خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    البرلمانيين المتغيبين عن أشغال مجلس النواب يقدمون مبررات غيابهم ويؤكدون حضورهم    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج عبد الله بعد 40 عاما من السجن    نشرة إنذارية.. زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية قوية    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط        مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    مهرجان الفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج "حوارات"    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده و جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة        هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد الاشتراكي بين عقيدة النقد وتيه البدائل

بعد النتائج المفرزة يوم 4 شتنبر 2015، وما واكب ذلك من نقاشات قوية ومتعددة تتعدد بتعدد رؤية أصحابها، والموقع الذي يختارونه من اجل مقاربتهم للوضعية وللقضية عامة، فلا بد أن يكون هناك مداخل للتقييم وأسسه، أساسها الهدف من التقييم في ظل التقاطبات والصراع المحموم بين الطبقات، والتوجهات التي يعرفها المجتمع المغربي، مجتمع يختلف شكله عن عمقه، وظاهره عن باطنه. أن نتفق على المدخلات من اجل القدرة على بناء مخرجات للوضع في أفق البناء السليم والقويم الذي نأمله جميعا. وبذلك سيكون لنا صدر رحب لن يضيق من أراء بعضنا البعض، ودون الشعور بالاشمئزاز في اختلاف هذه الاراء وتعددها، لأننا من المفروض أننا ديمقراطيون، وهو الجوهر والعمق الذي بدونه لا يمكن أن يكون هناك تقييم حقيقي لما جرى ولما هو قادم، لأنها الدعامة الأساسية التي تحمل على عاتقها ثقل ووز توجهات واختيارات الجميع بصدقيتها، في عفويتها وفي توجيهها.
إن ما نتج عن الانتخابات المحلية والجهوية وقبلها انتخاب المأجورين والغرف المهنية، وما جرى بعدها من انتخابات مجالس العمالات والأقاليم ومجلس المستشارين في نسخته الجديدة وفق دستور 2011، يجعل كل اتحادي غيور صادق أن ينظر الى نتائج الحزب بتقييم حقيقي وصريح. بل لا يمكن لأي مغربي إلا أن يساءل وضعية حزبنا، وهو شيء معقول وموضوعي لما يمثله الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من موروث ومن رمزية ومكانة في التاريخ النضالي للمغرب الحديث والمعاصر، رصيد الذي ظل الملجأ، والعملة التي نستعملها إلى حد الجشع سواء لتبرير الإخفاق أو لبيان مصداقية وقوة الحزب، الى الحد الذي اصبح معه هذا الاستعمال للمخزون التاريخي ينفذ، ويحتاج بالتالي إلى تجديد بانجازات وتراكمات تكمل وتحيي هذا الموروث المشترك، وتطور هذا التراكم والاعتماد عليه لتحقيق انجازات، يحق للأجيال اللاحقة أن تستعملها هي أيضا، كما نستعمله نحن اليوم للحجية بمصداقية مسار وتضحيات الحزب من جهة. ومن جهة أخرى هل طبيعة النتائج سبب موجب للتجريح والقذف وتبادل التهم وتحميل المسؤوليات؟. أكيد كديمقراطيين ونحن من نادى بذلك، علينا أن نربط دائما مبدأ المسؤولية بالمحاسبة والمتابعة، وداخل أي مؤسسة قد تكون المحاسبة مادية ولها علاقة بامتيازات وصلاحيات، لكن حينما يتعلق الأمر بهيئة سياسية ارتبط أعضائها بقناعات وتوجهات وقيم فكرية وسياسية، فان الأمر يختلف، فالمبدأ أن العمل هو للصالح العام ولا أهداف ربحية أو مصالحية، بل المبتدأ والمنتهى هو خدمة الوطن من خلال بسط توجهات واختيارات مبنية على خلفيات ورؤى فكرية وإيديولوجية، وهو ما يشار إليه في كتب الفكر السياسي بتدبير ‘'الصراع المجتمعي''.
