بعد النتائج المفرزة يوم 4 شتنبر 2015، وما واكب ذلك من نقاشات قوية ومتعددة تتعدد بتعدد رؤية أصحابها، والموقع الذي يختارونه من اجل مقاربتهم للوضعية وللقضية عامة، فلا بد أن يكون هناك مداخل للتقييم وأسسه، أساسها الهدف من التقييم في ظل التقاطبات والصراع المحموم بين الطبقات، والتوجهات التي يعرفها المجتمع المغربي، مجتمع يختلف شكله عن عمقه، وظاهره عن باطنه. أن نتفق على المدخلات من اجل القدرة على بناء مخرجات للوضع في أفق البناء السليم والقويم الذي نأمله جميعا. وبذلك سيكون لنا صدر رحب لن يضيق من أراء بعضنا البعض، ودون الشعور بالاشمئزاز في اختلاف هذه الاراء وتعددها، لأننا من المفروض أننا ديمقراطيون، وهو الجوهر والعمق الذي بدونه لا يمكن أن يكون هناك تقييم حقيقي لما جرى ولما هو قادم، لأنها الدعامة الأساسية التي تحمل على عاتقها ثقل ووز توجهات واختيارات الجميع بصدقيتها، في عفويتها وفي توجيهها. إن ما نتج عن الانتخابات المحلية والجهوية وقبلها انتخاب المأجورين والغرف المهنية، وما جرى بعدها من انتخابات مجالس العمالات والأقاليم ومجلس المستشارين في نسخته الجديدة وفق دستور 2011، يجعل كل اتحادي غيور صادق أن ينظر الى نتائج الحزب بتقييم حقيقي وصريح. بل لا يمكن لأي مغربي إلا أن يساءل وضعية حزبنا، وهو شيء معقول وموضوعي لما يمثله الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من موروث ومن رمزية ومكانة في التاريخ النضالي للمغرب الحديث والمعاصر، رصيد الذي ظل الملجأ، والعملة التي نستعملها إلى حد الجشع سواء لتبرير الإخفاق أو لبيان مصداقية وقوة الحزب، الى الحد الذي اصبح معه هذا الاستعمال للمخزون التاريخي ينفذ، ويحتاج بالتالي إلى تجديد بانجازات وتراكمات تكمل وتحيي هذا الموروث المشترك، وتطور هذا التراكم والاعتماد عليه لتحقيق انجازات، يحق للأجيال اللاحقة أن تستعملها هي أيضا، كما نستعمله نحن اليوم للحجية بمصداقية مسار وتضحيات الحزب من جهة. ومن جهة أخرى هل طبيعة النتائج سبب موجب للتجريح والقذف وتبادل التهم وتحميل المسؤوليات؟. أكيد كديمقراطيين ونحن من نادى بذلك، علينا أن نربط دائما مبدأ المسؤولية بالمحاسبة والمتابعة، وداخل أي مؤسسة قد تكون المحاسبة مادية ولها علاقة بامتيازات وصلاحيات، لكن حينما يتعلق الأمر بهيئة سياسية ارتبط أعضائها بقناعات وتوجهات وقيم فكرية وسياسية، فان الأمر يختلف، فالمبدأ أن العمل هو للصالح العام ولا أهداف ربحية أو مصالحية، بل المبتدأ والمنتهى هو خدمة الوطن من خلال بسط توجهات واختيارات مبنية على خلفيات ورؤى فكرية وإيديولوجية، وهو ما يشار إليه في كتب الفكر السياسي بتدبير ''الصراع المجتمعي''. إن ثقافة النقد مسلك أساسي في التطور والنظر إلى المستقبل، النقد الذي يكون وسيلة لغاية مقدرة بمقصد، وليس المقصد هو الخوض في أعراض الناس مهما علت أو صغرت درجتهم في الوضعية المراد انتقادها. اذ وجب التزام اعتدال الاقوال في توضيح الأحوال، والوزن بالقسط والتعقل في إصدار الأحكام، والتركيز على مؤشرات يراعى فيها التفريق بين الرأي وصاحبه. وحسب القاعدة الفقهية؛ فالجاهل بالشيء ليس كفؤا للعالم به، ومن لا يعلم لا يجوز له مجابهة من يعلم. إن