على الرغم من أنه عبر عن امتعاضه من ضعف المعلومات الرقمية المتوفرة حول الاستحقاقات الانتخابية للرابع من شتنبر الماضي، إلا أن هذا من لم يمنع محمد الطوزي، السوسيولوجي المغربي، من تقديم قراءة لما أسفرت عنه العملية التي "لا يجب إعطاؤها أكثر من حجمها، وتقديمها على أنها قوام الديمقراطية، لأن الانتخابات هي فقط ركيزة من ركائز الديمقراطية وتقدم صورة عن وضعية البلد" وفق تعبيره. الأكاديمي، الذي تحدث في إطار ندوة نظمها معهد HEM حول "قراءة لمشهد ما بعد 4 شتنبر"، أكد أن هناك العديد من المؤشرات التي يمكن التركيز عليها للقول إن البلد يتقدم، من بينها خسارة وزارة الداخلية للعديد من الدعاوى القضائية ضد جمعيات حقوقية، وهو ما اعتبره المتحدث دليلا على أن "القضاة بدؤوا يستوعبون مفهوم المصلحة العامة". بعد ذلك انتقل الطوزي للحديث عن الانتخابات الأخيرة كي يؤكد أنها كانت سياسية بامتياز، سواء من خلال الوعود المقدمة، وحتى تبادل المصالح بين الأعيان أو بين هذه الفئة والمواطنين، مضيفا أن التحضير للانتخابات قد بدأ قبل سنة، خصوصا من طرف حزب العدالة والتنمية الذي أطلق "قافلة المصباح"، وزاد أن "هنا يجب الانتباه إلى أن الحزب استغل شعاره، الذي هو المصباح، والذي له دلالة قوية؛ سواء في العالم الحضري أو القروي". وعدد الطوزي "العوامل التي ساعدت حزب العدالة والتنمية على اكتساح المدن"؛ من بينها العمل التواصلي الذي قام به الحزب، واعتماده على القرب في خطابه السياسي، لأنه "حتى عقيدة الحزب تجعل قنوات التواصل مع المواطنين أكثر ليونة" وفق محمد الطوزي. ولفت الطوزي إلى واحد من العوامل القوية التي ساعدت "حزب المصباح" بالانتخابات محددة في العمل الخيري، من خلال إقامة حفلات الزفاف أو التكفل بالجنائز، أو مساعدة المحتاجين في المناسبات الدينية، وقال أن "هذه ثقافة وممارسة قديمة، يعود أصلها للإخوان المسلمين"، وأكد أن هذا العمل الجمعوي والخيري يمكن حزب العدالة والتنمية من التوفر على قاعدة بيانات ضخمة للناخبين، و"هذا دليل على أن الحزب يشتغل، ومنظم". ومن بين الأدلة التي قدمها المتحدث ذاته، في سياق حديثه عن "القوة التنظيمية لحزب بنكيران"، أن العدالة والتنمية أعلنت أنها نجحت في تسجيل 300 ألف مواطن في اللوائح الانتخابية، وبالتالي فإن الكتلة الناخبة للحزب ارتفعت بحوالي 300 ألف صوت خلال الانتخابات الحالية، مقارنة مع سابقتها، و"هذا دليل على أن الحزب استقطب من يعرف أنهم سيصوتون لصالحه" وفقا لقراءة الطوزي. المحاضر شدد على أن المغرب شهد حملة انتخابية، كما كانت هناك لقاءات حزبية وتجمعات خطابية ضخمة، من بينها التجمع الذي عقده الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في مدينة فاس واستطاع جذب عشرات الآلاف من المواطنين. ومن الملاحظات التي توصل إليها الباحث المغربي أن الخطاب السائد هو خطاب الأخلاق، وليس الخطاب الديني. مردفا أن الأحزاب حاولت أن تجاري العدالة والتنمية في هذا المضمار، مقدما المثال بحزب التقدم والاشتراكية بعدما اعتبر الطوزي أنه اختار شعار "المعقول"، ولكن "هذا الشعار نجح بشكل محدود، لأن المعقول مرتبط في ذهنية المواطن بحزب المصباح أكثر من التقدم والاشتراكية" بناء على مداخلة الطوزي. كما أكد الطوزي أن إعادة تموقع السلطة في العملية الانتخابية كان "مكسبا دون ربح معركة الشفافية المطلقة للانتخابات"، مواصلا بذكره أن "السلطة كانت محايدة من الناحية التقنية"، قبل أن يوجه انتقاداته ل"الناخبين الكبار الذين بنوا تحالفاتهم على المصالح الشخصية، واعتبارات أخرى، ولم يكن أي حزب بمنأى عن هذا الأمر".