إن ثقافة النقد مسلك أساسي في التطور والنظر إلى المستقبل، النقد الذي يكون وسيلة لغاية مقدرة بمقصد، وليس المقصد هو الخوض في أعراض الناس مهما علت أو صغرت درجتهم في الوضعية المراد انتقادها. اذ وجب التزام اعتدال الاقوال في توضيح الأحوال، والوزن بالقسط والتعقل في إصدار الأحكام، والتركيز على مؤشرات يراعى فيها التفريق بين الرأي وصاحبه. وحسب القاعدة الفقهية؛ فالجاهل بالشيء ليس كفؤا للعالم به، ومن لا يعلم لا يجوز له مجابهة من يعلم.
إن الوضعية تتطلب من الجميع أن ينسلخ من الذاتيات والأنانيات المفرطة في التقييم، وحتى في طرح البدائل، مستحضرا تاريخ الحزب خاصة، وتاريخ الحركة الاتحادية بامتياز.
عقلية المعارضة كعقيدة
لا ننسى كاتحاديين أننا تربينا وترعرعنا في وسط وفي بيئة بجوهرها وتشكلاتها مستمدة من فكر المعارضة كمنهج، وهو ما يجعل الاتحاديين كلهم يشعرون بالانتماء وبالانسجام الهوياتي حينما يكونون في موقع المعارضة، ولعل 40 سنة من المعارضة القوية الفعلية كاختيار استراتيجي، والمتنوعة بين المعارضة المسلحة، السرية والمؤسساتية، ذكى ورسخ لنا هذا المنهج، حتى أصبحنا جميعا حد التماهي مع الفكر المعارضاتي، ونسينا أن المعارضة ما هي إلا اختيار قد يكون مرحليا تفرضه اختياراتنا ووفق ظروف معينة (منذ النشأة سنة 1959 الى 1998 مع حكومة التناوب)، لمعارضة ومقاومة كل الافكار والسلوكيات التي تبدو لنا حسب مرجعياتنا الفكرية انها ضد المجتمع وقيمه وتطوره. لكن كحزب فأساس منتاهاه المشاركة في التطور الديمقراطي للبلاد، بل الفعل في هذا المسلسل وتوجيهه وفق قيم وقناعات واختيارات فكرية وإيديولوجية نحو الأفق الديمقراطي المنشود، لكن بالموازاة مع ذلك فالحزب الوطني المتجدر وسط المجتمع هو الحزب الذي يتحمل المسؤولية ويعمل على تدبير شؤون المغاربة لبسط رؤيته وبرنامجه لتحقيق هذه الرؤية والتي على أساسها فوضته قوى المجتمع، بمعنى أن له القدرة على التدبير كما له القدرة على المعارضة، ومسألة عادية وطبيعية حينما ينتقل إلى واجهة التدبير ستتشكل مقابله قوى معارضة له كأقلية. انه التناوب الديمقراطي الذي تنظر له جميع القوى التقدمية والحداثية الديمقراطية واليسارية بكل أطيافها، وهو شيء طبيعي وعادي في المنظومة الديمقراطية، وإلا سنكون أمام لا توازن فكري، ولا توازن مؤسساتي، بل لا تقاطب سياسي، ونكون أمام الثقافة الحزبية الأحادية التي تجعل من الفكر الاستبدادي منهج لها.
لكن يبدو أن الفكر اليساري العربي خاصة والفكر اليساري الثوري عامة في بعض تجلياته، يربط فكر الثورة ومفهوم المؤامرة والخيانة من أهم مرجعياته التي يبني عليها خططه وتصوراته، فهو إذن نسبيا فكر متجمد يجعل من نهج المعارضة عقيدة دائمة وتابثة وغير مرغوب في تركها، كأنه الحنين الأبدي، حنين عطل الفكر على الانتاج، ومواكبة التحولات العميقة التي تطرأ بسرعة على المجتمع وعلى فئاته بتحول اولوياتها ورهاناتها. فحتى العلاقة الداخلية للحزب والعلاقات الثنائية لمكونات التنظيمات والأجهزة المشكلة له، تجد في قلبها وعمقها فكر المعارضة بالتشديد في القوانين والأنظمة الداخلية مخافة «شمتة» الاخ والرفيق تنظيميا، وتجعل من ثقافة المؤامرة والحذر قاعدة تابثة في التعامل مع بعضهم البعض. وخير دليل على ذلك ما يظهر من صعوبة على مستوى انعقاد المؤتمرات الوطنية بالحدة القوية التي تميزها.
