عديدون في عالمنا اليوم يتذكرون قصة اللص الشهير "روبن هود" الذي كان يسرق الأغنياء من أجل إطعام الفقراء، ولكن قليلون منهم يعرفون نسخا من "روبين هود" بقصته المعكوسة في واقعنا الحالي، ذلك الذي يسرق الفقراء ليطعم الأغنياء... ويعد المثل القائل: "ستعلمُ إذا انجلى الغبارُ أفرسٌ تحتك أم حمار" الأكثر عبرة في راهننا، وحال راهنيته في اقترانه بحال حكامنا، فالغبار وحده يعيق أصحاب المعالي والفخامات والجلالة حتى من رؤية أقدامهم، وفي دائرة الغبار التي تفصل بيننا وبينهم تلعب الفئران، ويجري الفساد، ويتعالى صخب الفقراء في حرب مفتوحة بعلم الحاكم أو بدونه، وحتى وإن بقي المغرب مستقرا وفق ما يتمنى من وضعوا أكفهم على قلوبهم، ولم يتنفسوا الصعداء بعد بسبب رياح الثورة المعدية ويبحثون عن "مخارج" لحساباتهم البنكية، فإنه بحال من الأحوال لن يبقى على حاله إلى الأبد، ف"إنما للصبر حدود"، وللاستقرار حدود ما دام استقرارا موهوما، يصوره إعلام لم يتعظ بما حصل لإعلاميين في تونس وهم يعترفون على الفضائيات العالمية بجبنهم خلال فترة بن علي. وفي المغرب دهاليز حبلى ب"البنعلية" و"المباركية"، فليس في جعبتها بن علي ولا مبارك واحد، بل يتعددون بحسب القطاعات التي يحتكرونها، وبحسب عدد العبيد تحت إمرتهم، وعدد الضحايا أمام عجلات اغتنائهم السريعة، وكم من بن علي يشتري صمت الإعلام والصحفيين ؟ وكم من بن علي يداعب جيوب الناس حتى إذا رضيت أو أبت أفرغها بالقانون حينا والاحتيال أحيانا ؟، ومع المرض العضال الذي تعانيه سلطة القضاء، وعدم قدرتها على صناعة الاستقلالية الذاتية، وخضوعها لسلطتي المال والسياسة، لن يجد المواطن الأعزل من يسمع صراخه، فيرضخ ويرضخ حتى "يصل الحديد العظم"، حينها فقط لن يوقفه الرصاص المطاطي ولا العصابات ولا الجمال والبغال ...حينها فقط يكون قد فات الاوان. وحتى لا تتهم الكلمات بالحفر في الماء أو التجديف في الهواء، وترك الواقع جانبا في التوصيف العام، نطرح الأسئلة التالية: كم عدد من تمت إحالتهم على المحاسبة والمساءلة، في العهدين الجديد والقديم، ممن امتلأت بأسمائهم بطون تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ومن ثبت في حقهم تبذير المال العام ؟، وأين وصلت قضية الصندوق العقاري والسياحي التي راوحت محلها مدة عقدين من الزمن لتقدم في النهاية اكباش فداء، بيد أن المتورطين فيها يوجدون اليوم في أعلى دوائر القرار؟ وكم من دولة تولى رئاسة حكومتها رجل يجر في ذيله فضيحة كبرى كفضيحة "النجاة" التي كان ضحيتها عشرات الآلاف من الشباب ؟. وفي أي نموذج من ديمقراطيات العالم صار الأشخاص يجولون ويصولون ويحكمون بمرسوم جديد يحمل عنوان "صداقة الملك"، ويستعملون "المرسوم"/"الظهير" ويستغلونه في تفكيك ما تبقى من المكونات السياسية، واستعمال الأجهزة الأمنية في التزوير وإدارة المؤامرات. وفي أي ديمقراطية يشد الكاتب الخاص للملك يده على "الصنبور" المزود للمنابر الإعلامية بالإشهارات، فيعدم من يشاء، ومن يتركه يعمر، ويبقى إلى حين خروجه عن "المألوف" ؟ وهكذا أعدم "لوجورنال" و"نيشان" وخنق العديد من المنابر اليوم وحجم من امتداد اقلامها، وسيف التهديد بالإفلاس مسلط على منابر أخرى، واللائحة أطول.
فبعيدا عن الغابات الكثيفة من الشعارات التي تسارع إلى التغطية على الواقع المغربي، الحقيقة المؤكدة أن النظام المغربي يحمل في أحشائه الأسباب المتكاملة لفقدان ما تبقى من صمامات الأمان، بسبب ظهور جيل من "الوسطاء" كل يدعي صداقة الملك، وتحت يافطة هذه الصداقة يتم استغلال السلطة والاستبداد وصناعة الخرائط السياسية، وتوظيف العائلات والأصدقاء، واستغلال النفوذ في التأثير على الإعلام وتدجينه، والتأثير على القضاء وتوجيه عمله وأحكامه، ما جعل الفجوة تتسع بين الملك والشعب، ويستغلها أصحاب المآرب الأخرى. فكم من مواطن إذن سيقول: نعم للثورة ؟ ...في حال استمرار عجلة الاغتناء السريع في دهس الفقراء، وعدم إنهاء احتكار العديد من المجالات من قبل وجوه معروفة، تتحكم في الأسعار وتشن حربها العشواء على جيوب المواطنين، وعدم إنهاء عصر "الكريمات" الحجري واقتصاد الريع عموما، وما خلفه من فقدان التوازن الإجتماعي، ومن احتقان بين المالكين لها والمكترين والعاملين تحت ألويتهم، ومن استغلال للثروات وتهريب الأموال، واستشراء للرشوى... هذه أسطوانتنا "المشروخة" التي نكررها على مسامعكم، نحن حملة العرش الحقيقيين لا الوهميين، بقبولنا الصمت تحت أقدام استبداد المتلاعبين في دائرة "الغبار"، ومنا من يستطيعون الدفاع عنه بالغالي والنفيس...فرب نسيم "لا رياح" يزيل الغبار حتى يستطيع النظر إلينا قبل فوات الأوان، فلا أحد من عقلاء الشعب ينام متقلبا على جنبيه من شدة الوهن، يحلم بثورة قد تأتي على الأخضر واليابس ولا بالعودة إلى سنوات الجمر والرصاص، بقدر ما يحلم الجميع بيوم تبزغ فيه شمس الإصلاح، ويعلو نجم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والعيش الكريم في وطن يسع الجميع... أما أن يحاول الجميع لعب دور "الصحاف" والدفاع عن "بيت العنكبوت" في تواطؤ إجماعي مكشوف بين ما يسمى برجالات الدولة، فذلك يعني ارتكاز "الاستقرار" المعني على هؤلاء، أما إذا "انجلى الغبار ، فستعرف أ فرس تحتك أم حمار؟". [email protected]