الوضعية تتطلب من الجميع أن ينسلخ من الذاتيات والأنانيات المفرطة في التقييم، وحتى في طرح البدائل، مستحضرا تاريخ الحزب خاصة، وتاريخ الحركة الاتحادية بامتياز. عقلية المعارضة كعقيدة لا ننسى كاتحاديين أننا تربينا وترعرعنا في وسط وفي بيئة بجوهرها وتشكلاتها مستمدة من فكر المعارضة كمنهج، وهو ما يجعل الاتحاديين كلهم يشعرون بالانتماء وبالانسجام الهوياتي حينما يكونون في موقع المعارضة، ولعل 40 سنة من المعارضة القوية الفعلية كاختيار استراتيجي، والمتنوعة بين المعارضة المسلحة، السرية والمؤسساتية، ذكى ورسخ لنا هذا المنهج، حتى أصبحنا جميعا حد التماهي مع الفكر المعارضاتي، ونسينا أن المعارضة ما هي إلا اختيار قد يكون مرحليا تفرضه اختياراتنا ووفق ظروف معينة (منذ النشأة سنة 1959 الى 1998 مع حكومة التناوب)، لمعارضة ومقاومة كل الافكار والسلوكيات التي تبدو لنا حسب مرجعياتنا الفكرية انها ضد المجتمع وقيمه وتطوره. لكن كحزب فأساس منتاهاه المشاركة في التطور الديمقراطي للبلاد، بل الفعل في هذا المسلسل وتوجيهه وفق قيم وقناعات واختيارات فكرية وإيديولوجية نحو الأفق الديمقراطي المنشود، لكن بالموازاة مع ذلك فالحزب الوطني المتجدر وسط المجتمع هو الحزب الذي يتحمل المسؤولية ويعمل على تدبير شؤون المغاربة لبسط رؤيته وبرنامجه لتحقيق هذه الرؤية والتي على أساسها فوضته قوى المجتمع، بمعنى أن له القدرة على التدبير كما له القدرة على المعارضة، ومسألة عادية وطبيعية حينما ينتقل إلى واجهة التدبير ستتشكل مقابله قوى معارضة له كأقلية. انه التناوب الديمقراطي الذي تنظر له جميع القوى التقدمية والحداثية الديمقراطية واليسارية بكل أطيافها، وهو شيء طبيعي وعادي في المنظومة الديمقراطية، وإلا سنكون أمام لا توازن فكري، ولا توازن مؤسساتي، بل لا تقاطب سياسي، ونكون أمام الثقافة الحزبية الأحادية التي تجعل من الفكر الاستبدادي منهج لها. لكن يبدو أن الفكر اليساري العربي خاصة والفكر اليساري الثوري عامة في بعض تجلياته، يربط فكر الثورة ومفهوم المؤامرة والخيانة من أهم مرجعياته التي يبني عليها خططه وتصوراته، فهو إذن نسبيا فكر متجمد يجعل من نهج المعارضة عقيدة دائمة وتابثة وغير مرغوب في تركها، كأنه الحنين الأبدي، حنين عطل الفكر على الانتاج، ومواكبة التحولات العميقة التي تطرأ بسرعة على المجتمع وعلى فئاته بتحول اولوياتها ورهاناتها. فحتى العلاقة الداخلية للحزب والعلاقات الثنائية لمكونات التنظيمات والأجهزة المشكلة له، تجد في قلبها وعمقها فكر المعارضة بالتشديد في القوانين والأنظمة الداخلية مخافة "شمتة" الاخ والرفيق تنظيميا، وتجعل من ثقافة المؤامرة والحذر قاعدة تابثة في التعامل مع بعضهم البعض. وخير دليل على ذلك ما يظهر من صعوبة على مستوى انعقاد المؤتمرات الوطنية بالحدة القوية التي تميزها. واقع لا يرتفع إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب له امتداد في حاضر وذاكرة المغاربة، وهذا شيء أساسي لا يمكن أن ينكره أحد، وبالفعل اذا كانت الانتخابات في مرحلة مهمة بل ووجودية يمكن اعتمادا على نتائجها أن نصنف علاقة الحزب السياسي ارتباطا أم تنافرا مع المجتمع، فان النتائج الأخيرة للحزب تجعلنا جميعا نتساءل، ولكن كما أشرت إلى ذلك بمنطق التعالي عن الذاتيات، وبهدف الإصلاح وليس التدمير وتعميق المشكل. وينطلق ذلك أولا بالأعراف والقواعد المؤطرة لعملنا داخل الحزب كمؤسسة، مما يدفعنا احتراما لذلك القيام بتمرين ديمقراطي جماعي هادئ بينها، بالإجابة على بعض الاسئلة من قبيل: هل نحترم هذه المؤسسة (الحزب) ونجعلها الأسمى في علاقاتنا؟