واقع لا يرتفع
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب له امتداد في حاضر وذاكرة المغاربة، وهذا شيء أساسي لا يمكن أن ينكره أحد، وبالفعل اذا كانت الانتخابات في مرحلة مهمة بل ووجودية يمكن اعتمادا على نتائجها أن نصنف علاقة الحزب السياسي ارتباطا أم تنافرا مع المجتمع، فان النتائج الأخيرة للحزب تجعلنا جميعا نتساءل، ولكن كما أشرت إلى ذلك بمنطق التعالي عن الذاتيات، وبهدف الإصلاح وليس التدمير وتعميق المشكل. وينطلق ذلك أولا بالأعراف والقواعد المؤطرة لعملنا داخل الحزب كمؤسسة، مما يدفعنا احتراما لذلك القيام بتمرين ديمقراطي جماعي هادئ بينها، بالإجابة على بعض الاسئلة من قبيل: هل نحترم هذه المؤسسة (الحزب) ونجعلها الأسمى في علاقاتنا؟، هل انضبطنا لانتمائنا؟ ترشيحا، حملة وتعبة؟، هل انخرطنا خدمة للصالح العام، رغم اختلافنا مع المرشح من جهة، أو توجهات القيادة السياسية والأجهزة الوطنية من جهة أخرى؟، ما هي المجهودات المبذولة لكل واحد منا للتعبئة لصالح الحزب؟، ما هي القدرات والإبداعات التي منحناها لحزبنا ولمشرحيه؟، كيف ساهمنا قولا أو فعلا؟، هل قمنا بالدفاع وحماية حزبنا من المتربصين به؟، كيف خضنا معركة الانتخابات في الميدان؟، هل اعددنا تقارير لمن يصلح ومن لا يصلح؟، هل تواصلنا مع عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا بالحي والعمل وبالفضاءات المشتركة، تعبئة واعتزازا بحزبنا وبمرشحيه؟، كم قضينا من الوقت في الانتقاد أو الاقتراح بالمقارنة مع الفعل بالميدان؟، كيف كتبنا عن حزبنا وقدمناه على المواقع الاجتماعية قبل وأثناء وبعد الانتخابات؟،...... هذه الأسئلة وأخرى يجب أن تلاحقنا وأن نجيب عليها بجرأة ديمقراطية نضالية أخوية، قبل أن نتوجه إلى غيرنا باللوم والانتقاد.
من جانب القيادة الحزبية، بالفعل فالأعراف الديمقراطية تجعل ربان السفينة وفريقه يساءل عن الحصيلة أكانت ايجابية أم سلبية، وما اسبابها ومسبباتها على مستوى الرؤية والآليات والسلوكيات، لكن مع استحضار التراكمات والصعوبات المواجهة حتى نكون موضوعيين في تقييمنا.
حقائق تاريخية
الثابت القطعي أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب مبادر ومشاكس، يعبر عن مواقفه وآرائه بغض النظر عن باقي المكونات الحزبية، او عن طبيعة الظروف التي تعرفها البلاد، فالأساس بالنسبة له هو دمقرطة المجتمع المغربي والسمو به نحو العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والطبقية وباختلافها، مما جعله مستهدفا باستمرار من أطراف داخلية وخارجية منذ سنة 1959 الى الآن، وكل مرحلة لها تقنياتها وأساليبها، بل وعملائها، تتجدد بتجدد الرهانات والفترات. أليس هذا الامر بدى جليا عشية الانتخابات المحلية والجهوية يتأكد خيانة بعض المسؤولين القياديين على المستوى الوطني والمحلي ليلة الانتخابات حيث يغادرون الحزب ويترشحون باسم حزب منافس، أليس ذلك بمثابة ضربات من الخلف، أليس هذه الوضعية تدفع المواطن الى التساؤل عن سبب هذا الجشع الانتحابي.
