية وإسلامية؟ صدق كاتب ياسين حينما قال "إن كنا عربا فلما تعربوننا، وإن لم نكن عربا فلما تعربوننا.."