، هل انضبطنا لانتمائنا؟ ترشيحا، حملة وتعبة؟، هل انخرطنا خدمة للصالح العام، رغم اختلافنا مع المرشح من جهة، أو توجهات القيادة السياسية والأجهزة الوطنية من جهة أخرى؟، ما هي المجهودات المبذولة لكل واحد منا للتعبئة لصالح الحزب؟، ما هي القدرات والإبداعات التي منحناها لحزبنا ولمشرحيه؟، كيف ساهمنا قولا أو فعلا؟، هل قمنا بالدفاع وحماية حزبنا من المتربصين به؟، كيف خضنا معركة الانتخابات في الميدان؟، هل اعددنا تقارير لمن يصلح ومن لا يصلح؟، هل تواصلنا مع عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا بالحي والعمل وبالفضاءات المشتركة، تعبئة واعتزازا بحزبنا وبمرشحيه؟، كم قضينا من الوقت في الانتقاد أو الاقتراح بالمقارنة مع الفعل بالميدان؟، كيف كتبنا عن حزبنا وقدمناه على المواقع الاجتماعية قبل وأثناء وبعد الانتخابات؟،...... هذه الأسئلة وأخرى يجب أن تلاحقنا وأن نجيب عليها بجرأة ديمقراطية نضالية أخوية، قبل أن نتوجه إلى غيرنا باللوم والانتقاد. من جانب القيادة الحزبية، بالفعل فالأعراف الديمقراطية تجعل ربان السفينة وفريقه يساءل عن الحصيلة أكانت ايجابية أم سلبية، وما اسبابها ومسبباتها على مستوى الرؤية والآليات والسلوكيات، لكن مع استحضار التراكمات والصعوبات المواجهة حتى نكون موضوعيين في تقييمنا. حقائق تاريخية الثابت القطعي أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب مبادر ومشاكس، يعبر عن مواقفه وآرائه بغض النظر عن باقي المكونات الحزبية، او عن طبيعة الظروف التي تعرفها البلاد، فالأساس بالنسبة له هو دمقرطة المجتمع المغربي والسمو به نحو العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والطبقية وباختلافها، مما جعله مستهدفا باستمرار من أطراف داخلية وخارجية منذ سنة 1959 الى الآن، وكل مرحلة لها تقنياتها وأساليبها، بل وعملائها، تتجدد بتجدد الرهانات والفترات. أليس هذا الامر بدى جليا عشية الانتخابات المحلية والجهوية يتأكد خيانة بعض المسؤولين القياديين على المستوى الوطني والمحلي ليلة الانتخابات حيث يغادرون الحزب ويترشحون باسم حزب منافس، أليس ذلك بمثابة ضربات من الخلف، أليس هذه الوضعية تدفع المواطن الى التساؤل عن سبب هذا الجشع الانتحابي. من جانب اخر كلنا يعلم ما عانه الاتحاد الاشتراكي منذ مدة من نتائج الاختلافات الكبيرة التي يعرفها بين الفينة والأخرى، منذ 1959 الى المؤتمر الاستثنائي صراعات داخلية، قيادة في الداخل وأخرى خارج المغرب، وبعد 1975 تم تعميق المسلسل الديمقراطي ونهج نضالي اصلاحي من داخل المؤسسات، وانسحب من لم يكن يؤمن بهذا المسلسل بل يرى ان يتشدد الحزب في التعامل مع النظام السياسي بالمواجهة العنيفة الميدانية، الى غاية الانشقاق الكبير خلال المؤتمر الوطني السادس. وهي اختلافات من منظور المنطق الديمقراطي، يجب ان تكون مسألة عادية في حياة حزب يساري تقدمي، لكن اعتقد انه لم ننتبه إلى أن أطراف هذه الاختلافات أصبحت مثل خلايا الجسم حينما تنقطع عليها التغذية تضطر إلى أكل بعضها البعض، وهو ما عبر عنه الكاتب الأول السابق الأستاذ عبد الواحد الراضي حينما صرح أثناء انعقاد احد دورات المجلس الوطني للحزب: "إننا (أي الاتحاديين) مقبلون على انتحار جماعي..."