من جانب اخر كلنا يعلم ما عانه الاتحاد الاشتراكي منذ مدة من نتائج الاختلافات الكبيرة التي يعرفها بين الفينة والأخرى، منذ 1959 الى المؤتمر الاستثنائي صراعات داخلية، قيادة في الداخل وأخرى خارج المغرب، وبعد 1975 تم تعميق المسلسل الديمقراطي ونهج نضالي اصلاحي من داخل المؤسسات، وانسحب من لم يكن يؤمن بهذا المسلسل بل يرى ان يتشدد الحزب في التعامل مع النظام السياسي بالمواجهة العنيفة الميدانية، الى غاية الانشقاق الكبير خلال المؤتمر الوطني السادس. وهي اختلافات من منظور المنطق الديمقراطي، يجب ان تكون مسألة عادية في حياة حزب يساري تقدمي، لكن اعتقد انه لم ننتبه إلى أن أطراف هذه الاختلافات أصبحت مثل خلايا الجسم حينما تنقطع عليها التغذية تضطر إلى أكل بعضها البعض، وهو ما عبر عنه الكاتب الأول السابق الأستاذ عبد الواحد الراضي حينما صرح أثناء انعقاد احد دورات المجلس الوطني للحزب: «إننا (أي الاتحاديين) مقبلون على انتحار جماعي...»، وفي دورة أخرى حينما كان يعقب على بعض التدخلات بخصوص بعض نتائج الانتخابات: «إن الخصوم انتصروا على الحزب ليس لأنهم أقوياء، ولكن لأننا نحن أضغفنا حزبنا «. ولا يجب كذلك أن ننسى كلمة الكاتب الاول ادريس لشكر بمناسبة انعقاد دورات اللجنة الادارية او المجالس الوطنية، حينما نبه بقوة الى كل المؤامرات التي تحاك ضد الحزب من الاصدقاء قبل الخصوم، وهو ما جعله يصرح الى عهد قريب بالقول «انني بالفعل خائف على وطني في ظل هذه الوضعية...» وهو تصريح له معان وإشارات ليست بالعادية. هذا دون ان ننسى تراكم الصراعات الداخلية الذي تغذت بعد مشاركة الحزب في حكومة التناوب والويلات التي عاناها المجاهد عبد الرحمان اليوسفي من الداخل الحزبي، كان نتاجها الانشقاق خلال المؤتمر السادس بالبيضاء، أعقبه انشقاق النقابة، والنقاشات المحمومة التي أعقبت مشاركة الحزب في التجربة الثاني في الحكومة، ثم النتائج التي حصل عليها الحزب في انتخابات التشريعية لسنة 2007، ومعاودة المشاركة مع حكومة السيد عباس الفاسي، والأزمة الحزبية الحادة التي عاشها الحزب من خلال تراكم المتناقضات التي أدت إلى استقالة الكاتب الأول الاستاذ محمد اليازغي ونائبه، وصولا إلى المؤتمر الوطني الثامن الذي أجري في دورتين بمحنه وصعوبته. ورغم اقتناع الاتحاديين بنهج مسطرة المنهجية الديمقراطية عوض الشرعية التاريخية. فلم يستطيعوا التغلب على عقيدتهم المرتبطة بالمعارضة حيث لا يمكن انعقاد دورة برلمان الحزب دون مطالبة البعض القيادة السياسية بضرورة العودة إلى المعارضة والانسحاب من حكومة عباس الفاسي رغم أن المؤتمر صادق على الاستمرار في الحكومة مع بعض الشروط وأساسها تقديم مذكرة إصلاحات دستورية وسياسية، وهو ما تم بالفعل. لكن رغم ذلك ظل الحزب يعاني دائما من بعض هجمات بعض القياديين التي تدعوه إلى الانسحاب نحو المعارضة. كل هذا المسار بصعوبته وذروته تمت مجاراته دون تبيان وتوضيح الأسباب الحقيقية والصادقة لهذا الرأي أو ذاك إلى غاية اليوم، اللهم بعض التأويلات والاجتهادات التي تبقى في عموميتها سطحية تخفي الكثير والكثير.
