تحوّلَ الشارعُ المحاذي لمبنى دار الثقافة بمدينة القصر الكبير، مساء أمس الجمعة، إلى مُلتقى للحوار الثقافي عبر بوّابة الفنّ، التأمَتْ فيهِ عدد من المجموعات الفلكلوريّة، من المغرب وإسبانيا وبلغاريا وروسيا. أعضاء الفرق الموسيقية الوافدين على مدينة القصر الكبير، في اليوم الثاني من المهرجان الدوليّ للتلاقح الثقافي، التقوا في فضاء واحدٍ لامّ للجميع، وغنّوا ورقصوا على إيقاع أنغامٍ موسيقيّة. ويُكرّسُ الانصهارُ بيْن أعضاء الفرق الموسيقيّة القادمة من ثلاثة بُلدان أوربيّة وأعضاء فرقة جْبالة من الشمال المغربيّ، على أرض القصر الكبير، الهدفَ الأساسيّ للمهرجان، وهُوَ مدُّ جسور الحوار بين مختلف الثقافات. أعضاء الفرَق الأجنبية الثلاثة، الذينَ نزلُوا من الباخرةِ وتوجّهوا رأساً إلى دار الثقافة بالقصر الكبير التي تحتضن فعاليات مهرجان التلاقح الثقافي، بَدَوْا سعداء بحفاوة الاستقبال المخصص لهم من الجمهور القصري، خاصّة وأنَّ حاجزَ اللغة لمْ يكنْ قائما لألفة الألسن تداوُل اللغة الإسبانية بسهولة ويُسْر. وتفاعلَ جمهورُ القصر الكبير، الذي حجَّ بكثافة لتتبع العروض الفولكلوريّة، مع الفقرات المقدمة له، بينما حرص أعضاء الفرق الموسيقيّة، إلى جانب إبراز الفنّ الفولكلوري للدّول التي قدموا منها، على ارتداء الأزياء القديمة للمناطق التي وفدوا منها. وكانَ لافتاً التشابُه الكبيرُ بيْنَ أزياء فرقة إسبانيّة، قدمتْ من العاصمة مدريد، وبين الأزياء التي ترتديها النساء المغربيّات في بعض مناطق المغرب، بَلْ تشابهتْ حتى قسمات الوجوه المشتركة للعيش ضمن البيئة المتوسطية. الشاعرة أمينة الصيباري، التي تولّتْ تنشيطَ فقرات اليوم الثاني من المهرجان، لفتتْ إلى أنَّ الأزياء التي ارتدتْها نساء الفرقة الإسبانية تشبه، إلى حدّ التماهي، الأزياء التي ترتديها نساء إملشيل وقلعة مكونة. وبعْد إشارة الشاعرة الصيباري التفتَ عبْدُ الرحمان اللنجري، مدير المهرجان الدولي للتلاقح الثقافي بالعرائش، إلى إحدى عضوات الفرقة الإسبانية طالبا منها أنْ تتقدّم نحوَ الجمهور، قائلا: "دَخّلنا عْلِيكُمْ بالله وَاشْ هَادِي مَاشِي جْبْلِيَّة؟"، وتابع مازحا: "غَادِي نْسَمِّيوْها جبلية مرُّوكييس". واستؤنفت فعّاليات اليوم الثاني من المهرجان الدولي للتلاقح الثقافي، بعْد العروض الفنية والفولكورية في الشارع، بعرْضٍ لفرقة "زرياب" الإسبانيّة، تابعة لمعهد قرطبة، وهي المتخصصة في فنّ الفلامينكو المعاصر. عبد الله اللنجري قالَ إنَّ قائد الفرقة الموسيقية الإسبانيّة، أرنستو بلانكو، كانَ يسألُه متَى ستحينُ الفرصة لإقامة حفْل بمدينة القصر الكبير، والالتقاء بجمهورها، وأضاف: "كايْحماقْ يْجي للقصر الكبير"، بينما قالتْ الشاعرة الصيباري إنّ معزوفات قيثارات أعضاء الفرقة الإسبانية "تحكي شَجَنَ الموريسكيين". وبعْد آخر نوتة من معزوفات قيثارات أعضاء فرقة "زرياب"، صعدتْ على ركْح مسرح دار الثقافة الفنانة الإيبيرية Sara Sae، التي تغنّي بالإسبانية والعربية والعبرية وهي تؤدّي الفلامينكو، كما تغنّي لأحد "كبار عرب الأندلس" الذي هو ابن عربي. الفنانة Sara Sae وفدتْ على مدينة القصر الكبير للمشاركة في مهرجان التلاقح الثقافي تطوّعا، وعبّرت الشاعرة أمينة الصيباري عنْ شُكرها للموسيقية الباصمة على هذه الخطوة بقولها: "ما أحوجنا لهذه الشخصيّات المُتطوّعة من أجْل إعلاء شأن الثقافة والرقيّ بها". ووصفت الصيباري المهرجان بكونه "عرسا ثقافيّا وفنيّا يبعث رسائلَ كثيرةً إلى العالم عن المغرب، الوطن المتسامح والمتعدّد والمنفتح على باقي الثقافات، في وقتٍ يتنامى فيه التعصّب عبر العالم ويشتدّ"، وتابعتْ: "الفنُّ هو المنقذ الوحيدُ من هذا التعصّب". ولخّصَ المشهدُ الختاميُّ لفعاليات اليوم الثاني من المهرجان الدولي للتلاقح الثقافي صورةَ المغرب المتسامح والمنفتح، حيثُ التأمَ جميعُ الفنانين المشاركين في العروض على الركح، وذابت حدود الهويّات واللغات والدّيانات، وإن التجأ الجميع إلى الإسبانية كي يهتفوا ب: "عاشت مدينة القصر الكبير".