، وفي دورة أخرى حينما كان يعقب على بعض التدخلات بخصوص بعض نتائج الانتخابات: "إن الخصوم انتصروا على الحزب ليس لأنهم أقوياء، ولكن لأننا نحن أضغفنا حزبنا ". ولا يجب كذلك أن ننسى كلمة الكاتب الاول ادريس لشكر بمناسبة انعقاد دورات اللجنة الادارية او المجالس الوطنية، حينما نبه بقوة الى كل المؤامرات التي تحاك ضد الحزب من الاصدقاء قبل الخصوم، وهو ما جعله يصرح الى عهد قريب بالقول "انني بالفعل خائف على وطني في ظل هذه الوضعية..." وهو تصريح له معان وإشارات ليست بالعادية. هذا دون ان ننسى تراكم الصراعات الداخلية الذي تغذت بعد مشاركة الحزب في حكومة التناوب والويلات التي عاناها المجاهد عبد الرحمان اليوسفي من الداخل الحزبي، كان نتاجها الانشقاق خلال المؤتمر السادس بالبيضاء، أعقبه انشقاق النقابة، والنقاشات المحمومة التي أعقبت مشاركة الحزب في التجربة الثاني في الحكومة، ثم النتائج التي حصل عليها الحزب في انتخابات التشريعية لسنة 2007، ومعاودة المشاركة مع حكومة السيد عباس الفاسي، والأزمة الحزبية الحادة التي عاشها الحزب من خلال تراكم المتناقضات التي أدت إلى استقالة الكاتب الأول الاستاذ محمد اليازغي ونائبه، وصولا إلى المؤتمر الوطني الثامن الذي أجري في دورتين بمحنه وصعوبته. ورغم اقتناع الاتحاديين بنهج مسطرة المنهجية الديمقراطية عوض الشرعية التاريخية. فلم يستطيعوا التغلب على عقيدتهم المرتبطة بالمعارضة حيث لا يمكن انعقاد دورة برلمان الحزب دون مطالبة البعض القيادة السياسية بضرورة العودة إلى المعارضة والانسحاب من حكومة عباس الفاسي رغم أن المؤتمر صادق على الاستمرار في الحكومة مع بعض الشروط وأساسها تقديم مذكرة إصلاحات دستورية وسياسية، وهو ما تم بالفعل. لكن رغم ذلك ظل الحزب يعاني دائما من بعض هجمات بعض القياديين التي تدعوه إلى الانسحاب نحو المعارضة. كل هذا المسار بصعوبته وذروته تمت مجاراته دون تبيان وتوضيح الأسباب الحقيقية والصادقة لهذا الرأي أو ذاك إلى غاية اليوم، اللهم بعض التأويلات والاجتهادات التي تبقى في عموميتها سطحية تخفي الكثير والكثير. دعونا نرجع الى مسألة المشاركة في حكومة السيد ادريس جطو، فرغم ان المكتب السياسي انذاك قد اصدر بيانا قويا ينتقد طريقة اختيار الوزير الاول بعيدا عن المنهجية الديمقراطية التي تبوء الحزب هذه المهمة لمواصلة الاصلاح وانجاز الاوراش التي اطلقتها حكومة التناوب، باعتبار الحزب احتل المرتبة الاولى في تشريعيات 2003، ورغم ان شيئا من هذا القبيل لم يتم احترامه فان المسؤولية المواطنة للقيادة السياسية - حسب تصريحات بعضها- فضلت المشاركة عوض الرجوع الى المعارضة في جو كانت تطبع البلاد مجموعة من التحديات الخطيرة والمتربصين به من كل ناحية، ولعل اهمها تولي