دعونا نرجع الى مسألة المشاركة في حكومة السيد إدريس جطو، فرغم أن المكتب السياسي آنذاك قد اصدر بيانا قويا ينتقد من خلاله طريقة اختيار الوزير الأول بعيدا عن المنهجية الديمقراطية التي تبوء الحزب هذه المهمة لمواصلة الإصلاح وانجاز الاوراش التي أطلقتها حكومة التناوب، باعتبار الحزب احتل المرتبة الأولى في تشريعيات 2002، ورغم أن شيئا من هذا القبيل لم يتم احترامه فان المسؤولية المواطنة للقيادة السياسية - حسب تصريحات بعضها- فضلت المشاركة عوض الرجوع الى المعارضة في جو حذر كان يطبع البلاد عبر مجموعة من التحديات الخطيرة والمتربصين به من كل ناحية، ولعل اهمها تولي العرش من ملك جديد برهانات وتحديات جديدة. وهو ما عبرت عنه بعض القيادات انداك بان مصلحة البلاد أهم من مصلحة الحزب. مشاركة اعقبته اعتزال الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي للعمل السياسي، وهو القرار الاحادي والمفاجئ على الاقل من طرف الفاعلين الحزبيين، والذي اعتبر سابقة في العمل والمنعطف الحزبي والسياسي للمغرب المعاصر. اكيد ان الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي يمثل قيمة نضالية نوعية على المستوى الوطني بل والدولي لا يمكن تبخيسها او الشك فيها، لكن ألم يكن قراره بالاعتزال من أهم الاسباب التي جعلت الحزب لم يعرف الاستقرار منذ ذلك الحدث، وكل ما يعرفه اليوم قد يكون نصيبه الاكبر جراء هذا القرار الذي لم يدرس ويؤسس له؟؟؟.
مؤتمر نوعي ومحاولة إجهاض نتائجه
وصولا الى المؤتمر الوطني التاسع الذي تم التحضير له بطريقة جد متقدمة سواء من الناحية التنظيمية أو اللوجيستيكية، أو حتى الديمقراطية فيما يخص قاعدة حضوره الذي ارتبطت في جانب مهم، بمدى حضور المناضل بمنطقته عن طريق الأصوات المحصل عليها في اخر انتخابات. كما عرف تحضيرا بعقلية تنظيمية صرفة، جعلت لجنة تفعيل الأداة الحزبية تجتهد في التشديد والضبط بهدف تقنين الممارسات التنظيمية والعلائقية الداخلية بين المناضلين، لكن بعقلية الاحتياط، ظنا منها بذلك سيتم حماية الحزب من الانتهازيين المحتملين تنظيميا وسياسيا، مع تشديد الخناق على القيادة المحتملة في الانضباط لهذه القواعد والقوانين. وبذلك تم الترسيخ لمنطق بيروقراطي جاف يصعب معه المرونة في التدبير وفي اتخاذ القرارات، متناسين أن الحزب في وضع لا يحتمل كل ذلك القرارات والقوانين، لأنه لم يعد بريقه إلى ذلك الحد الذي يجعله معرضا إلى الاختراق سواء من الداخل أو الخارج. ورغم ذلك فان المؤتمر التاسع خلق الحدث وتم تسويق أشغاله إعلاميا بشكل جيد إلى المغاربة، خاصة على مستوى مسطرة وطريقة الترشح للكتابة الأولى، وهو الجانب الذي أعتقد أنه ذنب الاتحاديين الذي أرادوا أن يرتقوا إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية يعتز بها كل ديمقراطي، حيث تعددت القراءات السلبية والهجمات المضادة لأيادي خفية من اجل التشويش على أشغال المؤتمر من طرف جهات يصعب عليها أن ترى حزب الاتحاد الاشتراكي كحزب شرعي للقوات الشعبية يستنهض قواه من اجل عودة قوية، وهم الذين أبدعوا في خلق جمعيات وحركات، ومن بعد ذلك إلى أحزاب موجهة لخدمة وافد جديد، اجتهدوا كثيرا من اجل اكتساب هذه الشرعية في مختلف المحطات، ولعله الاجتهاد والتعاقد الثماني الأذرع للسيطرة على الحياة الحزبية والسياسية المغربية لكن دون جدوى. قد تكون لهم نتائج انتخابية متقدمة لكن الأصل و»التيتر» الحزبي مهم جدا في هوية اي حزب.
