شتنبر 1991 تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب و جبهة البوليساريو بناء على مبادرة التسوية التي أطلقتها الأممالمتحدة، هي الخطة التي كان المغرب سباقا للموافق عليها، قبل أن تبادر جبهة البوليساريو إلى الانخراط فيها، لتتوج بإصدار مجلس الأمن لقراره عدد 690 سنة 1991، بناء على تقرير الامين العام للأمم المتحدة عدد 22464، حيث قرر بناء على ذات القرار أن ” ينشئ تحت سلطته بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية” كما حدد فترة انتقالية لا تتعدى ستة عشر أسبوعا، و إذا كان القرار محور هدفه الرئيسي في إجراء الاستفتاء، فإن مرور 24 سنة على إعلانه دون الوصول إلى النتيجة المرجوة منه يجعل من ضرورة طرح السؤال حول إمكانية مراجعته، سؤالا مركزيا في العلاقة بالأممالمتحدة و بالنزاع. قبل الدخول في الأسباب التي تجعل من الباحث في الملف يطرح فكرة تعديل و مراجعة هذا الاتفاق لابد من الإشارة إلى السياق الذي جعل جبهة البوليساريو توافق على وقف إطلاق النار و من خلالها اللوبي المساند و الداعم لها خاصة الجزائري: 1- بناء المغرب للجدار العازل، و هو الجدار الاستراتيجي الذي تسبب في أحداث خسائر كبيرة لدى جبهة البوليساريو، و إخراجها من الأقاليم الصحراوية بشكل نهائي، مما كان يشكل مقدمة لهزيمته العسكرية، بعد أن تم إنهاكه منذ سنة 1985 عسكريا و ماديا... إلى تاريخ التوقيع على الاتفاق. 2- التحولات الدولية التي عرفها العالم خاصة مع بداية انهيار المعسكر الشرقي، و سقوط جدار برلين و هما الحدثين اللذين شكلا معا إشارة إلى بداية تراجع و انحصار الدعم المادي و العسكري لجبهة البوليساريو، كذا على صعيد الدعم الإعلامي و الدبلوماسي من خلال التحول الكبير في الخريطة الدولية التي فرضت على جبهة البوليساريو القبول بالخطة الأممية. 3- الصراع السياسي الذي عرفته الجزائر في تلك الفترة الذي أدى إلى مواجهات دامية بين العسكر و جبهة الإنقاذ الإسلامية بعد فوز هذه الأخيرة في الانتخابات التشريعية، التي تم الانقلاب عليها من طرف الممسكين بزمام السلطة لتدخل البلاد في أتون حرب أهلية انهكت النظام العسكربالجزائر، من خلالها قيادة البوليساريو فما كان منها إلا أن وافقت و انخرطت مرغما في مخطط التسوية الأممي. هذه المؤشرات الثلاث هي التي واكبت موافقة قيادة البوليساريو على الدخول في حوار مع الأممالمتحدة من أجل التوصل للإتفاق، و هو الاتفاق الذي أبرز ما نص عليه ” تنظيم الاستفتاء في الصحراء”الغربية”، أصبح و بعد مرور 24 سنة على هذا الاتفاق طرح السؤال التالي: ألم تحن اللحظة و بالنظر للتحولات التي عرفتها المنطقة من خلال تزايد انهيار الأنظمة الداعمة للبوليساريو، و تراجع الدول الداعمة و المعترفة بها إلى أدنى مستوياتها على الصعيد الدولي، أن يطرح المغرب فكرة مراجعة و تعديل هذا الاتفاق بما يجعله مواكبا لمختلف هذا التحولات خاصة على مستوى نظرة الاممالمتحدة و معها المنتظم الدولي للنزاع و للمخارج الممكنة له؟؟ دون الحاجة لإعادة التذكير بخلاصة قرار مجلس الأمن الأخير 2218، و لا بتقرير الامين العام للامم المتحدة الصادر قبله، وصولا لتقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في غشت الماضي حول الحالة بالصحراء، و هي كلها تقارير و مواقف تعكس بشكل جلي التحول الذي عرفته الأممالمتحدة في مختلف أجهزتها على مستوى نظرتها للنزاع، حيث في جل هذه الوثائق خفت الصوت المنادي بتنظيم الاستفتاء، ليرتفع مقابل ذلك صوتا آخر أكثر واقعية و عقلانية و هو الصوت المنادي بضرورة الحل السياسي المتفاوض عليه للنزاع، و هو الصوت الذي كان السبب في بروزه معطيين: - الأول: وعي الأممالمتحدة باستحالة تنظيم الاستفتاء لصعوبة، بل لاستحالة إجراء إحصاء عام للصحراويين الذين سيشاركون في ”الاستفتاء”، و هو الوعي الذي بدأ في التشكل مباشرة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي حددتها الأممالمتحدة أثناء توقيع الاتفاق حيث وجدت صعوبة كبيرة في تحديد الهوية، و هي الصعوبة مع مرور 25 سنة على هذا الاتفاق و أكثر من 40 سنة على هذا النزاع المفتعل، نجدها قد ازدادت بفعل التحول الديموغرافي الذي عرفته المخيمات، نظرا لاستحالة تحديد من هم اللاجئون الحقيقيون بالمخيمات، من الفئات التي استقدمتها البوليساريو من خارجها للاستيطان بها قصد الرفع من عدد المقيمين هناك، و هو ما يتأكد مع استمرار رفض و تعنت قيادة الجبهة في تمكين الصحراويين من بطاقة اللاجئ و من إحصاءهم. - المبادرة السياسية التي قدمها المغرب سنة 2007 للأمم المتحدة، و هي مبادرة الحكم الذاتي، كمبادرة ديموقراطية، تحتوي المطالب و النزوعات الانفصالية، و الأصوات المحلية المنادية بحقها في التدبير المحلي، و هي المبادرة التي أصبحت منذ طرحها تحوز على مكانتها داخل وثائق الأممالمتحدة، و قراراتها كحل سياسي، معترف به و بجديته، مما جعله شيئا فشيئا يأخذ قوته، و يحوز على المصداقية دوليا، بل يشكل بديلا على طرح فكرة ”الاستفتاء”، لأنه حل في جوهره يستجيب للفكرة الأساسية التي انبنى عليها اتفاق وقف إطلاق النار ألا و هو إيجاد مخرج ديموقراطي يحقق مبدأ و فكرة تقرير المصير، و هو ما يستجيب له الطرح المغربي السياسي، الذي أصبح في كل سنة يحصل على نقط إيجابية في سلم التنقيط الدولي، مقابل تراجع فكرة دعم إجراء الإستفتاء، بعد اقتناع العالم باستحالة إجراءه، و استحالة نشوء دويلة جديدة بالمنطقة ستكون و بلا شك نقط تمركز للتنظيمات الإرهابية، و للمافيا. المغرب أمامه و مع انطلاق مسلسل التفاوض الذي دشن أولى خطواته كريستوفر روس مؤخرا بزيارته للمخيمات، فرصة تاريخية من أجل طرح فكرة مراجعة و تعديل اتفاق وقف إطلاق النار، ليستجيب لحاجة دولية قبل أن تكون مغربية، و هي إنهاء هذا النزاع المفتعل الذي أصبح و مع استمرار المخيمات لنقطة سوداء بأفريقيا خاصة بشمالها، إلى مربع لتمركز الإرهابيين يهدد السلم و الأمن بأفريقيا و العالم أجمع.