العرش من ملك جديد برهانات وتحديات جديدة. وهو ما عبرت عنه بعض القيادات انداك بان مصلحة البلاد أهم من مصلحة الحزب. مشاركة اعقبتها اعتزال الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي للعمل السياسي، وهو القرار الاحادي والمفاجئ على الاقل من طرف الفاعلين الحزبيين، وهو الذي اعتبر سابقة في العمل والمنعطف الحزبي والسياسي للمغرب المعاصر. اكيد ان الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي يمثل قيمة نضالية نوعية على المستوى الوطني بل والدولي لا يمكن تبخيسها او الشك فيها، لكن ألم يكن قراره الاعتزال من أهم الاسباب التي جعلت الحزب لم يعرف الاستقرار منذ ذلك الحدث، وكل ما يعرفه اليوم قد يكون نصيبه الاكبر جراء هذا القرار الذي لم يدرس ويؤسس له؟؟؟. مؤتمر نوعي ومحاولة إجهاض نتائجه وصولا الى المؤتمر الوطني التاسع الذي تم التحضير له بطريقة جد متقدمة سواء من الناحية التنظيمية أو اللوجيستيكية، أو حتى الديمقراطية فيما يخص قاعدة حضوره الذي ارتبطت في جانب مهم، بمدى حضور المناضل بمنطقته عن طريق الأصوات المحصل عليها في اخر انتخابات. كما عرف تحضيرا بعقلية تنظيمية صرفة، جعلت لجنة تفعيل الأداة الحزبية تجتهد في التشديد والضبط بهدف تقنين الممارسات التنظيمية والعلائقية الداخلية بين المناضلين، لكن بعقلية الاحتياط، ظنا منها بذلك سيتم حماية الحزب من الانتهازيين المحتملين تنظيميا وسياسيا، مع تشديد الخناق على القيادة المحتملة في الانضباط لهذه القواعد والقوانين. وبذلك تم الترسيخ لمنطق بيروقراطي جاف يصعب معه المرونة في التدبير وفي اتخاذ القرارات، متناسين أن الحزب في وضع لا يحتمل كل ذلك القرارات والقوانين، لأنه لم يعد بريقه إلى ذلك الحد الذي يجعله معرضا إلى الاختراق سواء من الداخل أو الخارج. ورغم ذلك فان المؤتمر التاسع خلق الحدث وتم تسويق أشغاله إعلاميا بشكل جيد إلى المغاربة، خاصة على مستوى مسطرة وطريقة الترشح للكتابة الأولى، وهو الجانب الذي أعتقد أنه ذنب الاتحاديين الذي أرادوا أن يرتقوا إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية يعتز بها كل ديمقراطي، حيث تعددت القراءات السلبية والهجمات المضادة لأيادي خفية من اجل التشويش على أشغال المؤتمر من طرف جهات يصعب عليها أن ترى حزب الاتحاد الاشتراكي كحزب شرعي للقوات الشعبية يستنهض قواه من اجل عودة قوية، وهم الذين أبدعوا في خلق جمعيات وحركات، ومن بعد إلى أحزاب موجهة لخدمة وافد جديد، اجتهدوا كثيرا من اجل اكتساب هذه الشرعية في مختلف المحطات، ولعله الاجتهاد والتعاقد الثماني الادرع للسيطرة على الحياة الحزبية والسياسية المغربية لكن دون جدوى. فقد تكون لهم نتائج انتخابية متقدمة لكن الاصل و"التيتر" الحزبي مهم جدا في هوية اي حزب. إن النتائج التي خلفها المؤتمر الوطني التاسع للحزب وما واكبها من حملة ضد نجاح أشغاله بتبريز الاختلافات التي وقعت، والتي قد تعتبر جد عادية بحزب يعتمل الديمقراطية والتصويت السري كمنهج لتشكيل أجهزته، تمت تشويه نتائجها وتسويقها الى المواطن المغربي بأنه ''التشويه" هو الحقيقة التي لا ترتفع، وكون بالتالي صورة سلبية لدى المواطن على الكيفية الغير المناسبة حسب