إن النتائج التي خلفها المؤتمر الوطني التاسع للحزب وما واكبها من حملة ضد نجاح أشغاله بتبريز الاختلافات التي وقعت، والتي قد تعتبر جد عادية بحزب يعتمل الديمقراطية والتصويت السري كمنهج لتشكيل أجهزته، تمت تشويه نتائجها وتسويقها الى المواطن المغربي بأنه ‘'التشويه» هو الحقيقة التي لا ترتفع، وكون بالتالي صورة سلبية لدى المواطن على الكيفية الغير المناسبة حسب التأويل لتدبير الاختلاف داخل الحزب الذي من المفترض فيه، بل من هوية وجوده، تقديس الاختلاف واحترامه. زد على ذلك تشكيل تيار من مناضلي ومسؤولي وأطر الحزب المختلفين مع القيادة، أدى إلى القطيعة النهائية والإعلان عن تأسيس بديل حزبي، وتخليهم عن الانتماء إلى حزبهم، رغم محاولات التجميع والتقارب التي قام بها بعض من القيادات التاريخية وأخرى لم تدخر جهدا في ثنيهم عن هذه المبادرة لان الحزب لا يحتمل. قد يكون الاخوة والأخوات الذين اختاروا القطيعة والانشقاق لهم ارائهم ودوافعهم الخاصة، لكن تعالوا جميعا لنعتمل مرة اخرى تمرينا ديمقراطيا بيننا. ان البيان السياسي والمقرر التوجيهي الذي يضبط الخط السياسي للحزب ويحمي «الفكرة/الهوية» في تعاملاته وبرامجه في الفترة الممتدة بين المؤتمرين التاسع والعاشر تمت المصادقة عليهما بالإجماع، ولم يتدخل اي احد منذ نهاية هذا المؤتمر طيلة انعقاد اجهزة الحزب الوطنية للتكلم على هذا الأمر، بل ان الارضية التي صاغها المبادرون للمطالبة بتشكيل تيار، لم تتضمن الطعن في هذا الخط السياسي، بل تتكامل معه، والأكثر من ذلك لا تتضمن اشياء جديدة عن ما تضمنته أرضية الترشيح للكاتب الأول الفائز في الانتخابات. لذلك اعتقد ونحن نتكلم على إعادة البناء، ان الامر ضخم واتخذ منحا طابعه المميز مرتبط بما هو شخصي، وهو ما أكدته مجموعة من المفاوضات انداك للم الشمل، اختزلت فقط في التمثيلية في القيادة والأجهزة الحزبية. ولعل الجانب الذي انتبه إليه المغاربة وأعطى بعد آخر إلى قضية هذه الاختلافات، الحملة القوية لمكونات التيار إعلاميا وميدانيا ضد قيادة الحزب التي تمثل في الأخير الحزب، وبالتالي الضرب مباشرة في مصداقية الحزب، منتهيا بإعداد لوائح مستقلة خلال أخر انتخابات محلية وجهوية. وبطبيعة الحال فقد امتد هذا الصراع الى اجنحة الحزب فيما يتعلق بالتنظيمات الموازية له خاصة النقابة والشبيبة، وما عرفته من صراعات داخلية على مستوى تجديد هياكلها التنظيمية في ظل هذا التجاذب والاحتقان، وهنا نساءل القيادة السياسية؛ ألم يتم التسرع في اختيار المواجهة والقطيعة نقابيا؟، ما هو التقييم الحقيقي لنتائج الاندماج؟ وما هي الصورة الحقيقية التي طبعت تجديد قطاعات الحزب؟ أزمة الفريق البرلماني وكيفية معالجتها؟ الم يكن هناك اية وسيلة غير المواجهة والاختيارات الراديكالية....؟. ثم الاختيار الذي نهجه الحزب على مستوى طبيعة المعارضة التي اتخذها ضد الحكومة بالمؤسسات وفي الفضاء العمومي المشترك، معطيات ووقائع كلها كانت بمثابة مواد دسمة لوسائل الإعلام وللمواقع الاجتماعية، والتي في ظل التطور التي تعرفه، جعلت سرعة المعلومة مع تأويلها متاحة للجميع، كما مكنت الحزب الاغلبي من استغلال التناقضات والمشاكل الداخلية كسلاح يهاجم به الحزب وقيادته كلما سنحت له الفرصة ذلك. مما جعل المواطن المغربي يكون له صورة على طبيعة الصراعات السياسية التي يجب ان يختار من بينها من يمنحه صوته.