التأويل لتدبير الاختلاف داخل الحزب الذي من المفترض فيه، بل من هوية وجوده، تقديس الاختلاف واحترامه. زد على ذلك تشكيل تيار من مناضلي ومسؤولي وأطر الحزب المختلفين مع القيادة، أدى إلى القطيعة النهائية والإعلان عن تأسيس بديل حزبي، وتخليهم عن الانتماء إلى حزبهم، رغم محاولات التجميع والتقارب التي قام بها بعض من القيادات التاريخية وأخرى لم تدخر جهدا في ثنيهم عن هذه المبادرة لان الحزب لا يحتمل. قد يكون الاخوة والأخوات الذين اختاروا القطيعة والانشقاق لهم ارائهم ودوافعهم الخاصة، لكن تعالوا جميعا لنعتمل مرة اخرى تمرينا ديمقراطيا بيننا. ان البيان السياسي والمقرر التوجيهي الذي يضبط الخط السياسي للحزب ويحمي "الفكرة/الهوية" في تعاملاته وبرامجه في الفترة الممتدة بين المؤتمرين التاسع والعاشر تمت المصادقة عليهما بالإجماع، ولم يتدخل اي احد منذ نهاية هذا المؤتمر طيلة انعقاد اجهزة الحزب الوطنية للتكلم على هذا الأمر، بل ان الارضية التي صاغها المبادرون للمطالبة بتشكيل تيار، لم تتضمن الطعن في هذا الخط السياسي، بل تتكامل معه، والأكثر من ذلك لا تتضمن اشياء جديدة عن ما تضمنته أرضية الترشيح الكاتب الاول الفائز في الانتخابات. لذلك اعتقد ونحن نتكلم على اعادة البناء ان الامر ضخم واتخذ منحا طابعه المميز مرتبط بما هو شخصي، وهو ما أكدته مجموعة من المفاوضات انداك للم الشمل، اختزلت فقط في التمثيلية في القيادة الحزبية. ولعل الجانب الذي انتبه إليه المغاربة وأعطى بعد آخر إلى قضية هذه الاختلافات، الحملة القوية لمكونات التيار إعلاميا وميدانيا ضد قيادة الحزب التي تمثل في الأخير الحزب، وبالتالي الضرب مباشرة في مصداقية الحزب، منتهيا بإعداد لوائح مستقلة خلال أخر انتخابات محلية وجهوية. وبطبيعة الحال فقد امتد هذا الصراع الى اجنحة الحزب فيما يتعلق بالتنظيمات الموازية له خاصة النقابة والشبيبة، وما عرفته من صراعات داخلية على مستوى تجديد هياكلها التنظيمية في ظل هذا التجادب والاحتقان، وهنا نساءل القيادة السياسية؛ ألم يتم التسرع في اختيار المواجهة والقطيعة نقابيا؟، ما هو التقييم الحقيقي لنتائج الاندماج؟ وما هي الصورة الحقيقية التي طبعت تجديد قطاعات الحزب؟ أزمة الفريق البرلماني وكيفية معالجتها؟ الم يكن هناك اية وسيلة غير المواجهة والاختيارات الراديكالية....؟، ومن جهة اخرى الاختيار الذي نهجه الحزب على مستوى طبيعة المعارضة التي اتخذها ضد الحكومة بالمؤسسات وفي الفضاء العمومي....، معطيات ووقائع كلها بمثابة مواد دسمة لوسائل الإعلام وللمواقع الاجتماعية، والتي في ظل التطور التي تعرفه، جعلت سرعة المعلومة مع تأويلها متاحة للجميع، كما مكنت الحزب الاغلبي من استغلال التناقضات والمشاكل الداخلية كسلاحا يهاجم به الحزب وقيادته كلما سنحت له الفرصة ذلك. مما جعل المواطن المغربي يكون له صورة على طبيعة الصراعات السياسية التي يجب ان يختار من بينها يمنحه صوته. ما العمل: يجب أن نقر على أن تاريخ الحركة الاتحادية هو تاريخ صراعات وتاريخ مقاومات على المستوى الداخلي، ولنا في المؤتمر الرابع والمؤتمر السادس خير دليل، إلى غيرها من الأحداث الداخلية التي تجعل الإخوة أعداء وبشراسة. وبالتالي