ما العمل:
يجب أن نقر على أن تاريخ الحركة الاتحادية هو تاريخ صراعات وتاريخ مقاومات على المستوى الداخلي، ولنا في المؤتمر الرابع والمؤتمر السادس خير دليل، إلى غيرها من الأحداث الداخلية التي تجعل الإخوة أعداء وبشراسة. وبالتالي فان ما تتطلبه المرحله هو الثباث والتعقل أكثر من ردود الفعل، لا يجب ان نتعامل بمنطق العدو المفترض، الشيطان والملائكة، بل المفروض هو التقييم من اجل التقويم، النقد من اجل البناء، التوقف من اجل الاستمرارية. ولا ننسى اننا حزب اشتراكي يعتمد اشتراكية ديمقراطية الذي تجعل من الثورة الديمقراطية منهج لعملها من الاسفل ومن القاعدة، تشارك في بناءها كل الفئات وليس فئة بعينها أو قائد واحد بعينه. اي ان الامر مرتبط بكل اتحادي حقيقي مسؤول غيور على حزبه، بل حريص على فكره واختياراته لأنها الاساس والجوهر، بتقييم الجوهر والسلوكيات وليس الأشخاص، ممن لم يسيؤوا الى الحزب او حتى اولئك الذين اساؤوا له لكن بقبولهم نقدا ذاتيا.
ان جميع المناضلين مدعوون اليوم الى الاصطفاف دفاعا عن فكرتهم واختيارهم المتمثل في حزبهم، بغض النظر على الاخطاء وأصحابها، ملتحمين نحو المستقبل، محددين خصمهم الاول والحقيقي، الذي اكيد انه خارج الحزب، لكن متربص به ومستعد لإذكاء تناقضاته الداخلية. على الدولة ان تتحمل المسؤولية في هذه البلقنة الحزبية والسياسية، لمحاولة فرض قطبية من نوع خاص تجعل الاحزاب الوطنية والتقدمية خاصة خارج التصنيف، وهو ما يفرض منا موقف متجدد وواضح ازاء هذه البدعة القديمة الجديدة لمحاولة تدجين الطبقة السياسية والتحكم فيها، فشروط الانتقال الديمقراطي لا زالت هشة وعلى كل المكونات تحمل مسؤوليتها. وواهم من يظن ان المغرب مستقر بشكل مطلق لا داخليا أو ما يحيط به في ظل تقلبات جيواستراتيجية متحولة.
وبناء على ذلك اقترح المبادرات التالية:
دعوة جميع مكونات الذات الاتحادية الى الالتفاف على حزبهم بكل مسؤولية كفكرة وكاختيار، بما فيها القيادة التاريخية أطال الله في عمرها جميعا، ومن جمد عمله لسبب او لأخر.
عقد دورات الاجهزة الوطنية وجعل المناضلات والمناضلين يعبرون عن ارائهم ومواقفهم بكل حرية، لكن ايضا في اطار المسؤولية والانضباط للأعراف والقوانين المؤطرة لعملنا الداخلي.
تسييد القرارت المتخذة من طرف الأجهزة الوطنية سواء على المستوى التنظيمي الداخلي او على مستوى العلاقة في التعامل مع الغير؛ باقي الاحزاب والدولة.
البيان السياسي للجنة الإدارية الوطنية لتحمل الدولة مسؤوليتها فيما يخص استمرار نهج اساليب غير ديمقراطية ومشبوهة لبلقنة الخريطة السياسية، وهو ما اكدته وزارة الداخلية في بلاغها الاخير بعد نتائج انتخابات مجلس المستشارين، مما شكل تراجعات عن مجموعة من المكتسبات
التوجه مباشرة للتعبير عن الموقف الصريح تجاه الدولة لمساءلة توجهها ونظرتها للعمل الحزبي واختياراتها في هذا الشأن.
القيام بحملة وطنية نضالية لتعبئة القواعد الحزبية ومختلف المناضلين بدقة المرحلة واستنهاض الهمم.
تشكيل لجنة من المكتب السياسي واللجنة الادارية الوطنية لتتبع عمل واشتغال القطاعات الحزبية لتشخيص الحالة الراهنة ومد يد العون، مع الانفتاح على مختلف القطاعات بعيدا عن مفهوم الأطراف والفرق.
تدعيم لجنة الاعلام الحزبية لإبداع طرق ووسائل جديدة لتسويق جيد لعمل واجتهادات الحزب وبرلمانييه وقطاعاته.
احياء ودعوة جميع اللجن الموضوعاتية الى العمل المنظم والمبدع.
جعل ليلة الوفاء مناسبة للتجميع ولموعد انطلاقة جديدة لمختلف مكونات الحزب لما تميزه من رمزية حزبية.
*عضو اللجنة الإدارية الوطنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.