فان ما تتطلبه المرحله هو الثباث والتعقل أكثر من ردود الفعل، لا يجب ان نتعامل بمنطق العدو المفترض، الشيطان والملائكة، بل المفروض هو التقييم من اجل التقويم، النقد من اجل البناء، التوقف من اجل الاستمرارية. ولا ننسى اننا حزب اشتراكي يعتمد اشتراكية ديمقراطية الذي تجعل من الثورة الديمقراطية منهج لعملها من الاسفل ومن القاعدة، تشارك في بناءها كل الفئات وليس فئة بعينها أو قائد واحد بعينه. اي ان الامر مرتبط بكل اتحادي حقيقي مسؤول غيور على حزبه بل حريص على فكره واختياراته لأنها الاساس والجوهر، بتقييم الجوهر والسلوكيات وليس الأشخاص، ممن لم يسيؤوا الى الحزب او حتى اولئك الذين اساؤوا له لكن بقبولهم نقدا ذاتيا. ان جميع المناضلين مدعوون اليوم الى الاصطفاف دفاعا عن فكرتهم واختيارهم المتمثل في حزبهم، بغض النظر على الاخطاء وأصحابها، ملتحمين نحو المستقبل، محددين خصمهم الاول والحقيقي، الذي اكيد انه خارج الحزب، لكن متربص به ومستعد لاذكاء تناقضاته الداخلية. على الدولة ان تتحمل المسؤولية في هذه البلقنة الحزبية والسياسية، لمحاولة فرض قطبية من نوع خاص تجعل الاحزاب الوطنية والتقدمية خاصة خارج التصنيف، وهو ما يفرض منا موقف متجدد وواضح ازاء هذه البدعة القديمة الجديدة لمحاولة تدجين الطبقة السياسية والتحكم فيها، فشروط الانتقال الديمقراطي لا زالت هشة وعلى كل المكونات تحمل مسؤوليتها. وواهم من يظن ان المغرب مستقر بشكل مطلق لا داخليا أو ما يحيط به في ظل تقلبات جيواستراتيجية متحولة. وبناء على ذلك اقترح المبادرات التالية: -دعوة جميع مكونات الذات الاتحادية الى الالتفاف على حزبهم بكل مسؤولية كفكرة وكاختيار، بما فيهم القيادة التاريخية اطال الله في عمرهم جميعا، ومن جمد عمله لسبب او لأخر. -عقد دورات الاجهزة الوطنية وجعل المناضلات والمناضلين يعبرون عن ارائهم ومواقفهم بكل حرية، لكن ايضا في اطار المسؤولية والانضباط للأعراف والقوانين المؤطرة لعمنا الداخلي. -تسييد القرارت المتخذة من طرف الاجهزة الوطنية سواء على المستوى التنظيمي الداخلي او على مستوى العلاقة في التعامل مع الغير؛ باقي الاحزاب والدولة. ا-لبيان السياسي للجنة الدارية الوطنية لتحمل الدولة مسؤوليتها فيما يخص استمرار نهج اساليب غير ديمقراطية ومشبوهة لبلقنة الخريطة السياسية، وهو ما اكدته وزارة الداخلية في بلاغها الاخير بعد نتائج انتخابات مجلس المستشارين، مما شكل تراجعات عن مجموعة من المكتسبات -التوجه مباشرة للتعبير عن الموقف الصريح تجاه الدولة لمساءلة توجهها ونظرتها للعمل الحزبي واختياراتها في هذا الشأن. - القيام بحملة وطنية نضالية لتعبئة القواعد الحزبية ومختلف المناضلين بدقة المرحلة واستنهاض الهمم. -تشكيل لجنة من المكتب السياسي واللجنة الادارية الوطنية لتتبع عمل واشتغال القطاعات الحزبية لتشخيص الحالة الراهنة ومد يد العون. -تدعيم لجنة الاعلام الحزبية لإبداع طرق ووسائل جديدة لتسويق جيد لعمل واجتهادات الحزب وبرلمانييه . -احياء ودعوة جميع اللجن الموضوعاتية الى العمل المنظم والمبدع. -التفكير في الية لتبريز مجهودات الفريق النيابي للحزب. *عضو اللجنة الادارية الوطنية نائب رئيس اللجنة الادارية للحزب